القلق هو انتظار مجهولٍ مؤذٍ لا ندري عنه شيئا؛ إذ لا نعرف من أين تحديدا سيأتي الأذى؛ من مرض، أو من موت، أو من عمل، أو من دراسة، الخ.
القلق يختلف عن الخوف كثيرا؛ ﻷن الخوف هو شعور يظهر حين نتوقع الأذى من مساحة معلومة لنا؛ فمثلا: قد أذاكر جيدا أربعة فصول من كتاب سيتم امتحاني فيه، والكتاب مكون من خمسة فصول؛ فحينها أخاف من أن تأتي الأسئلة من الفصل الخامس الذي لم أقم بمذاكرته، ولكن حين أخاف من الامتحان، رغم أني قد ذاكرت الفصول الخمسة، فهنا نسميه قلقا.
* القلق الطبيعيالقلق بعضه طبيعي؛ ﻷنه يدفعنا للحفاظ على الأمور الثمينة التي نحتاجها بشدة جميعا كبشر، أو كل على حدة في مساحات تهم كل واحد منا؛ فكلنا نحمل غريزة الحفاظ على سلامة أجسامنا؛ وكلنا نتوخى الحذر ونقلق حين نتعرض ﻷمر يهدد حياتنا أو سلامتنا، ووجود درجة القلق هذه ستجعلنا في حالة من الانتباه المطلوب للحفاظ على أرواحنا حين نقوم بعبور طريق سريع مثلا.
* القلق المرضيولكن نظرا لوجود أمور غير صحية في تربيتنا فقد يتحول القلق الطبيعي لدرجة مرضية عند بعض البشر؛ فبدلا من توخي الحذر عند عبورنا لطريق سريع وهو جزء طبيعي، نجد مثلا من يرفض نزول الشارع، أو يرفض ركوب السيارة.
وهذا القلق المرضي ينتج عنه آثار متعددة تتأرجح في الشدة والنوع بدءا من الاستثارة السريعة، والغضب، ومرورا بالرهاب، ونوبات الهلع، وانتهاء بالوساوس القهرية والاكتئاب النوعي الخ.
فالاستثارة السريعة، والغضب إذن هي أبسط درجة من درجات التوتر والقلق، وقد تكون بسبب غضب كامن من أمور حدثت لك في الماضي ولا تعرفينها، أو تعرفي جزءاً منها.
وفيما يلي بعض الخطوات العملية للتعامل الصحي مع غضبك: - اختاري أوقاتاً تكوني فيها هادئة، وفكري بهدوء وراحة في حقيقة ما أغضبك في موقف ما ولكن بشكل جديد؛ بحيث تدربي نفسك على التقاط الفكرة العميقة التي تختبئ وراء غضبك، وتكون هي حقيقة غضبك.
مثال لذلك: اتصلت بصديقتك عدة مرات ولم ترد، في هذه اللحظات قد تشعرين بالضيق والغضب؛ ولكن هل غضبك بسبب عدم ردها عليك؟ الحقيقة إن غضبك ناتج عن الفكرة التي واتتك قبل الغضب مباشرة ولم تلحظيها؛ ﻷنها تحدث في أقل من النانو ثانية؛ الفكرة هي: (صديقتي تهملني، إذن أنا الضعيفة التي تتوسل للعلاقة، أنا هكذا منذ نعومة أظفاري، لا أستحق حب واهتمام أحد)، هذه هي الفكرة وراء غضبك، فغضبك إذن حقيقة وجوده هو تلك الأفكار، أو غيرها من الأفكار.
اكتشافك لما وراء غضبك بصدق وتؤدة، يساعدك على أن تتعرفي على القناعات التي حفرت بداخلك منذ سنوات، وتعاملت معها وكأنها حقيقة مسلم بها، هذه القناعات هي التي ستحتاج منك للعمل الحقيقي؛ وهي التي تحتاج منك لجهد التخلص من "صنم" عاش بداخلك سنوات طويلة.
- مارسي التنفس الصحي؛ وأبسط طرقه هو:
1. أن تجلسي في وضع مريح لك تماما؛ تشعرين فيه بارتخاء حقيقي لكل جزء من أجزاء جسمك.
2. راقبي كل جزء من أجزاء جسمك، ولاحظي توتر أي عضو وقومي بإرخائه.
3. خذي نفسا عميقا ببطء من أنفك، واحتفظي به قدر الإمكان ثم أخرجيه كما دخل ببطء وهدوء، ولكن من فمك هذه المرة، وهكذا حتى تستشعري باسترخاء كل أجزاء جسمك.
المداومة على هذا التدريب، وغيره من تدريبات الاسترخاء، مرتين يوميا، بحيث يصبح جزءاً من حياتك يؤتي المرجو منه من تحكم عصبي عضلي، ويساعد على هدوئك وتحكمك في أعصابك.
- غيري الإيقاع اليومي والأسبوعي؛ فيومك لا بد أن يكون فيه ولو جزءا بسيطا، ويمكن تسميته "وقتي الخاص"، وفيه تقومين بعمل أي شيء تحبينه جدا، ويسعدك مهما كان صغيرا، واحترمي معدل نومك، وتغذيتك، وترفيهك الإسبوعي، ولو يوما واحدا بلا مهام تذكر.
- مارسي أنشطة اجتماعية ورياضية بشكل مقبول ومريح في حدود وقتك وطاقتك.
- اقبلي مسؤولياتك المختلفة بحجمها الطبيعي؛ فتقبلي نتائج الـ 90%، وتقبلي تفويض بعض المهام لمن حولك، وتقبلي احتياجك للراحة، وتقبلي محدوديتك في أمور أخرى.
أعلم أن ما أقترحه يبدو صعباً، ويحتاج جهداً، ووقتاً، وصبراً، ولكن أعلم أيضا أنه ليس مستحيلا.