أثناء الصيام كلنا نشعر بتحسن الكثير من أعراض الجهاز الهضمي ونحس بالراحة والخفة الجسدية
كثرة الأطعمة تؤدي إلى التخمة
اعداد: د.أحمد الزبيدي أستاذ مشارك واستشاري الجراحة العامة وجراحة القولون والمستقيم
مع دخول شهر رمضان المبارك تزداد الحالة الإيمانية قوة عند المسلمين قاطبةً، كما يزداد حرصهم على القيام بالتكاليف الشرعية التعبدية في هذا الشهر الكريم. ولكي يستطيع المؤمن القيام بها على خير وجه فإن ذلك يتطلب منه أن يراعي صحة بدنه في المقام الأول حتى يتسنى له أداء الواجبات الدينية من صلاة وقيام ومناسك شرعية خاصة بهذا الشهر المبارك وهو أحد مطالب الشريعة الإسلامية السمحة التي لا يُطالب الله النفس إلا وسعها. اعلم عزيزي القارئ، أن الصيام ليس له تأثير ضار على الجهاز الهضمي السليم، بل مفيدٌ جدًا حيث ان الجسم له القدرة على التكيف والتأقلم حسب الظروف الصحية. فأثناء الصيام يحدث بطء في حركة الأمعاء مع نقص العصارة المعدية والمعوية وافرازات البنكرياس وهذا يؤدي لزيادة فترة راحة الجهاز الهضمي. كلنا نشعر بتحسن الكثير من أعراض الجهاز الهضمي أثناء الصيام ونحس بشعور من الراحة والخفة الجسدية وسبب ذلك هو تحسن أداء الأجزاء المختلفة من الجهاز الهضمي بصورة جيدة، إلا ان هناك بعض الحالات التي يمكن ان يتسبب الصيام في سوء حالتك الصحية إن كنت مصابا بأحد الأمراض لا سمح الله. وانا هنا اريد ان اشد انتباهكم الى أنه عندما يتعرض الإنسان السليم لأي توعك صحي نفسي وظيفي أو عضوي ينعكس ذلك على جهازه الهضمي وقد يشعر بالغثيان أو التقيؤ وقد يصاب بالمغص أو الإسهال وذلك ناتج عن تأثير الجهاز العصبي والإفرازات الهرمونية المختلفة للغدد الصماء على الجهاز الهضمي وهنا يكون العلاج هو الطلب من المريض الامتناع عن الأكل والشرب، وكثيرا من الناس يعملون بهذا الإجراء دون استشارة الطبيب بل إنه أصبح من البديهيات المعروفة لدى الكثير منكم حفظكم الله. فالصيام يريح العديد من الغدد ومن بينها غدة البنكرياس ففي حالة التهاب البنكرياس الحاد والشديد فان الخطوة الاولى التي نقوم بها كأطباء معالجين هو منع المريض من الاكل والشرب لمدة قد تتراوح ما بين اليومين والثلاثة وأحياناً كيفما اتفق مع تحسن حالة المريض من عدمه لكي يستريح البنكرياس. ومع علمنا وجليل علمكم عن فوائد الصوم إلا أنه تحدث بعد العوارض للكثير خلال شهر رمضان وبالذات في الأيام الثلاثة الأُوَل من الشهر والتي تكون ناتجة عن اضطرابات فسيولوجية بسيطة ناتجةً عن التغير المفاجئ في النظام الغذائي، من غياب وجبة الإفطار الصباحية، واستخلافها بوجبة السحر، والنوم بعد طعام السحور مباشرة، والإفراط في الطعام والشراب في وجبة الإفطار المسائية، إضافة إلى تنوع غير معتاد (عن بقية أشهر السنة) في الطعام وإضافة المعجنات والحلويات والسكريات وغيرها من أنواع الأطعمة التي تستعمل يومياً في شهر رمضان، ومن ثَمَ أداء الصلاة وقيام الليل على معدة مكدسة بالطعام مما يؤدي إلى اضطراب وظيفي يتمثل بوجع في الرأس أو دوخة وما إلى ذلك من أعراض سرعان ما تزول بعد مرور الأيام الأولى من الصيام. كما يشعر المدخنون ومدمنو القهوة والشاي بالذات (والمشروبات التي تحتوي على مادة الكافيين) عند الصيام بانه ينقصهم شيء، ومما قد يؤدي عند البعض منهم الى تعكر المزاج وسرعة الانفعال والشعور بالضيق والذي ينتهي تماماً عند التأقلم على الصيام خلال ايام قليلة، ولكن البعض الآخر قد يظهر انه متضايق كي يشعر من حوله انه صائم. هذا ما يحدث على المستوى الفسيولوجي الذي من المعلوم لك أخي القارئ أنك إذا تعاملت مع الصيام على أنه عبادة فإن كثيرا من هذه الأعراض لن تحدث إن لم يكن كلها. إلا أن هناك أعراضا لأمراض حقيقية موجوده عند المريض بعضها لا يظهر إلا وقت الصيام وبعضها يزداد خلال الصيام ومنها: نوبات وجع البطن الشديد التي تحدث لبعض المرضى الذين لا يشكون من أية أوجاع وخلال الصيام يصابون بوجع بطن شديد (حرقة) (حموضة) ( قيء) أو نوبات مغص شديدة لوجود قرحة مزمنة أو التهابات في المعدة أو الاثنى عشر. والحال نفسه في نوبات ألم المرارة ففي شهر الصيام وبسبب الإفراط في وجبة الإفطار الدسمة كماً ونوعاً التي تحتوي على الكثير من المقالي كالسمبوسة واللقيمات، تظهر عوارض المرارة الناتجة عن حصيات موجودة سابقاً في المرارة دون علم المريض بها. أخي القارئ من العادات السيئة التي يجب الابتعاد عنها؛ الإكثار من كمية الطعام المتناول عند الإفطار الذي يؤدي عادةً إلى التخمة والإعياء وأحياناً القيء والخمول والتعب الشديدين. إن تناولك أصنافا عديدة من الأطعمة بالذات الدسمة منها ليلاً ظناً منك انها تحميك من جوع النهار، اعتقاد غير صحيح وغير صحي البتة. كما أن تناول كميات كبيرة من السوائل ليلاً خوفاً من العطش في النهار مع الأكل النَهِم عند الإفطار يؤديان إلى اضطرابات هضمية ومشاكل بولية. ومن مضار الاعتماد على السكريات والحلويات الخاصة بشهر رمضان المبارك أنها تؤدي إلى زيادة في الوزن خلال شهر الصيام. إن التدخين مع التهام كميات كبيرة من الدهون والبهارات والشطة والمخللات بلا شك تزيد من أعراض مرض الارتجاع المعدي المريئي (أي ارتداد حامض ومحتويات المعدة نحو المريء). فالسبب الرئيسي لهذا المرض الشائع هو ارتخاء صمام المريء السفلي مما يسهل الارتجاع الى المريء مسبباً بذلك التهاباً حاداً فيه، ومع استمرار هذه الحالة المرضية بدون علاج ومع زيادة الممارسات الغذائية وفي رمضان بالذات فإن الأمر سوف ينتهي بالتهابات مزمنة وتقرحات في أسفل المريء، قد تؤدي لتليف وتضيق في أسفل المريء (الثلث الأخير منه)، وبعد مرور سنوات طويلة قد يحدث – لا سمح الله -تغيير في نوعية خلايا المريء مما قد يمهد الطريق لحدوث تغييرات سرطانية فيه.
مما يُنصح به في شهر الله المبارك أن الامتثال لأمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فعن أنس -رضي الله عنه - قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم-: (من وجد تمراً فليفطر عليه ومن لم يجد فليفطر على الماء فإنه طهور)، وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من الماء. ولو بحثت عن أفضل ما يحقق هذين الهدفين معا (القضاء على الجوع والعطش) فلن تجد أفضل من هدي السنة المطهرة في تناول التمر الذي يفضل أن يكون كسر الصيام به أولا فهو لين على المعدة لطيف بالجهاز الهضمي ومصدر للسكر سريع الوصول الى الدورة الدموية، فثلثا المادة السكرية الموجودة في التمر تكون على صورة كيميائية بسيطة (السكريات الأحادية والثنائية كالجلوكوز والسكروز) تجعل عملية هضمها وامتصاصها سهلةً جداً، وهكذا يرتفع مستوى سكر الدم في وقت وجيز. يستحب بعد تناول التمر أن يأخذ الصائم فترة صغيرة من الراحة والحركة، يصلي فيها المغرب. فهي راحة محارب تساعد الجهاز الهضمي على استئناف العمل والحركة وتؤهله لاستقبال طعام الإفطار والتعامل معه سريعا دون كسل وبدون أن يحدث عسر الهضم والشعور بالخمول والكسل الذي يحدث لمعظم الصائمين الذين يلتهمون طعام الإفطار دفعة واحدة. يتبعها بتناول حساء دافئ (شربة) بعد عودته من الصلاة مع قليل من الشواء أو المسلوق من النعم (اللحم والدجاج) مع الابتعاد ما أمكن عن المسبكات والأطعمة الدهنية (الإدامات الغنية بالسمن والزيت) أو كثيرة التوابل لأنها ترهق الجهاز الهضمي وتسبب الانتفاخات وعسر الهضم، مع الاعتدال في الكم والنوعية واعتبار وجبة الإفطار وجبة عادية مثل الغداء أو العشاء في الأيام العادية، مع عدم الإكثار من تناول السوائل مع أو بعد الإفطار مباشرة لأنها تعيق عمل المعدة. قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) (الأعراف:31) ولا بأس بقليل من الحلى ولكن ليس على وجه الانتظام (أي يوميا) فهو لا يعود بالفائدة على الصائم بل على العكس يؤدي إلى زيادة الوزن والتخمة وغيرها من العوارض المرتبطة بصحة ونظافة ونوعية هذه الحلويات والتي يُنصح بتعويضها بتناول الفاكهة الطازجة. وأخيراً تذكر أخي القارىء/ئة ما قاله الصادق المصدوق ساكن طيبة الطيبة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه). اللهم بلغنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين وأكرمنا وقدرنا على صيامه وقيامه وتقبله منا يا رب العالمين. كل رمضان وجهازكم الهضمي بألف عافيه.
تجنب المقليات والمعجنات
ابدأ إفطارك بالتمر
استبدل المشروبات الساخنة بالعصائر الطازجة