أجسامنا لا تتقبل القمح!
د. شريفة بنت محمد العبودي
لماذا أصبحت أجسام كثير من الناس لا تتقبل القمح اليوم وهو من الأطعمة التي تقوم عليها الحياة منذ آلاف السنين؟ يذكر كتاب Wheat Belly لمؤلفه الدكتور وليام ديفيس (وتتفق معه معظم المصادر التي تتناول مشاكل عدم تقبل وحساسية القمح) على أن التصنيع الغذائي الحديث هو السبب، فقد ركّز الإنسان على محاولة الوصول إلى نوع واحد من القمح عن طريق مزاوجة نوعين من القمح أو أكثر وراثياً، ثم واصل معالجة هذا النوع بالانتخاب لكي يتوصل إلى أقصى ما يستطيع من كمية إنتاجية من هذا النوع، بدعوى محاولة حل أزمة نقص الغذاء العالمي، أو لكي ينتقي أكثر أنواع القمح غنى ببروتينات الدبقين (الجلوتين) وبالنشا لكي ينتفخ الخبز عند خبزه ويصبح جاذباً للمستهلك، ولم ينتبه المختصون بالتصنيع الغذائي إلى أن الأنواع التي تعرضت للانتخاب والمعالجة قد تكون مضرة للإنسان لأن الفرق بين الأنواع المنتخبة وتلك التي لم تنتخب بدا ضئيلاً جداً في البداية، ولكن الفرق استمر بالتزايد مع استمرار الانتخاب، خاصة بالنسبة لبروتينات الدبقين، ففي إحدى التجارب، حسب قول الدكتور ديفيس، ظهر 14 نوعاً جديداً من بروتينات الدبقين لم تكن في النوعين اللذين تم الانتخاب منهما! ولذا عند مقارنة الأنواع القديمة من القمح (التي لم تتعرض للانتخاب) بالأنواع التي تعرضت للانتخاب (القمح العادي الذي ينتشر الآن في العالم) يظهر أن القمح المعالج فيه أنواع مميزة من بروتينات الدبقين التي تسبب عدم تقبّل القمح أو مرض سيلياك.
ومعرفة الأسباب دفعت وتدفع المختصين بحل المشكلة إلى العودة إلى أنواع قمح لم تتعرض للمعالجة بالانتخاب وبغيره. ويذكر الكاتب أن هناك ثلاث مجموعات رئيسية للقمح هي:
1- مجموعة القمح وحيد الحبة Einkorn Group (في سنابله صف واحد من الحبوب) واسمه العلمي Triticum monococcum، وتشمل هذه المجموعة الأنواع البدائية التي جذورها في الشرق الأوسط (وجدت أنواع منها في مقابر القدماء في الهلال الخصيب ومصر ). وتندر زراعتها اليوم إلا في بعض أجزاء آسيا الصغرى كغذاء للماشية!!
2- مجموعة القمح ثنائي الحبة Emmer Group واسمه العلمي Triticum turgidum وهو القمح القاسي (الدوروم) وينمو نوع بري منه في سوريا.
3- مجموعة القمح العادي Common Wheat Group وأحد أسماؤه العلمية Triticum aestivum لأن هذه المجموعة أساس نواتج أنواع التصنيع والانتخاب.
ولمعرفة تأثير أنواع القمح على المصابين بحساسية القمح أو بعدم تقبله اجرى الدكتور ديفيس، وهو مصاب بحساسية القمح، تجربة على نفسه حيث اشترى كمية من دقيق القمح وحيد الحبّة، او القمح الحقيقي كما يسميه، من عالِمة متحمسة للزارعة العضوية أنشأت هيئة تسمى Heritage Wheat Conservancy تسعى إلى المحافظة على المحاصيل القديمة (توجد كامل معلوماتها على الموقع www.growseed.org)، ثم بإضافة الماء والخميرة فقط (بدون إضافة السكر أو أي مادة أخرى) أعد من دقيق القمح وحيد الحبة خبزا، ومن دقيق القمح العادي الكامل الذي طحن بإشرافه خبزا آخر. وفي اليوم الأول تناول كمية من الخبز المعد من القمح وحيد الحبة. وقبل تناول الخبز وبعده قاس مستوى السكر في دمه. وكانت النتيجة مذهلة فبعد تناول الخبز وحيد الحبة لم يرتفع السكر في دمه كثيرا، ولم يشعر بالدوخة أو بالنعاس أو بالمغص. وفي اليوم الثاني تناول نفس الكمية من خبز القمح العادي وقاس مستوى السكر في دمه قبل وبعد تناوله فوجد أن السكر قد ارتفع كثيرا، كما شعر بالدوخة وبالمغص لعدة ساعات بعدها.