السرطان هو مجموعة من الأمراض التي لديها خلايا عدائية
أحمد الزبيدي
تلقيت محادثة من استاذي البروفيسور صالح يريدني أن أحضر لقسم المناظير على وجه العجل. ذهبت إليه فوجدته يعمل منظارا للقولون لرجل في السبعين من عمره. وجد البروفيسور أثناء التنظير ورماً سرطانياً في القولون السيني (وهو أيضاً يسمى بالملتوي). وطلب مني أن أتولى الأمر والعلاج الجراحي وكان له ما طلب. قابلنا ابناء المريض عند غرفة المناظير وفي أعينهم توجس وخيفة مما نحمل لهم من أخبار. أخبرناهم أن هناك ورما في القولون وقد تم أخذ عينة منه لمعرفة نوعية الورم وبالتالي تحديد خطة العلاج اللازمة.
عندما كنت أتكلم مع ابناء المريض وعندما أخبرتهم بما رأيت من خلال المنظار، رأيت كمية خوف وهلع لا توصف قد توشح بها وجوه أبناء المريض، بل ان أحدهم سقط على الأرض مغشياً عليه. بل وتوشح وجه أحدهم بالغضب وكأنني أنا من أتيت بالمرض لوالدهم. لا أعلم لماذا كمية الخوف هذه التي يصاب بها أقارب مرضانا في بلدنا العزيز. ولا أجد لها تفسيراً سوى أننا نتناسى قيم ديننا الحنيف التى تنص على الصبر عند المصيبة، فالله عز وجل يقول لنا: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ«155» الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ«156»أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها" ... الحديث. يجزع الإنسان ويخاف عادة من المجهول أو مما عنده علم مسبق عن أمرٍ أنه ضار وقاتل وفتاك ولا يلام الإنسان على ذلك والخوف والقنوط واليأس مكونٌ أساسي من تركيبته النفسية والعصبية. ومما نعلمه بالضرورة أن مرض السرطان مرض قاتل وفتاك مثله مثل الضغط والسكر والملاريا والتهاب الزائدة الدويدية إن لم يكتشف مبكراً ويعالج جيداً على أن يتابع المريض نصائح وارشادات الطبيب وخطته العلاجية بحذافيرها فقد يكتب الله له النجاة منه.
فما هو السرطان عموماً وسرطان القولون خصوصاً؟!
السرطان هو مجموعة من الأمراض التي لديها خلايا عدائية، تنمو وتنقسم بعدد لا محدود وبشكل غير طبيعي، مع قدرة هذه الخلايا المنقسمة على غزو الأنسجة المجاورة وتدميرها، أو الانتقال إلى أنسجة بعيدة بشكل لا يمكن التحكّم فيه. وهذه القدرات هي صفات الورم السرطاني (والي يطلق عليه الناس والإعلام خطأً "الورم الخبيث") وهو على عكس الورم الحميد، والذي يتميز بنمو محدد وعدم القدرة على الغزو وليس لهُ القدرة على الانتقال، ولكنه إن لم يعالج مبكراً فإن لدى الورم الحميد القدرة الى أن يتطور إلى ورم سرطاني في بعض الأحيان. بإمكان هذا المرض (السرطان) إصابة كل أعضاء الجسم تقريباً. وتختلف أعراض مرض السرطان عادة باختلاف العضو أو النسيج المصاب. فهناك أعراض عامة قد تظهر مع وجود المرض مثل فقدان الوزن وفقدان الشهية والارتفاع في درجة الحرارة إلا أن هذه الأعراض بالطبع لا تعني وجود مرض السرطان فهي قد تصاحب أي مرض آخر وأحيانا حتى الحالة النفسية قد تتسبب في أعراض مشابهة لذا لا يمكن تشخيص المرض إلا بعد الفحص الطبي الشامل وإجراء الفحوصات الطبية والتأكد من الأنسجة بأخذ عينة أو خزعة من الأنسجة ليتم فحصها تحت المجهر. يمكن أن يصاب الإنسان بالسرطان في أي سن من عمره، حتى وهو جنين في بطن أمه، ولكن تزيد مخاطر الإصابة به كلما تقدم الإنسان في العمر. ولك أن تعلم عزيزي القارئ أنه كما يصيب السرطان الإنسان فإن أشكالا منه تصيب الحيوان والنبات على حد سواء. تبلغ نسبة المتوفين بالسرطان 13% من اجمالي المتوفين كل عام، أي أن هناك أحداثا وأمراضا كثيرة تسبب الوفاة وبنسب أعلى من السرطان فلماذا الجزع.
كأني أراك تتساءل عزيزي القارئ؛ كيف نُصاب بالسرطان..؟!
يعزى تحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية في الأغلب، عند حدوث تغييرات في المادة الجينية المورثة في داخل الخلية. فقد يكون سبب هذه التغيرات عوامل مسرطنة مثل التدخين، أو الأشعة أو مواد كيميائية أو أمراض مُعدية (كالإصابة بالفيروسات). كما وأن هناك عوامل أيضا مشجعة لحدوث السرطان مثل حدوث خطأ عشوائي أو طفرة في نسخة الحمض النووي الدي إن آي DNA عند انقسام الخلية، أو بسبب توريث هذا الخطأ أو الطفرة من الخلية الأم. ويمكن ولله الحمد أن نتقي الاصابة بالعديد من السرطان بتجنّب التعرّض لعوامل الاخطار الشائعة، مثل دخان التبغ. كما يمكن علاج نسبة كبيرة من السرطانات عن طريق الجراحة أو المعالجة الإشعاعية أو المعالجة الكيميائية، خصوصاً إذا تم الكشف عنها في مراحل مبكّرة. وفي مقالي التالي سأتحدث عن سرطان القولون والمستقيم بشيء من الإسهاب بإذن الله وقبل أن اقول الى اللقاء وددت أن تقرأ هذه الأبيات:
فلــــــرب أمــــر محـــزن *** لك في عواقبه الرضا
ولربمـا اتسع المضيق *** وربمـا ضاق الفضـــــا