طبخ الطعام بدرجات حرارة عالية يسبب نقصاً شديداً في المعادن

د. شريفة بنت محمد العبودي
    المعادن عناصر غذائية مهمة للجسم. وهي عادة خامدة عندما تكون خارج الجسم الحي. وعندما تدخل الجسم تبدأ فاعليتها، فهي المسؤولة عن مرونة العضلات، وعن نقل رسائل الجهاز العصبي، وعن التوازن الحمضي القلوي للجسم، وأهم من كل ذلك عن مدى استفادة الجسم من الطعام.
وهناك مجموعتان من المعادن هما: التي يحتاجها الجسم بكميات كبيرة نوعاً ما (حوالي 100 ملغ فأكثر) ومنها الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والفسفور والمغنيسيوم. والمعادن التي يحتاجها الجسم بكميات ضئيلة، ومنها الحديد واليود والزنك والنحاس والسيلينيوم والمنجنيز.. الخ. ولكل نوع من المعادن (سواء احتاج الجسم منها كميات كبيرة او صغيرة) مهمة معيّنة، ومن الصعب القول إن إحداها أهم من الأخرى لأن استفادة الجسم من إحداها تتطلب وجود أخرى. ففي الجسم تعمل بعض المعادن متزامنة، فالصوديوم والبوتاسيوم يعملان معاً لمرونة انبساط وانقباض العضلات. وترتبط الاستفادة من الكالسيوم بوجود المغنيسيوم. ولكن نقص المعادن في التربة التي ينمو فيها النبات يؤثر على كمية المعادن في ذلك النبات، ولذلك ينتشر نقص المعادن لدى الإنسان بشكل أكثر مما كان يعتقد سابقاً. فالممارسات الحديثة مثل قطف المزروعات قبل تمام نضجها (لكيلا تتلف قبل وصولها للمستهلك)، وسوء تخزين الخضروات، واستهلاك التربة بزراعة نفس المحاصيل كل سنة، ورش النباتات والتربة بمبيدات الحشرات، وطبخ الطعام بدرجات حرارة عالية (كالتحمير الغزير بزيت حار جداً)، كلها تجتمع لتسبب نقصا شديداً في المعادن التي تصل إلى الإنسان من طعامه. وقد قام الدكتور دونالد ديفس من جامعة تكساس عام 2004 بدراسة (يمكن الوصول إليها عن طريق الشبكة المعلوماتية تحت:Donald Davis, 2004 ) تتبع من خلالها تأثر جودّة 43 نوعا من المحاصيل خلال عدة عقود، وقد وجد نقصاً كبيرا في كثير منها.
ووجود المعادن في الجسم يرتبط بنسب معيّنة لها علاقة كيميائية حيوية بتفاعلات الأيض (هضم الطعام والاستفادة منه). ونقصها يؤدي إلى اختلال التفاعلات، أي ان الطعام الفقير بالمعادن لا يستفيد منه الجسم بالشكل المفترض مهما بدا ذلك الطعام وفيراً وشهياً!! ومن المهم الإشارة إلى ان تناول المكملات الغذائية (الفيتامينات والمعادن على هيئة حبوب او كبسولات أو شراب) بكميات غير مقننة قد يؤدي إلى تركزها في الجسم بكميات تفوق قدرة الجسم على التخلص منها. وحتى تناول كميات كبيرة من طعام واحد ولمدة طويلة قد يؤدي إلى زيادة معدن ما في الجسم مما يؤدي إلى عكس ما كان الانسان يرجوه من أكل ذلك الطعام. فمثلاً، زيادة الكالسيوم يمكن أن تتركز في الجسم على هيئة حصيات كلى، او على هيئة إصابة بالإمساك. والمغنيسيوم الذي يساعد على مرونة حركة العضلات، والذي له أيضا صلة بأكثر من 300 نوع من الانظيمات (إنزيمات)، تسبب زيادته تيبس العضلات، وذلك عكس المرجو منه! وزيادة الفسفور (التي يمكن أن تحصل بسبب زيادة تناول المشروبات الغازية في العلب المعدنيّة) قد تؤدي إلى اضطراب امتصاص الكالسيوم.
والمحصلة من ذلك كله ان حصول الجسم على كفايته من المعادن علم غزير له تشعبات كثيرة يصعب على الإنسان العادي الإلمام بها. ولكن أسلم الطرق هي: 1) تناول الطعام الكامل غير المصنع والمعالج، فعلى سبيل المثال لا الحصر: فصل الجنين والنخالة عن الحبوب يؤدي إلى فقد عناصر مهمة لها صلة باستفادة الجسم من المعادن في الحبوب. وتكرير قصب السكر لتصنيع السكر الأبيض يؤدي إلى فقد كل العناصر المفيدة في قصب السكر. 2) تناول الطعام الطازج (المنتج محلّيا) والذي ينمو في فصله، أي تناول فاكهة وخضروات الصيف في الصيف وفاكهة وخضروات الشتاء في الشتاء.. الخ. وهناك حكمة عظيمة من تقلب فصول السنة وتوفر أنواع محددة من الأطعمة في كل فصل، وهي حتى لا يستمر الإنسان في تناول نفس الأطعمة على مدار العام فتتراكم انواع معينة من المعادن في جسمه ويفتقر إلى أخرى.