الآلام الناشئة خلاله تعيد توازن النواقل العصبية
.. وهو فرصة سانحة للتخلص من العادات السيئة كالتدخين
إعداد: د.علي الزهراني استشاري نفسي وأستاذ مشارك في كلية الطب
لا يخفى عليكم اعزائي القراء الاهمية البالغة للصيام ليس فقط على الجوانب الصحية والجسدية بل ايضا على الجوانب النفسية والروحانية، فالتقرب إلى الله عز وجل يساعد على بث الطمأنينة والراحة النفسية، وبالتالي تحسن وتغير المزاج للأفضل. فرمضان يعطي الصائم فرصة التوقف عن المعاصي ومراجعة النفس والسلوكيات المنحرفة خلال الاشهر المنصرمة ومن ثم ابرام العهود والمواثيق مع النفس بأن لا يعود الى تلك الذنوب والمعاصي التي ارهقته "نفسيا" نتيجة لمحاسبة النفس المستمر وكذا الاحساس بعقدة الذنب ووخز الضمير، لان ارتكاب المعاصي بلا شك سيولد لدى "لغالبية" منا تأنيبا للضمير وستعكر صفو حياته، وبالتالي تولد لديه الهموم والاحزان.
ولعل أهم ما يميز الصوم عن بقية العبادات هو الامتناع عن تناول الطعام والشراب وممارسة الشهوات خلال النهار، بالإضافة إلى الجو الروحاني الخاص الذي يمتاز به شهر رمضان كالمشاركة الاجتماعية بين افراد المجتمع بعضهم بعضا وزيادة اللحمة بين الاقارب والارحام والجيران والاصدقاء والزملاء، فضلا على الرفق بالفقراء والاحساس بهم.
إن الكثير من الدراسات اثبتت ان الصيام يساهم في تحسين المزاج وبالتالي الاقلال من مرض الاكتئاب الذي يشكل (7% عالميا) خاصة البسيط منه والمتوسط نتيجة لتحمل الصائم للآلام النفسية والجسدية المصاحبه للاكتئاب بسبب تنامي قوة الإرادة التي يمنحها له الصيام عند الامتناع عن الأكل والشرب، بل إن الآلام التي تنشأ من الصيام تحسن من كفاءة النواقل العصبية التي تنتج في المخ عند حدوث آلام. كما أثبتت بعض الدراسات الحديثة ايضا أن الصيام يعيد توزان الناقل العصبي المعروف ب(السير وتونين)، هذه المادة التي يؤدي عدم توازنها الى حدوث الاكتئاب، بل ان البعض من الدراسات ذهب الى ابعد من ذلك وذكر ان نسب الانتحار تتقهقر في هذا الشهر الفضيل والسبب في ذلك ان خلو المعدة يؤدي الى صفاء الذهن هذا فضلا على ان قرب الانسان من الله وتواصله المستمر مع القرآن والصلاة يزيد من طمأنينيته ويزيد من تفاؤله ويزيد من امله ويزيد من زهده في هذه الدنيا وبالتالي يزيد من تفكيره في الآخرة وهذا يقوده الى التحسن في مزاجه ويرفع من صحته النفسية.
كما ان للصوم دورا مهما ايضا في التخلص من القلق الذي يعتبر سمة من سمات عصرنا الحالي، حيث تصل نسبة الاصابة به عالميا الى 30-40 % بسبب الانشغال بهموم الحياة والتفكير في الاسرة ومستقبل الابناء وضغوط العمل والمشاكل الاسرية وبالذات بين الازواج، فالصوم يهدئ النفوس ويزيد من التسامح والترابط بسبب الانقطاع لقراءة القرآن، حيث ان التسابق في ختم القرآن يجعل الصائم حتما يمر بآية تحثه على التسامح وبر الوالدين وصلة القربى ومساعدة المساكين واحترام حقوق الجار وحب الخير للآخرين ايا كان هؤلاء الآخرين سواء الاقارب او الابناء او الازواج اوالجيران او بقية افراد المجتمع اوالمسلمين اوحتى غير المسلمين، هذا فضلا على النشاط الدعوي الملحوظ للدعاة في هذا الشهر الكريم.
ان الشهرالكريم بحد ذاته فيه شفاء ورحمة وشعور بالاطمئنان وهو ما يجعل الصائم يحس بالاقلال من التوتر والقلق والتي بدورها تقلل من التفكير في الوسواس المرضية وتحسن من الأفعال القهرية بسبب انشغاله بالعبادات الرمضانية.
كما ان صلاة التراويح وحضور المناسبات الاجتماعية الرمضانية وحلقات الذكر والافطار الجماعي تقلل بالتدريج من المخاوف المرضيه وبالذات الرهاب الاجتماعي لان حضور هذه المناسبات الدينية يعتبر اشبه بالعلاج بالتدرج للاشخاص الذين يعانون من المخاوف الاجتماعية.
كما انني ادعو الاخوة الذين يمرون بمرحلة النقاهة من تعاطي المخدرات او المدخنين او من لديهم عادات سيئة الى الانخراط في ممارسة عبادة (الاعتكاف) في شهر رمضان المبارك خاصة بوجود صحبة من الاخيار خلال فترة الانقطاع للعبادة. هذا فضلا على ان العبادة بحد ذاتها ستساهم في تحريك مادة (الاندوروفين) وهو عبارة عن مقويات او مخدر طبيعي يساعد على تقليل الآلام الناتجة عن الانسحاب وبالتالي يساهم في بث الطمأنينة ويبعث على الهدوء والسكينة والاقلاع التدريجي.
كما لا يفوتنا ان نوضح للاخوة القراء الذين لديهم اقرباء يعانون من الامراض النفسية ان نوضح نقطة مهمة حول "صيام المريض النفسي"، فالامراض النفسية يمكن تصنيفها بشكل مبسط "للقراء" الى نوعين اساسيين: مرض نفسي ومرض عقلي. فالامراض النفسية في جلها (قلق واكتئاب ومخاوف ووساوس) يستطيع الانسان فيها الصيام متى ماكانت في الحد الطبيعي. اما الامراض الذهانية (هوس وفصام) والتي تكون عادة مصاحبة لها هلاوس وضلالات فهؤلاء هم اللذين يرفع عنهم الصوم والصلاة لانهم لا يشعرون بما يقومون به ولا يميزون بين الحقيقة والخيال!
المشكلة ان بعض الاخوة "هداهم الله" يعتقد ان قريبه في رمضان كان اقرب الى الله بالعبادة وبالتالي ظهرت عليه نبوءة "المهدي المنتظر" وهنا نقول ان اخوك هذا يعاني من "الاضطراب الوجداني ثنائي القطب" ويمر بحالة "نوبات الهوس الحادة" حيث يضطرب التفكير ويعاني من ضلالات قوية قد يدعي بان الله قد خصه بالرسالة او انه المهدي المنتظر على اعتبار ان الكثير من الناس يصدق بخروجه في أي لحظة! ومثل هذه الحالات تحتاج الى علاج دوائي مثل "ملح الليثيوم" ولكن علينا ان نشدد هنا بعدم السماح له بالصيام، لان استخدام اللثيوم مع الصيام قد يؤدي الى الفشل الكلوي "لا سمح الله" لان بعد استخدام الليثيوم يحتاج المريض الى شرب كمية من السوائل.
هناك بعض الامراض النفسية قد يصاب بها الانسان فجأة في شهر رمضان مثل نوبات الهلع وهنا لابد ان يشاهد من قبل الطبيب النفسي ولربما يشير عليه بالعلاج النفسي اللادوائي او لربما يشير عليه بالدوائي، وميزت الدوائي لانه يؤدي الى تهدئة النوبة ولكن عليه ان لا يفطر تلقائيا من جراء نفسه كي لا يصاب بنوبة هلع اخرى لاننا لانستطيع ان نجزم بحدوث النوبة،, فكما هو معلوم النوبة قد تأتي يوميا او اسبوعيا او شهريا بسبب مؤثرات خارجية لا يستطيع ان يتحكم فيها المريض. ومثل هؤلاء المرضى قد يفطرون ويقضون بعد رمضان عكس الامراض الذهانية والذين لا صوم عليه ابتداء على اعتبار انهم يعانون من امراض عقلية مزمنة.
ونشدد هنا على ضرورة ان يناقش امر الصيام مع طبيب نفسي موثوق لكي يقرر صيام المريض من عدمه.
ان رمضان فرصة سانحة للخلوة النفسية وترويض النفس وتدريبها على التحكم في الذات وتقوية الايمان من خلال كبح جماح النفس وترك المعاصي وبعض العادات السيئة كالتدخين وخلافه قد تؤدي الى توتر الاعصاب كالافراط في شرب القهوة والشاي وخلافه.
للصوم دور مهم في التخلص من القلق
يمتاز شهر رمضان بالمشاركة الاجتماعية بين أفراد المجتمع