في ظاهرة تفتح باب الأمل أمام الراغبين في الإقلاع وتعطي مؤشرات إيجابية للتفاعل مع الجهود المبذولة للحد من انتشاره
زيادة أعداد المدخنين الباحثين عن المساعدة الطبية للإقلاع عن التدخين
الإقلاع يحتاج إلى إرادة وعزيمة
الرياض - عبدالله الطلحة
في الوقت
الذي تشير فيه الإحصائيات إلى احتلال المملكة المركز الثالت والعشرين على عالمياً في استهلاك منتجات التبغ، تشهد عيادات الإقلاع عن التدخين اقبالاً متزايداً من المدخنين الباحثين عن وسائل وبرامج علاجية متكاملة تساعدهم في الإقلاع عن التدخين، وهو ما يعد مؤشراً ايجابياً بارتفاع مستوى الوعي بصفة عامة ولاسيما بين المدخنين بخطورة التدخين تجاوبا مع جهود القطاع الحكومي والقطاع الخاص والتي نجحت في محاصرة ظاهرة التدخين من خلال إعلان المطارات السعودية مناطق خالية من التدخين وكذلك إعلان كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة مدينتان خاليتان من التدخين، بالإضافة الى توافر وسائل وبرامج علاجية اثبتت نجاح كبير في مساعدة العديد من الحالات المتقدمة وأكثرها اعتماداً على النيكوتين، وهو ما أعطى بارقة أمل للمدخنين وساهم في تعزيز الثقة لديهم بامكانية التخلص من هذا الادمان المصحوب بأعراض انسحابية شديدة وذلك اذا ما توفرت الرغبة ووسائل العلاج المبنية على أسس علمية وطبية موثوقة.
أضرار التبغ تطال الجسم كله
ووفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية فإن التدخين يقع ضمن دائرة الإدمان نظراً لتحوله الى أولوية في حياة المدخن مع الظهور السريع للأعراض الانسحابية عند محاولة الاقلاع عنه كالتوتر والعصبية وسرعة الانفعال والصداع وعدم انتظام النوم والاحباط والاحساس العام بعدم الرضا والنزوع للانعزال والاكتئاب وأخيراً الحنين للتدخين، أما محلياً، فتشير التقارير الصادرة من وزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية إلى أن نحو 45 بالمئة من الرجال بالمملكة العربية السعودية مدخنين فيما تبلغ معدلات انتشار التدخين بين السيدات في المملكة إلى 25 بالمئة في المرحلة العمرية بين 25 و 35 عاماً، كما تصل معدلات التدخين بين طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية إلى نحو 24 بالمئة. أما عن التكلفة المباشرة لعلاج آثار التدخين بالمملكة فتبلغ أكثر من 5 مليار ريال سنوياً.
إحدى اللافتات التي تدعو إلى ترك التدخين
وتزامناً مع اليوم العالمي لمكافحة التدخين أطلقت حملة توعوية تحت شعار "تحرر من سيطرة التدخين" و أوضح الدكتور فؤاد الوطبان ان تقارير اقتصادية أظهرت الضوء على التكلفة الباهظة المرتبطة بالتدخين المستويين الصحي والإقتصادي، حيث أن المدخن يكلف جهة العمل مايزيد عن 56 ألف ريال كأعباء مالية إضافية مباشرة مقارنة بغير المدخن مثل تكاليف العلاج من الأمراض المرتبطة بالتدخين كأنواع السرطان وإرتفاع ضغط الدم وأمراض الشرايين والقلب، وهو ما يؤدي بالتالي إلى التغيب عن العمل، بالإضافة إلى اهدار وقت العمل في الإنشغال بالتدخين أو الاستقطاع المتكرر لوقت العمل في البحث عن مكان يمكنه التدخين فيه. كما أشارت التقارير ذاتها إلى الانخفاض الواضح في انتاجية المدخن عن غير المدخن بحيث تعادل سنة العمل للمدخن 11 شهراً فقط مقابل 12 شهراً لغير المدخن.
الدكتور فؤاد الوطبان
واضاف، كما أن الآثار السلبية للتدخين لا تقتصر على المدخنين فحسب بل تتجاوزهم لتصل إلى المخالطين لهم في بيئة العمل وحتى أولادهم وأفراد عائلاتهم في البيت، حيث اظهرت الإحصائيات وفاة أكثر من 600 ألف شخص في العالم من غير المدخنين نتيجة مخالتطهم للمدخنين وتعرضهم غير المباشر للدخان، كما أنهناك أكثر من 700 مليون طفل حول العالم يتعرضون لأضرار التدخين السلبي الناتج عن وجود مدخنين بالمنزل، فيما أظهرت دراسة حديثة أجرتها الجمعية الأمريكية للسرطان أن ما يقارب 20 – 56 بالمئة من شباب دول مجلس التعاون الخليجي يعيشون في منازل يوجد بها مدخنين يدخنون في وجود هؤلاء الشباب. كما تشير الدراسات إلى أنه في الوقت الذي يعتبر التدخين مسئولاً عن 90 بالمئة من حالات الاصابة بسرطان الرئة على وجه العموم بالإضافة إلى أنواع السرطان الأخرى مثل سرطات التجويف الأنفي وسرطان الشفة، والفم والحلق والقصبة الهوائية وسرطان الكبد والبنكرياس والقولون وسرطان الرحم، فإن غير المدخنين الذي يتعرضون للتدخين السلبي يتزايد احتمال اصابتهم بسرطان الرئة بنسبة تتراوح بين 20 - 30 بالمئة.
أما عن أكثر العوامل شيوعاً التي تساعد المدخنين في اتخاذ القرار بالاقلاع عن التدخين، فقال الوطبان لقد أظهرت دراسة اجريت على عينة تتألف من 122 مدخناً في سبع دول بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أن الخوف على صحة الأولاد وأفراد العائلة والأصدقاء والمخالطين جاءت في مقدمة العوامل التي دفعتهم للتفكير في الاقلاع عن التدخين. كما تشير الإحصائيات أن نحو 86,5 بالمئة من الذين يسعون للعلاج من التدخين كانوا من الرجال والغالبية في عمر يترواح بين 31 و 40 عاماً تليها الشريحة العمرية بين 41 و 50 عاماً، وأضاف الدكتور الوطبان أن البرنامج العلاجي المتكامل للاقلاع عن التدخين يشمل تقديم المشورة والدعم النفسي والمعنوي للمدخن بالإضافة إلى علاج دوائي يتوافر حالياً بالمملكة، كأول عقار من نوعه لا يعمل بآلية إحلال النيكوتين في الجسم ويمثل نقلة نوعية في وسائل مكافحة التدخين، حيث ساهم في نجاح محاولات الاقلاع عن التدخين بواقع أربعة أضعاف، فيما تلعب رغبة المدخن الصادقة واصراره دوراً هاماً في أي محاولة للاقلاع عن التدخين ويتوقف عليها مدى سرعة الإستجابة للعلاج ومن ثم يتم بناءً على ذلك تحديد طريقة البرنامج العلاجي ومدته والأساليب المتبعة لمساعدة المدخن في الاقلاع.
واختتم الدكتور فؤاد الوطبان حديثه بالقول "لقد نفذنا العديد من الحملات التوعوية وأهمها مشاركتنا الفاعلة مع وزارة الصحة في حملة مدن بلا تدخين والتي شاركت فيها جميع إمارات وأمانات المناطق وكانت حملة ناجحة بكل المقاييس" مؤكداً على ضرورة مواصلة توفير الدعم الطبي للراغبين في الاقلاع عن التدخين كأحد العناصر الحاسمة في المساعدة على الحد من انتشار التدخين، لا سيما أن 3 من بين كل 4 مدخنين لديهم الرغبة في الاقلاع عن التدخين، في حين ينجح 95% من هذا العدد في تحقيق رغبته بالاقلاع عن التدخين باللجوء إلى مساعدة طبية، وهو ما يؤكد على أهمية التدخل العلاجي ويعطي الأمل في الوقت ذاته للمدخنين وغيرهم، بجدوى العمل على اجتثاث هذه الآفة من مجتمعنا.