سرطان القولون والمستقيم من أكثر أنواع السرطان انتشارا لدى المجتمع السعودي، فعدد الحالات المسجلة سنويا يبلغ ١٠٠٠ حالة تقريبا، وهو يعتبر أكثر أنواع السرطان انتشارا لدى الرجل السعودي، وثالث أنواع السرطان انتشارا لدى المرأة السعودية، ولكن هناك نوع من سرطان القولون والمستقيم يصيب عوائل بكاملها ويورث من الآباء والأمهات لأبنائهم، وفي هذا النوع من السرطان يجب بدء العلاج للأبناء قبل أن ينشأ سرطان القولون والمستقيم في أجسامهم فيما يعتبر علاجا وقائيا.
سرطان القولون والمستقيم الوراثي ينشأ نتيجة حدوث تغيير جيني في كروموسومات الشخص ينتج عنه تولد لحيمات داخل الغشاء المبطن للقولون والمستقيم، هذه اللحيمات إن تركت تحولت إلى أورام سرطانية تنتشر لبقية أنحاء الجسم لتقضي على حياة المريض، ويكتشف المرض عن طريق منظار للقولون يبين هذه اللحيمات والتي تتواجد بكثرة فعددها يبلغ المئات، ونتيجة لعددها الهائل فإن إزالتها بالمنظار ليس بخيار صائب، والحل الذي ينصح به هو إزالة القولون والمستقيم مع عمل مستقيم من الأمعاء الدقيقة وتوصيله بفتحة الشرج لكي يخرج المريض الفضلات بصورة طبيعية، وعندما يجد الطبيب هذا العدد الهائل من اللحيمات في القولون فإن التشخيص يتطلب أيضا فحص جميع أقرباء المريض بالمنظار حتى وإن لم يشتكوا من أية أعراض للتأكد من أن المرض لم يورث لهم أيضا.
حاليا في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث يمكن تحديد التغير الجيني الذي أدى لهذا المرض الوراثي، ويمكن من خلال هذه المعرفة فحص بقية أقرباء المريض والبحث عن هذا التغير الجيني في كروموسوماتهم، لتحديد إن كان هذا التغير موجودا أم لا، وفي حالة وجود التغير الجيني لدى أحد الأقارب فإن ذلك معناه أنه مصاب بسرطان القولون الوراثي حتى وإن لم تشاهد لحيمات أو أورام في قولونه عند النظر إليه بالمنظار، وهذا أيضا معناه أنه لو تم متابعة المريض فسوف تظهر تلك اللحيمات والأورام مستقبلا لا محالة، وبالتالي فإن المريض في أفضل وضع يمكنه من عمل علاج وقائي قبل ظهور اللحيمات والأورام، وهو استئصال القولون والمستقيم جراحيا.
نتيجة لتوارث المرض من الآباء والأمهات لأبنائهم، فقد تمكن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث من بدء خدمة مهمة جدا وهي منع توارث المرض في العائلة، وهو علاج معقد يتطلب تظافر جهود علماء الجينات واستشاريي العقم ومسجلي الأمراض الوراثية وجراحي القولون والمستقيم ومعالجي القولون والمستقيم واستشاريي علم الأمراض حيث يقوم هذا الفريق بتحديد التغير الجيني في الأب أو الأم ومن ثم فحص الحيوانات المنوية والبويضات التي تحمل هذا التغير الجيني وطرح المصابة منها جانبا، واستخدام فقط الحيوانات المنوية والبويضات السليمة لإنتاج بويضة ملقحة تزرع في رحم الأم لتلد طفلا خاليا من المرض، وهذا علاج متطور وهام جدا للعوائل المصابة بهذا المرض الوراثي.
لعل أهم صعوبة تواجه الطبيب في علاج مرض سرطان القولون الوراثي هو رفض أفراد العائلة الفحص سواء أكان ذلك الفحص بالمنظار أو بفحص كروموسوماتهم بحثا عن التغير الجيني، وهذه مشكلة منتشرة في العوائل السعودية حيث إن أفرادها يرفضون الفحص لكونهم لايعانون من أية أعراض، وفي أحيان كثيرة يلجأون طلبا للعلاج بعد تولد السرطان في أجسامهم وانتشاره بصورة تجعل شفاءهم مستحيلا، وهذا راجع لعدة عوامل حيث إن تشخيص المرض لدى مرء معين يؤدي لوصمه بإعاقة مستديمة تؤثر عليه وعلى أبنائه، فالمرض الوراثي مسبب لعدم الزواج من العائلة المصابة في المجتمع السعودي، وعدم الفحص هو نوع من الهروب من هذه الإعاقة ذات الجانب السلبي على المريض وابنائه اجتماعيا.
ان المشكلة التي تواجه المملكة العربية السعودية لها شقان: شق اجتماعي وشق صحي، الشق الاجتماعي له علاقة بعادات المجتمع السعودي، وهو زواج الأقارب، فهذا الزواج يؤدي لظهور أمراض وراثية أحيانا لا يوجد مثلها في بقية أنحاء العالم، ولعل من الضروري تثقيف المجتمع على مستوى وطني بمساوئ زواج الأقارب وحث الناس على تجنبه قدر الامكان، وهذا يتطلب استراتيجية وطنية تضع برامج على مستوى التعليم العام والخاص والبرامج التلفزيونية والاذاعية وخطب المساجد وادارات التثقيف الصحي المنتشرة في مستشفيات المملكة، وهناك شق صحي يتعلق بدراسة حجم المشكلة على مستوى المملكة ووضع بنية تحتية وطنية موحدة وذات معايير صحية محددة لمعالجة أمراض القولون الوراثية، فهذا النوع من الأمراض يتطلب مركز سجل وطني مماثل لما يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وبقية دول الغرب، ويكون لهذا المركز مسجلون وأخصائيون للعلوم الوراثية وعلماء أمراض وراثية وجراحي قولون ومستقيم واستشاري علوم أمراض، يكون جل اهتمامهم تشخيص هؤلاء المرضى وتحديد التغير الجيني لديهم، وفحص الحيوانات المنوية والبويضات لمنع المصابة منها من توريث المرض للأبناء، هذا المركز الوطني العالي المتخصص سوف يقدم بدون شك خدمة تحتاجها المملكة وبشدة ويرفع من مستوى الخدمات المقدمة للمواطن السعودي.
وفي النهاية هناك عدة أنواع من سرطان القولون الوراثي ويبلغ عددها تقريبا العشرين، وكل واحد منها له تشخيص جيني معين وفي نفس الوقت بعضها يصيب أعضاء أخرى في الجسم فمنها ما يجعل الشخص معرضا للإصابة بأنواع أخرى من السرطان، وهذا يتطلب وجود مسجل أورام قولون وراثي تكون مهمته متابعة أفراد كل عائلة حسب برنامج محدد موضوع تبعا لنوع سرطان القولون الوراثي المصابة به تلك العائلة، ولعل أهم جانب في علاج سرطان القولون الوراثي هو تثقيف أفراد العائلة وشرح المرض لهم لكي يتعاملوا معه بصورة تمنع ضرره عليهم، وهو جهد جبار حيث يقوم مثقفو أمراض القولون ومسجلو أمراض القولون بإنتاج مطبوعات مصورة تشرح بصورة مفصلة ومبسطة عن المرض، ويتم عقد اجتماعات دورية مع أفراد العائلة للإجابة عن أسئلتهم وشرح الخيارات المتاحة لهم بصورة علمية، مع بذل جهد في تجميع العائلات في يوم توعوي متكامل يشارك فيه كل من يقدم خدمة علاجية لتلك العائلات ليتشارك الجميع في حوار مفتوح يفيد الجميع ويزيد من آفاق التعاون.
منقول