الورم الأول الأكثر شيوعاً بين السعوديين.. والفحص الطبي ضروري لمن تجاوز الخمسين من العمر
سرطان في المستقيم
د.أحمد الزبيدي
يمر علي في عيادتي مرضى مصابون بسرطان المستقيم تحديداً وليس القولون يبحثون عن علاج آخر غير الجراحة وحُق لهم ذلك ويحاولون أن لا يقعوا تحت مشرط الجراح ولا تثريب عليهم إن خافوا من ذلك. ومنهم من لا يقتنع ولا يصدق أصلاً أنه مصاب بالسرطان ولا لوم عليه في البداية وذلك لهول الصدمة وعظم المصيبة التي أصابته. وينسى بل ويتناسى كثير منا الحديث المذكور في مسند الإمام أحمد: من حديث زياد بن عِلاقة عن أُسامةَ ابن شَريكٍ، أنه قال: «كنتُ عندَ النبي صلى الله عليه، وجاءت الأعرابُ، فقالوا: يا رسول الله؛ أَنَتَدَاوَى؟ فقال: «نَعَمْ يا عبادَ اللهِ تَدَاوَوْا، فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يضَعْ داءً إلا وَضَعَ لَهُ شِفاءً غيرَ داءٍ واحدٍ»، قالوا: ما هو؟ قال: «الهَرَمُ». وفي المسند: من حديث ابن مسعود يرفعه: «إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يُنْزِلْ داءً إلا أنزَلَ لَهُ شِفاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ». بل وينسى أن المرض من أقدار الله والعلاج كذلك من أقدار الله، ففي المسند والسنن: عن أبى خِزَامةَ، قال: قلتُ: يا رسول اللهِ؛ أرأيْتَ رُقىً نَسْتَرْقِيهَا، ودواءً نتداوى به، وتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هل تَرُدُّ من قَدَرِ اللهِ شيئا؟ فقال: «هي من قَدَرِ الله».
قد تتساءل أخي القارئ ولكن لماذا سرطان المستقيم تحديداً ؟، أليس القولون والمستقيم جزء واحد وهما عضوان متصلان يعملان سوياً ويسميان الأمعاء الغليظة؟ وفي نهاية الأمر كلاهما معرض للسرطان وكليهما إذا ما أصيبا به أدى هذا المرض لانسدادهما ومنها يصاب المريض بالألم وانتفاخ البطن والإمساك ونزول الدم مع البراز أجلّكم الله؟!! والإجابة أن كل هذا صحيح ولكن الفروقات بين سرطان القولون وسرطان المستقيم هو موقع العضو المصاب بهذا الداء. فالمُستَقيمُ هو الجزءُ الأسفل من الأمعاء الغليظة، وهو موجود في جميع الثدييات، وطول المستقيم في الإنسان حوالي 12 سم، ووظيفته هي الاحتفاظ بالفضلات حتى تخرج من الجسم عن طريق فتحة الشرج التي توصله بالوسط الخارجي. والحقيقة الصعوبة فيه تكمن في موقعه الذي يوجد معظمه داخل تجويف الحوض الذي يكون ضيقاً عن الرجال مما يصعب عملية تشريحه واستئصاله جراحياً. كما أنه محاط بعظم الحوض مزدحماً مع المثانة والأوعية الدموية والمسارات اللمفاوية والأعصاب الحيوية والأعضاء التناسلية سواء الذكورية أو الأنثوية منها. ومن هنا عندما يصاب الإنسان بالسرطان في مستقيمه فإن لم يُكتشف مبكراً فإن السرطان أكثر قدرة على إصابة الأعضاء المجاورة والانتشار السريع من خلال الأوعية الدموية على أعضاء قريبة كعظام الحوض والعمود الفقري أو أعضاء بعيدة كالكبد والرئتين والدماغ - وهو الشيء الذي نادراً ما يفعله سرطان القولون.
يعتبر سرطان المستقيم السرطان الأول الأكثر شيوعاً بين السرطانات في الرجال والثالث في النساء في المملكة. يظهر هذا المرض بالعادة في سن الخمسين (50) عاما، ونسبة المرضى الذين يعانون منه ترتفع بصورة حادة بعد هذه السن. اي ان السن هو عامل الخطر الاكثر اهمية. ينشأ سرطان القولون والمستقيم من النتوءات (أو اللحميات) الحميدة -التي تتكون في بطانة المستقيم. وليست جميع اللحميات قابلة للتحول إلى سرطان. اللحميات التي تعرف باسم الأورام الغددية هي السلائف لسرطان الجهاز الهضمي عموماً والمستقيم. ليست كل عوامل الخطورة للأورام الغددية وما يحولها إلى سرطان معروفة. أفضل عوامل الخطورة المعروفة هي زيادة الدهون في الطعام، قلة الألياف، تقدم العمر وتغيرات في الجينات. هنالك عوامل خطر اخرى ألا وهي: اتباع نظام غذائي غني بالبروتينات والدهون من مصادر حيوانية، استهلاك زائد للسعرات الحرارية، التدخين والاستهلاك الزائد للكحول. وفي المقابل، فان تناول الفواكه والخضروات الغنية بالألياف الغذائية والسليلوز (مركب كربوهيدراتي نباتي)، بالإضافة الى ممارسة النشاط الرياضي -تؤدي الى تقليل خطر الاصابة بشكل ملحوظ. اي انه من خلال تغيير اسلوب الحياة يمكن منع ما لا يقل عن 50 ٪ من الحالات.
يتم تشخيص 1.2 مليون فرد بسرطان القولون والمستقيم سنوياً في أنحاء المعمورة. فهو شائع جدا وينطوي على معدلات مراضة ووفيات مرتفعة تصل الى 50 ٪ من المرضى الذين يصابون به. في عام واحد من المتوقع ان يموت من جراء هذا المرض أكثر من 1,000,000 شخص في انحاء العالم المختلفة. كما أنه السبب الرابع للوفاة من بين سرطانات الرجال بعد سرطان الرئة والكبد والدم والسبب الثاني لوفيات النساء من السرطان بعد سرطان الثدي. يمر سرطان المستقيم بأربع مراحل، يكون فيها مستوطناً في داخل جدار المستقيم بدرجات متفاوتة في المرحلة الأولى والثانية فاذا ما تم اكتشافه في إحدى هاتين المرحلتين فإن نسبة الشفاء منه بإذن تكون أكثر من 80%. تقلل نسب الشفاء منه كلما تقدمت مرحلته المرضية فتصبح 60% إذا خرج الورم من جدار المستقيم وغزا أو وجد في الغدد اللمفاوية وتتدنى النسبة الى أقل من 30% في المرحلة الرابعة وهي مرحلة انتشاره في الأجزاء البعيدة من الجسد. للأسف لا تدل الأعراض التي يشتكي منها المريض في كثير من الأحيان على مرحلة السرطان المرضية. فنصيحتي لك أخي القارئ السليم المعافى الذي لا يشتكي من أية أعراض أن تقوم بالكشف على قولونك بالمنظار إذا كنت مما ينطبق عليه التالي:
• بلغت من العمر خمسين عاماً وأكثر.
• إذا كان قد سبق وعانيت من نشوء سلائل (لحميات) في القولون او في المستقيم.
• إذا كنت تعاني امراضاً التهابية في الامعاء/ القولون/ والمستقيم.
• خلل وراثي له تأثير على القولون والمستقيم: المتلازمات الوراثية التي تنتقل في العائلة من جيل الى اخر يمكن ان تزيد من خطر الاصابة بمرض سرطان القولون.
حماكم الله جميعا وأخيرا تذكروا أن درهم وقاية خير من قنطار علاج، ففي سنن ابن ماجه مرفوعا من حديث أبى هريرة: «مَنْ لَعِقَ العَسَل ثَلاثَ غدَوَاتٍ كُلَّ شَهْرٍ، لَمْ يُصِبْه عَظِيمٌ مِنَ البَلاءِ»، وفى أثر آخر: «علَيْكُم بالشِّفَاءَيْنِ: العَسَلِ والقُرآنِ»، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع بين الطب البَشَرى والإلهي، وبين طب الأبدان، وطب الأرواح، وبين الدواء الأرضي والدواء السمائي.
ممارسة النشاط الرياضي تؤدي الى تقليل خطر الاصابة بشكل ملحوظ
الفواكه والخضار ضرورية