بين الخطأ والصواب
د. عبد الحفيظ خوجة
* اضطرابات الدورة الشهرية
* من الأخطاء الشائعة أن تتسرع المرأة في توقع حدوث الحمل لمجرد تأخر الدورة عن موعدها أو لحدوث بعض العلامات مثل جفاف المهبل أو زيادة البلل والرطوبة فيه.
والصواب أن كل هذه العلامات وغيرها مما تتداولها النساء ليست تشخيصية تدل على وجود الحمل، ولا يعتد بها علميا، بينما القرار الأكيد هو لنتيجة فحص الدم حول الحمل الذي يمكنه الكشف عن الحمل والفصل في وجوده من عدمه حتى في وقت مبكر جدا يصل إلى ستة أيام قبل موعد الدورة التالية وملاحظة غيابها.
بعض النساء يتعرضن لغياب الدورة لأكثر من 30 يوما، ويصبحن في حيرة وشكوك حول ما إذا كان هناك حمل أم لا! إنها حالة غير طبيعية، ولكن فحص الدم للحمل، في هذه الحالة، يكون حاسما للشك والخوف.
اضطراب الدورة الشهرية عند الفتيات له أسباب مختلفة، وأكثرها شيوعا وجود أكياس في المبايض، التي قد تسبب تأخرا أو تغيرا في طبيعة الطمث عند الفتاة مثل غياب الدورة أو تأخرها لأكثر من دورة واحدة، ويعتبر ذلك من الأعراض الشائعة. وكذلك قد تسبب بعض أنواع حبوب منع الحمل خاصة عند المدخنات لأكثر من 15 سيجارة في اليوم ومن كانت أعمارهن فوق 35 سنة، في قصر فترة الدورة لأقل من 3 أيام مع قلة كمية الدم المفرز.
إن ظهور نتيجة «سالبة» لفحص الدم (أي لا يوجد حمل) على الرغم من تأخر الدورة الشهرية عن موعدها المعهود يستدعي البحث عن أسباب أخرى لمعالجتها، مثل: انخفاض وزن الجسم، أو السمنة، أو عدم ممارسة الرياضة، أو أن تكون رياضية عنيفة من ممارسات ألعاب القوى، أو الإرضاع الطبيعي، أو الإجهاد، أو الأمراض المنهكة للصحة، واضطرابات الأكل (إما الشره المرضي bulimia أو فقدان الشهية العصابي anorexia، أو حدوث الدورة دون إباضة، أو في مرحلة بدء الحيض (البلوغ)، أو مرحلة انقطاع الطمث الطبيعي (الوصول إلى سن اليأس)، أو خلل في الهرمونات، أو تعاطي المخدرات، أو استعمال أدوية تحديد النسل دون استشارة طبية.
كما أن عودة الدورة الشهرية مرة ثانية بعد التأخر أو الغياب ينفي وجود الحمل، لكن تكرار هذا الخلل والاضطراب يحتاج إلى تحديد السبب ومعالجته.
* عصر الاضطرابات النفسية
* لا تزال نظرة كثيرين من أفراد المجتمعات في العالم إلى المريض النفسي غير تلك التي ينظرون بها إلى المريض الجسدي حتى وإن كان مرضه معديا، وهو خطأ متوارث منذ القدم، أدى إلى إخفاء هذه الأمراض أو الاضطرابات بعدم البوح بها أو عدم محاولة معالجتها إلى أن تتطور وتتفاقم وتصبح بعد ذلك من اختصاصات المشعوذين والدجالين باعتبارها مسا من الجن.
في الواقع، وجدت دراسة حديثة نشرت في مجلة «لانسيت» The Lancet في 29 أغسطس (آب) الماضي، أن الاضطرابات النفسية والإدمان معا قد شكلا سببا رئيسا للإصابة بما يسمى «الأمراض غير المميتة» في معظم دول العالم (187 بلدا) في عام 2010، واستهلكا ما يقرب من 23 في المائة من إجمالي العبء المرضي العالمي! وكانت الاضطرابات الاكتئابية الأكثر شيوعا، تليها اضطرابات القلق، واضطرابات تعاطي المخدرات، والفصام.
ويعتبر الاكتئاب في حد ذاته، في العصر الحالي، مشكلة صحية نفسية منتشرة في جميع أنحاء العالم. ووفقا لإحصاءات المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن هناك واحدا من كل 10 من الأميركيين البالغين يعاني من شكل من أشكال الاكتئاب، وهناك 11% من سكان الولايات المتحدة الذين تزيد أعمارهم على 12 سنة يتناولون أحد مضادات الاكتئاب.
كما وجد من تحليل الدراسة المذكورة نفسها أن الاضطرابات النفسية واضطرابات تعاطي المخدرات كانتا السبب الخامس للوفاة في جميع أنحاء العالم تقريبا. وإجمالا، كانت الاضطرابات العقلية والمخدرات مسؤولة عن ارتفاع الوفيات العالمية، وكانت معدلات المرض أعلى من فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، والسل، ومرض السكري، وحوادث السيارات. وكانت الإناث فوق سن 14 سنة أكثر عرضة للوفاة والمرض بسبب الاضطرابات النفسية مقارنة بالذكور. من ناحية أخرى، كان لدى الذكور مخاطر أعلى للوفاة والمرض بسبب إدمان المخدرات والكحوليات في جميع الفئات العمرية.
ونظرا لحجم هذه المشكلة، فإن تحسين صحة السكان لا يمكن أن يتحقق ما لم تجعل البلدان الوقاية والعلاج من الاضطرابات النفسية واضطرابات استخدام المواد المخدرة من أولى أولويات خطتها الصحية، وما لم تتغير ثقافة المجتمعات في نظرتها للمريض النفسي، وأن يثق المريض النفسي في إمكانية العلاج مما يعاني منه من اضطرابات نفسية أيا كان نوعها ودرجتها ولا يتحرج من الذهاب إلى الطبيب بحثا عن المساعدة والعلاج.