تطرقنا في العدد السابق من هذه العيادة الصحفية الى ماهية المثانة العصبية وذكرنا انها تنقسم الى نوعين: مثانة لا تستطيع الانقباض (مرتخية)، وفيها لا بد من الضغط على أسفل البطن للمساعدة على التفريغ، وقد يحتاج الأمر إلى استخدام القسطرة البولية المتحركة كل 3 - 4 ساعات وفق الحالة. ومثانة كثيرة الانقباض (نشطة)، وكلتا الحالتين يحتاج تشخيصهما إلى تقييم سريري ومخبري.
كما ذكرنا أن التشخيص يقوم بناء على المعطيات التي يأخذها الطبيب من المريض حول طبيعة العوارض التي يشكو منها، ومعرفة الحوادث والأمراض التي أصيب بها. وفي المرحلة التالية يتم الفحص سريرياً، وبعد ذلك يستعين الطبيب بعدد من الفحوص المخبرية التي تمكنه من وضع النقاط على حروف التشخيص، ومن بينها تحليل الدم، وتحليل البول، والفحص بالموجات الصوتية، وتنظير المثانة، وقياس ديناميكية المثانة من أجل تقييم الضغط داخلها واختبارات البول الحركية من أجل معرفة التناسق بين تقلصات عضلة المثانة وارتخاء صمام التحكم بالبول (المصرة البولية).
وبعد التأكد من التشخيص توضع الخطة العلاجية التي تقوم على العلاج السلوكي مدعوماً بالعلاج الدوائي. ويمثل العلاج السلوكي حجر الأساس، ويشمل عدم الإفراط في شرب السوائل، خصوصا تلك التي تدر البول، كالشاي والقهوة، وتدوين يوميات عن كمية السوائل المستهلكة وعدد مرات التبول مع حدوث إلحاح أو سلس بولي. كما يتم تثقيف المريض أو المريضة حول آلية التبول السليمة.
وبناء على المعلومات المدونة يومياً ينصح المريض بإفراغ مثانته بطريقة منتظمة، أي كل ساعة، مثلاً، في البداية، ومن ثَم محاولة تمديد هذه الفترة بزيادة 15 دقيقة كل أسبوع أو أسبوعين تقريباً، وباستخدام وسائل عدة، منها تحويل انتباهه من الحاجة إلى التبول إلى مهمات أخرى، كاستعمال الهاتف مثلاً والجلوس على كرسي بعيداً عن دورة المياه، والقيام بأعمال روتينية وإجراء تقلصات للصمام الخارجي حتى تزول الرغبة في التبول، فينتظر المريض أو المريضة خمس أو عشر دقائق قبل اللجوء إلى الحمام لتفريغ المثانة.
ويدعم العلاج السلوكي بالعلاج الدوائي الذي يجب أن يكون جنباً إلى جنب معه لأنه يساعد المريض على ضبط إلحاح تبوله وتكراره. وتوجد العديد من العلاجات الدوائية والتي تساعد على تقليل تقلصات المثانة والمساعدة في تخزين البول داخلها حتى الوقت المناسب للشخص لإفراغ البول، كما تساعد هذه العلاجات في تخفيف الضغط داخل المثانة ومن ثم حماية الكليتين من خطر ارتفاع هذا الضغط والذي قد يؤدي الى حدوث الفشل الكلوي في حالة اهماله على المدى البعيد.
وإذا تم السير على الخطة العلاجية وبشكل سليم، فإن التحسن سيحصل بدرجة كبيرة. أما إذا فشل العلاج السلوكي والدوائي في تحقيق المرغوب، فعندها يمكن التفكير في حلول أخرى، مثل الجراحة، وحقن مادة البوتوكس.
وفي حالة المثانة العصبية من النوع المرتخي، فبالإضافة الى العلاج السلوكي، ينصح المريض بعمل قسطرة بولية متحركة كل 3-4 ساعات يمكن زيادتها او تمديدها حسب الحالة من اجل تفريغ المثانة وتجنب السلس البولي.
يستعمل جهاز التنبيه العصبي في بعض حالات المثانة العصبية
العلاجات المبتكرة في حال فشل العلاج الدوائي والسلوكي
اذا ما فشلت جميع تلك الوسائل المذكورة السابقة، يمكن حقن مادة “البوتوكس″ في جدار المثانة أو زرق مادة “الكبسيسين” أو “رزينيفرا توكسن” في جوف المثانة بواسطة القسطرة مع نتائج جديدة تتعدى 60% من الحالات. وقد استعملت في السنوات القليلة الماضية وسيلة مبتكرة لعلاج بعض تلك الحالات المستعصية ترتكز على التنبيه العصبي بواسطة جهاز الإنترستم وهو مولد كهربائي يوضع تحت الجلد متصل بأسلاك معزولة ومتصلة مع الاعصاب الرئيسية للمثانة التي تنشأ في اسفل النخاع الشوكي العجزي فيستطيع المريض معها التحكم بالتقلصات غير الارادية في المثانة بضبطه جهازاً ملحقا موجوداً خارج الجسم، وقد نجحت هذه الوسيلة في اكثر من حوالي 60% من بعض تلك الحالات اذا ما توفرت الشروط الضرورية لاستعمالها، لكن من اهم مضاعفاتها واعراضها الجانبية تلوث والتهاب مكان زراعة الجهاز مما يستدعي نزعه، أو تحرك الموصل الكهربائي من مكانه أو التكسر في التوصيل الكهربائي أو عدم الانتظام في الشحنات الكهربائية أو رفض الجسم لها.
العلاج الجراحي
اذا ما فشلت جميع الوسائل المذكورة أو إذا لم يتحملها أو رفضها المريض يمكن نادراً وفي الحالات المستعصية استعمال الوسائل الجراحية إذا ما وافق عليها المريض بعد تفهمه مضاعفتها وخطورتها وامل نجاحها على المدى الطويل.
ومن اهم تلك الوسائل ترقيع المثانة بقطعة من الامعاء الدقيق لزيادة سعتها وقد تنجح تلك الوسيلة لدى العديد من المرضى ولكن مع مضاعفات كثيرة قد تكون احياناً خطيرة بنسبة قد تصل إلى حوالي 25% من تلك الحالات خصوصاً اذا ما اجريت على يد اخصائي يفتقر إلى الخبرة الكافية في إجرائها أو في مركز طبي غير متخصص أو مجهز لتلك العمليات الدقيقة.
وعلى المريض أو المريضة ادراك احتمالية تلك المضاعفات التي تشمل عدم القدرة على التبول بعد العملية وضروه استعمال قسطرة لإفراغ التبول اربع إلى ست مرات يومياً لمدى الحياة وذلك بنسبة 10% إلى 25% من الحالات تقريباً أو حصول سلس بولي في النهار أو أثناء النوم بنسبة قد تصل إلى حوالي 10إلى 25% من تلك الحالات.
واذا ما رفض المريض القسطرة عبر الأحليل قبل القيام بعملية ترقيع المثانة بالأمعاء، يمكن وصل طرف الامعاء المرقع إلى الجلد لتفريغه تلقائياً إلى كيس موضوع على طرفه الخارجي أو باستعمال قسطرة دورية لإفراغ المثانة كل 4 ساعات تقريباً عن طريق فتحة الجلد.
في الختام يجب الانتباه لحالة المثانة العصبية وتشخيصها في الوقت السليم وبدء العلاج المبكر خاصة عند الأشخاص المعرضين لها مثل مصابي الحوادث المرورية او مرضى جراحات الحوض او الجلطات الدماغية، إذ ان خطأ تشخيص مرض المثانة العصبية وعلاجها في الوقت المناسب قد يؤدي في نهاية المطاف إلى عدد من المضاعفات التي تهدد حياة الشخص المصاب، ومنها:
- التأثير في جودة الحياة من خلال تسبب المرض في عدد من الاضطرابات النفسية والعائلية والاجتماعية والمهنية وحتى الجنسية، وهذه الاضطرابات المنغصة للعيش.
- الفشل الكلوي، وهو يحدث نتيجة ارتجاع البول إلى الكليتين، وارتفاع مادة البولينا في الدم، وهذه المشكلة الخطيرة تنجم في أغلب الحالات عن التأخر في التشخيص.
- التهابات المسالك البولية المتكررة بسبب ركود البول.
- تشكل الحصيات الكلوية أو المثانية.