الكرفس... يخفض ضغط الدم ومركباته تساعد على مقاومة السرطان
معظم الناس لا يعرفون عن الكرفس اللفتي أي شيء والناس في الغالب يعرفون الكرفس العادي المشهور بسيقانه أو أعواده الخضراء وأوراقه التي تشبه إلى حد ما أوراق البقدونس.
دعونا نتحدث عن الكرفس العادي المعروف (Celery) فما هو وما هي مكوناته واستعمالاته القديمة والحديثة.
الكرفس نبات يصل علوه ما بين 40 سم إلى متر واحد وهو ثنائي الحول (يعيش لمدة سنتين). ساقه منتصب، أسطواني مقصب بشكل واضح، أجرد واجوف. ساق الورقة على شكل مجداف ولون الورق أخضر داكن لامع. الأوراق السفلى لها سويقات، وهي مقسمة إلى 5 قطع مسننة الطرفين. أما الأوراق العلوية فهي مقسمة إلى 3 قطع أقل اتساعاً. الأزهار بيضاء اللون صغيرة على شكل ضيمات رخوة. رائحة النبات قوية ومميزة وله طعم عطري. يعرف الكرفس بالفرعونية باسم (ماتت) ويسميه اليونانيون (النبات القمري).
الجزء المستعمل من نبات الكرفس جميع أجزاء النبات بما في ذلك الجذور وزيت البذور. يعرف الكرفس علمياً باسم Apium graveolens من الفصيلة الخيمية.
الموطن الأصلي للكرفس هي المنطقة المعتدلة من آسيا ثم انتقل إلى أوروبا ثم إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، وحالياً يزرع في أغلب بلدان العالم.
المحتويات الكيميائية التي يعود لها التأثير الطبي:
تحتوي ثمار الكرفس على زيوت طيارة وأهم محتويات هذه الزيوت مركب الليمونين Lemonine ومركب بيتاسيلين Bet- Selinene وفثالايدز Phthalises كما تحتوي على فلافونيدات من أهمها جرافيوبيوزايد أ، ب (Graveobisides) وآبين (Apiin) وأيزوكويرسترين (Isoquercitrin) وأيزوإمبيلين (Isompinellin) بالإضافة إلى زيت دهني.
وإذا نظرنا إلى الأوراق لوجدناها تحتوي على زيت طيار من أهم مركبات مايرسين (Myrcene) وبيتاسيلين (Bet-selnene) والفاتربيونول (Alph-terpinel) وكرافيول (Craveol) ودايهيدروكارفون (Dihydrocarvone) وجيرينال استيت (Geral Acetate) وفتالايدز (Phthalides) وليمونين (Lemonene) كما تحتوي سيقان الكرفس على فلافونيدات وكذلك فوروكومارينز ومشتقات حمض الكافئين وأهمها كلوروجنيك أسد (Ghlorogenic Acid). كما يحتوي على فيتامين أ، ب، ج ومعادن الحديد واليود والنحاس والمغنيسيوم والمنجنيز والبوتاسيوم والكالسيوم والفوسفور.
الاستعمالات:
الكرفس في الطب القديم: لقد عرف الإغريق نبات الكرفس وسموه النبات القمري ونسبوا إليه أنه مهدئ للأعصاب ولعلاج وجع الأسنان وذلك بتعليق قطعة يابسة منه على الضرس المريض. وكان الفراعنة يقدمون الكرفس قرباناً للموتى حيث وجد في إحدى المقابر القديمة بمدينة طيبة إكليل من الكرفس على شكل نصف دائرة حول الرقبة والصدر للكاهن (كنت) بمقبرة شيح عيد القرنة. كما عثر على أوراقه في حالة ازدهار وعلى بذوره بحالتها الطبيعية.
وبجانب استخدام الفراعنة للكرفس في عمليات تزيين الموميات استعملوه كذلك في العديد من الوصفات العلاجية. لقد جاءت البرديات المصرية القديمة لتؤكد أن الكرفس استخدمه المصريون القدماء في عدة وصفات علاجية على شكل دهانات لعلاج الحروق والجمرة وموضعياً لسقوط الرحم ومنع سلس البول، وضد حالات الربو ولتقوية اللثة والتهابات اللسان والشلل، وحقنة مهبلية لإزالة الالتهابات وضد العقم وكذلك لضعف السمع.
وقد عرف العرب الكرفس منذ القدم حيث تحدث الأطباء والعلماء القدماء من عرب وغيرهم عن فوائده منهم ابن سينا الذي أطال فيه وخلاصة ما قال فيه: "محلل للنفخ" مفتح للسدد، مسكن للأوجاع، مطيب للنكهة جداً، ينفع كل أوجاع العين والسعال وضيق النفس وأورام الثدي والكبد والطحال ولكنه يحرك الجشا، وليس سريع الهضم والانحدار، والبري منه ينفع من الجرب، والقوباء والجراحات، وعرق النسا، مفيد لداء الثعلبة وتشقق الأظافر، نافع للكبد والطحال". أما ابن البيطار فقال فيه: "الكرفس ينفع للسعال والربو وضيق النفس وهو مدر للبول، يفتح شهوة الباءة للرجال والنساء، ولذلك تمنع المرضعة منه لأنه يهيج الباه ويقلل اللبن. نافع للكبد البارد".
أما داود الأنطاكي في تذكرته فيقول: "الكرفس يفتح الشهوة والسدد فيزيل اليرقان وعسر البول ويذيب الحصى، يحرك الباه مطلقاً ولو بعد اليأس، يزيل الربو وعسر النفس والرياح الغليظة والفواق وبرد الأحشاء خصوصاً الكبد ووجع الجنين والوركين والخصية، عصارته بدهن الورد والخل طلاء ناجح في الحكة والجرب، ينفع من السموم والمغص والعطش البلغمي إذا شربت عصارته بعد غليها بماء الرمان والسكر، ينفع من عرق النسا ويحل الأورام ضماداً. يجلو الآثار كالثآليل والبرص خصوصاً بالنشادر والعسل. وقال الطبيب اليوناني "جالينوس" بذره ينفع من الاستسقاء وينقي الكبد ويدر البول والطمث وينقي الكلية والمثانة والرحم، وينفع من عسر البول، ويصلح أن يؤكل مع الخس.
ويقول ابن قيم الجوزية: "ورقه رطباً ينفع المعدة والكبد البارد ويدر البول والطمث، ويفتت الحصى، وحبه اقوى في ذلك، ويهيج الباءة، وينفع من البخر". والكرفس عشبة قديمة يزرع منذ ما يزيد على 3000 سنة لا سيما في مصر الفرعونية، وقد عرف في الصين في القرن الخامس قبل الميلاد، وكان آنذاك يستخدم كغذاء، ثم استخدمت سوقه وبذوره منذ فترة طويلة من أجل المشكلات البولية والروماتيزم ومشكلات التهاب المفاصل، وهو عشبة منظفة ومدرة للبول.
الكرفس في الطب الحديث:
لقد ظل الناس يستخدمون الكرفس لقرون عديدة لعلاج ارتفاع ضغط الدم. حيث يقول الطب الحديث لقد تم إخضاع الكرفس للدراسة في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية حيث قام الدكتور ويليام جيه اليوت الأستاذ المساعد في الطب وعلوم الفسيولوجيا وعلم العقاقير حيث قام الباحث بحقن حيوانات التجارب بكميات صغيرة من مركب كيميائي موجود في الكرفس يسمى 3-N-Butylpthalid، وفي خلال أسبوع انخفض ضغط دم الحيوانات بمعدل 12 إلى 14 في المتوسط. يقول الدكتور اليوت (لقد ثبت أن هذا المركب "فيتاليد" يرخي عضلات الشرايين التي تنظم ضغط الدم مما يجعل الأوعية تتسع، بالإضافة إلى ذلك فقد خفضت هذه المادة الكيميائية كمية هورمونات التوتر في الدم التي تسمى كاتيكولامين Catecholamines وهذا قد يكون مفيداً لأن هورمونات التوتر ترفع ضغط الدم عن طريق تضييق الأوعية الدموية.
يوصي ممارسو العلاجات العشبية الآسيوية أن المرضى بضغط الدم المرتفع يمكنهم عمل استراتيجية وهي تناول أربعة أعواد من الكرفس كل يوم لمدة اسبوع، ثم تتوقف لمدة 3 أسابيع، ثم يستأنف تناول الكرفس لمدة أسبوع آخر. ولكن لا تبالغوا في تناول الكرفس حيث إن العود الواحد من الكرفس يحتوي على 35 ملليجرام من الصوديوم، وهذا قد يسبب في ارتفاع ضغط الدم بدلاً من خفضه لدى فئة من الناس كما أن تناول الكثير من الكرفس يمكن أن يكون خطيراً إذا كان الشخص يعاني من ارتفاع ضغط الدم الحساس للملح.
إن الكرفس يحتوي على عدد من المركبات التي تساعد على مقاومة السرطان والتي يقول الباحثون إنها تمنع خلايا السرطان من الانتشار. وحيث ان الكرفس يحتوي على مركب يدعى Acelyene حيث يقوم هذا المركب بوقف نمو خلايا الأورام وكذلك يعمل على فتح الشهية. وحيث ان الكرفس يحتوي على أحماض الفينول التي تلعب دوراً في توقف عمل المواد شبيهة الهرمونات التي تسمى بروتستغلاندين والتي يعتقد أن بعضها يشجع نمو خلايا الأورام.
يقول العلماء إن أغلب الخضروات تفقد عناصرها الغذائية أثناء الطهي، إلا أن الكرفس يحتفظ بكل ما يحويه من مركبات أثناء عملية الطهي. إن تناول كوب من الكرفس نيئاً أو مطهواً على سبيل المثال يمد الجسم بحوالي 9 ملليجرامات من فيتامين ج (C) أي 15% من المقدار اليومي، 60 ملليجراماً من الكالسيوم، أي حوالي 6% من المقدار اليومي، 426 ملليجراماً من البوتاسيوم أي 12% من المقدار اليومي. إن ملعقة أكل من بذور الكرفس تحتوي على 3 ملليجرامات من الحديد، أي حوالي 17% من المقدار اليوم. ينصح العلماء بإضافة ملء ملعقة أكل من بذور الكرفس على الشوربة حيث تعطي قيمة غذائية جيدة.
لقد اشتهر الكرفس في إقليم فرانس كوتيه بفرنسا أنه يزيد القوة الجنسية حتى قيل فيه مثل مأثور: لو عرف الرجل فعل الكرفس لملأ به بستانه. لقد بينت الأبحاث في ألمانيا والصين أن للزيت العطري مفعولاً مهدئاً للجهاز العصبي المركزي، ولبعض مكوناته مفعولاً مضاداً للتشنج.
كما أثبتت الدراسات في الصين فعالية الزيت في معالجة فرط ضغط الدم. تستخدم بذور الكرفس اليوم لمعالجة حالات الروماتزم والنقرس وهي تساعد الكليتين في طرد السموم وغيرها من الفضلات غير المرغوب فيها، كما تعمل على خفض الحموضة في الجسم ككل، وتفيد البذور في تحسين دوران الدم في العضلات والمفاصل. أما خارجياً فيمكن استعماله ضد الجروح والخراجات والسرطانات والتشققات الناتجة في القدم في وقت البرد، وطريقة الاستعمال هو غسل الجروح بعصير جذور الكرفس أو بوضع كمادات على الجروح والدمامل والسرطانات، وعلى إبهام الرجل مع عصير الليمون لعلاج النقرس، ويستعمل غرغرة وغسولاً ضد تقرحات الفم والخناق وخفوت الصوت وورم اللوزتين.
هناك بعض التحذيرات: حيث إن سيقان نبات الكرفس غنية جداً بالعصارة المائية فإنه يفرز مبيدات حشرية خاصة به لحمايته من الفطريات الجائعة. هذه المركبات تعرف باسم Psoralens تقوم فعلاً بحماية الكرفس، لكن هذه العملية قد تسبب للإنسان بعض الأذى فالحصول على مادة Psoralens من الغذاء أو حتى من خلال الجلد قد يسبب حساسية جلدية ضد ضوء الشمس عند بعض الفئات من الناس. إذا شعرت بأي مشاكل في الجلد بعد تناول للكرفس فابتعد عنه. يجب عليك غسل الكرفس جيداً قبل تناوله لأن الغسيل يزيل الفطريات التي تتكاثر على الكرفس والتي تسبب في إفراز مادة ال Psoralens.
الكرفس اللفتي
نعود إلى الكرفس اللفتي Celeriac الذي لا يعرفه معظم الناس. والكرفس اللفتي من الخضروات الجذرية الشتوية وهو أحد أعضاء عائلة البقدونس وقريب الصلة بالكرفس العادي الذي نعرفه جيداً. ومن مسمياته الأخرى، جذر الكرفس، وعجرة الكرفس، والكرفس الألماني. ويشبه الكرفس اللفتي الطازج في شكله لفتة عقدية مدورة كبيرة. وعندما تزال القشرة الخارجية الصلبة يظهر اللون الأبيض للب والأجزاء الداخلية للكرفس اللفتي طعم ورائحة تشبه الكرفس العادي.
يعد الكرفس اللفتي من الخضروات الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن طعمه اللطيف الشبيه بطعم الكرفس العادي أدى إلى استخدامه في مجموعة مختلفة من الأطباق حيث يبشر ويوضع على السلطة أو سلقه وهرسه لإعطاء قوام ونكهة لأطباق الحساء والمرق. أو تقطيعه إلى قطع صغيرة لإضافته إلى حشوات الحمام أو الطيور الصغيرة، وتغميسه في اللبن المخيض وقليه بشكل خفيف ليقدم مطبقا بديلا للحم. يقوم الفرنسيون بتقطيع الكرفس اللفتي إلى شرائح طويلة، وينزعون قشرته بواسطة غمسه في ماء مغلي ثم يخلطونه مع مايونيز مصنوع من الخردل ويتناولونه كبديل لسلطة الكرفس.
يوفر الكرفس اللفتي حوالي 500 ملليجرام من البوتاسيوم في كل نصف كوب من الكرفس اللفتي المطبوخ. كما يحتوي كذلك على ملليجرام واحد من الحديد وكذلك 5 ملليجرام من فيتامين ج (C). الكرفس اللفتي غني جداً بالألياف التي تعمل على تقليل مستويات الكوليسترول العالية في الدم وبالتالي فإنها تساعد في تقليل أخطار الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.