أ.د جابر القحطاني
عرفت الحجامة عند العرب منذ زمن بعيد قبل الإسلام، ومع بزوغ الإسلام أصبح لها شأن عظيم حيث وردت في الحجامة أحاديث كثيرة. ولا يوجد كتاب من كتب الطب النبوي إلا وأورد فيها أحاديث الحجامة وأوقاتها ودواعيها وفوائدها. وقد ذكرها ابن القيم في كتاب الطب النبوي، والإمام الذهبي وموفق الدين البغدادي وتوسع في ذكرها الإمام السيوطي، وذكرها الإمام علي الرضا في رسالته الذهبية. ومن أهم الأحاديث التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما مَرَرْتُ ليلة أُسْرِيَ بي على مَلَك من الملائكة إلا قالوا: يا محمد مُرْ أمتك بالحجامة». وعن رسول الله صلى الله وعليه وسلم قال «جعل الله الشفاء بالعسل وفي الحجامة فأحتجموا فإن الدم يقبع بالإنسان حتى يقتله». وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «نعم الدواء الحجامة تذهب الداء والصداع وتخف الصلب وتجلو البصر». وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشفاء في ثلاث: شربة عسل وشرطة محجم وكية نار. وأنا أنهي أمتي عن الكي». وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء، وفي سبعة عشرة من الشهر شفاء ويوم الثلاثاء صحة للبدن ولقد أوصاني جبريل بالحجم حتى ظننت أنه لا بد منه». وعن سلمى رضي الله عنها قالت: ما شكا أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجعاً في رأسه إلا أمره بالحجامة ولا وجعاً في رجليه إلا قال اخضبهما بالحناء. واخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم من وجع كان برأسه وهو محرم.
هذه الأحاديث تقدم لنا حقيقة طبية مفادها أنا الحجامة لها قيمة وقائية وشفائية، وأصبحت الحجامة مطلباً ليس فقط في المجتمعات الإسلامية لكونها مما ورد في السنة النبوية المطهرة بل أصبحت من مطالب الطب التكميلي في المجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء لما حققته من نتائج جيدة في معالجة بعض الأمراض التي عجز الطب الحديث (التقليدي) عن علاجها.
هناك عدد كبير من الدراسات والأبحاث وحقائق عن الحجامة ففي مقالة علمية نشرت في موقع هيئة الإذاعة البريطانية عن حالات مرضية معقدة شفيت بعملية الحجامة كالسرطان والشلل والناعور وأمراض القلب والشقيقة (الصداع النصفي)، وفي دراسات مخبرية دموية في سوريا عام 2001م تمت على 300 شخص أجريت لهم الحجامة ضمن شروطها أو معاييرها النظامية وذلك بأخذ دم وريدي لكل شخص قبل إجراء عملية الحجامة له، وأخذ عينة من دم الحجامة ومن ثم بعد فترة أخذ دم وريدي بعد الحجامة وكانت النتائج كالآتي:
1 - اعتدال الضغط والنبض.
2 - انخفاض مستوى سكر الدم عند مرضى السكر بعد الحجامة بنسبة وصلت إلى 29%.
3 - ارتفاع عدد كريات الدم البيضاء في 60% من الحالات.
4 - انخفاض نسبة الشحوم الثلاثية بالدم في 83% من الحالات.
5 - انخفاض الكولسترول بالدم عند الأشخاص المصابين بارتفاعه في 70% من الحالات وهذا يدل على نشاط الخلية الكبدية.
وهناك دراسات عديدة نشرت في مجلات عالمية عن تأثير الحجامة على مرضى السكر من النوع الثاني غير المعتمد على الأنسولين وكذلك تأثير الحجامة على الجهاز المناعي وعلى هبوط القلب وعلى الصداع النصفي.
أنواع الحجامة
والحجامة أنواع فمنها الحجامة الجافة ويعتبر هذا النوع من الحجامة من أقدم أنواع الحجامة وتتميز بها اليابان والصين وكوريا وماليزيا. وهي تختلف عن الحجامة الرطبة من حيث آلية التأثير وطريقة الاستخدام. وللحجامة الجافة مواضع محددة على الظهر والبطن والأجزاء الأخرى للجسم ولكل مرض مواضع محددة توضع عليها كاسات الحجامة وهي منطقة الكاهل والتي تقع على الفقرة السابعة من الفقرات العنقية. أي في معظم الأحوال مع المواقع التي يتم استخدامها في العلاج بالإبر الصينية. مستوى الكتف وأسفل الرقبة. ومواضع أجزاء الحجامة الجافة متوافقة في ومن أهم الأمراض التي تعالجها الحجامة الجافة: الوهن العام، والتهاب المفاصل، والتهاب الوريد الشرياني، والتهاب القصبات الهوائية، وأمراض الرئة، والآلام العصبية، والتهاب الفقرات القطنية. والنوع الثاني من الحجامة هي الحجامة الرطبة وهي تتم بعمل خدوش بسيطة واستخراج الدم عن طريقها. والنوع الثالث هي الحجامة المتزحلقة وتتم بعمل مساج باستخدام قارورة الحجامة مع زيت الزيتون وزيت النعناع.
واهم فوائد الحجامة ما يلي:
1 - تنشيط الدورة الدموية في الشرايين والأوردة الدقيقة والكبيرة وتسليكها.
2 - تسليك العقد الليمفاوية والأوردة الليمفاوية (الأوعية الليمفاوية والمنتشرة في كل أجزاء الجسم حيث تخلص هذه الأجزاء من الأخلاط ورواسب الأدوية.
3 - امتصاص الأخلاط والسموم التي توجد على هيئة تجمعات دموية بين الجلد والعضلات.
4 - تنشيط وإثارة أماكن ردود الفعل بالجسم للأجهزة الداخلية للجسم فيزيد انتباه المخ للعضو المصاب ويعطي أوامره المناسبة لأجهزة الجسم باتخاذ اللازم.
5 - تسليك مسارات الطاقة الحيوية (الين واليانج) التي تقوم على زيادة حيوية الجسم والتي اكتشفها الصين واليابان منذ أكثر من 5000 سنة.
6 - تنشيط الدورة الدموية موضعياً.
7 - تقوية الجهاز المناعي في الجسم وذلك بإثارة غدد المناعة خاصة في غدة الثايموس.
8 - توازن الأحماض والقلويات في الجسم.
9 - تنظيم الهورمونات وخاصة في الفقرة السابعة من الفقرات العنقية.
10- تنشيط أجهزة المخ من حركة وكلام وسمع وإدراك وذاكره.
11- تنشيط الغدد وبالأخص الغدة النخامية.
12- رفع الضغط عن الأعصاب والذي يسبب احتقان وتضخم الأوعية الدموية فيضغط على الأعصاب وخاصة في الرأس والمسبب للصداع.
13- امتصاص التجمعات الدموية خارج الجسم والتي يصاحبها إخراج مادة البروستاجلاندين والتي تخرج من الخلية المصابة عند انفجارها وتشعر الجسم بالألم، وهذا هو السر في اختفاء كثير من الآلام بعد الحجامة مباشرة.
14- زيادة نسبة الكورتيزون في الدم.
15- امتصاص الأحماض الزائدة في الجسم والتي تسبب زيادة في تضخم كريات الدم الحمراء وبالتالي تزيد كثافة الدم، فيؤدي قصور في الدورة الدموية فلا يصل الدم بانتظام إلى الخلايا.
16- تثير وتحفز المواد المضادة للأكسدة.
17- تقليل نسبة الكوليسترول الضار المعروف ب (LDL) في الدم وترفع نسبة الكوليسترول النافع في الدم (HDL).
18- تقليل نسبة البولينا في الدم.
19- ترفع نسبة الأندورفينات في الدم.
نود التأكيد الى انه هنالك العديد من المحاذير المطلوبة التي يجب اعتبارها من قبل الممارس هي:
1- الشخص المصاب بالأنفلونزا أو البرد ودرجة حرارته عالية فلا يجب تحجيمه إلا بعد شفائه تماماً.
2- الأشخاص المصابون بتمزق في الأربطة يجب عدم وضع كأس الحجامة فوق الرباط الممزق.
3- الأشخاص المصابون بالماء في الركب لا يوضع كأس الحجامة فوق المنطقة المصابة وإنما بجوارها.
4- الدوالي في الساقين تكون الحجامة بجوارها وبحذر شديد.
5- أمراض الكبد تحتاج لحيطة شديدة.
6- لا تتم الحجامة بعد الأكل مباشرة ويمكن عمل الحجامة بعد 3 ساعات من وقت الأكل.
7- مرض سيولة الدم والسكر.
8- المصابون بانخفاض في ضغط الدم.
9- مرض الأنيميا.
10- حالات الجلطة الوريدية.
11- عدم استعمال المشرط إلا لشخص واحد.
12- يجب مساءلة المريض فيما إذا كان مصاباً بسيولة الدم والسكر وأمراض القلب والكبد والسرطان وتمزق الأربطة والماء على الركبة.
13- عدم عمل الحجامة للمصابين بالمس والسحر والحسد وما شابه ذلك إلا بواسطة محجم يستطيع التعامل مع مثل هذه الحالات.
14- لا تعمل الحجامة لمن بدأ في الغسيل الكلوي.
15- لا تعمل الحجامة للشخص الذي يتبرع بالدم إلا بعد عدة أيام.
16- لا تعمل الحجامة لمن يتعاطى منبهات.
17- لا يتم عمل الحجامة على القلب لكل من ركب جهاز لتنظيم ضربات القلب.
18- لا تعمل الحجامة لصغار السن وكبار السن.
ضوابط هامة لممارسي مهنة الحجامة:
حيث أن الحجامة وخاصة الرطبة منها يصاحبها خروج دم وجروح وعليه يجب اتباع الضوابط التالية من قبل الممارس وهي:
1- أن يكون الممارس طبيباً حاصلا على شهادة تدريب من جهة معترف بها.
2- أن يكون لائقاً صحياً لممارسة العمل في هذا المجال الصحي كأن يكون سلبيا لفيروسات الكبد بي وسي وفيروس نقص المناعة المكتسبة والأمراض المعدية كالزهري وخلافه.
3- أن يكون ملماً إلماماً تاماً بالمضاعفات التي قد تحدث أثناء عملية الحجامة أو بعدها وكيفية الوقاية منها وكيفية علاجها والتقيد بالاحتياطات والتعليمات التي يجب اتباعها من قبل الممارس.
4- أن يكون الممارس ملماً بوسائل التعقيم المعمول بها عادة في المجال الصحي.
- أن يأخذ التطعيمات الوقائية للأمراض التي تنتقل عن طريق الدم.
6- حيازة الممارس على دورة في أساسيات الإنعاش القلبي الرئوي.
7- حيازة الممارس على دورة في أساسيات مكافحة العدوى.
8- وجود ممرض وممرضة للمساعدة أثناء الحجامة.
9- يلتزم الممارس بالتبليغ الفوري عن حدوث أي وخز أو إصابة بأدوات حادة ملوثة بدم المريض وذلك من أجل عمل الإجراءات الوقائية اللازمة.
10- يجب وجود امرأة لتحجيم النساء ولا تحجم من قبل الرجال.
نصح بالحجامة
نعود إلى مؤيدي ومعارضي الحجامة. إذا نظرنا إلى تاريخ الحجامة لوجدنا أن الصينيين واليابانيين قد استخدموا الحجامة منذ أكثر من 5000 سنة لعلاج كثير من الأمراض ، والعرب استخدموا الحجامة قبل الإسلام بزمن طويل ، ولما جاء الإسلام سن النبي صلى الله عليه وسلم العلاج بالحجامة ونصح الناس بالحجامة لدرجة انه كان يعتقد وجوب الحجامة. ومن هذا المنطلق اعتبرت الحجامة في بلاد العرب والمسلمين على أنها شيء يرتبط بالدين لا سيما وأنها عالجت أمراضاً عجز عنها الطب الحديث.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة حصلت بعض المشاكل المرضية من جراء استخدام أدوات ملوثة بدماء بعض المرضى مما أدى إلى جدل كبير في الأوساط الصحية لا سيما وأن 90% من الممارسين للحجامة لا ينطبق عليهم أي معيار من معايير ضوابط الممارسين ، وخوفاً على صحة المجتمع ومن هذا المنطلق قرر مجلس الخدمات الصحية بوزارة الصحة عدم الموافقة على إجازة ممارسة الحجامة طالما لا يوجد إثبات علمي موثق لفائدتها والتركيز على الطب المبني على البراهين وكلفت مركز الطب البديل بالوزارة بالقيام بتوعية المجتمع ومتابعة المستجدات العلمية.
كان قرار مجلس الخدمات الصحية في منع ممارسة الحجامة هو عدم وجود إثبات علمي موثق لفائدتها. والسؤال هل ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الحجامة لا يعتبر إثباتا علميا موثقا. الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ولم يأمر أصحابه وأمته بالحجامة إلا وهو يعرف تماماً بفائدتها في علاج كثير من الأمراض.