نسبة أمراض القلب إلى العين أو المس أو السحر.. منزلق خطير!!
من التجني وصف الامراض العضويه بالسحر والمس كشماعه نعلق عليها جهلنا وعدم رغبتنا في التداوي
هناك ثلاثة أمور تلتبس كثيرا بأمراض القلب وتختلط هذه المفاهيم على بعض العقلاء من الاصحاء.. فمابالك اذا كان المريض أميّا لم ينل حظا من الثقافة العامة فضلا عن الثقافة الصحية.. بل وكان مرضه مزمنا ويحتاج الى كثير من الجهد والمتابعة!! وهذا الخلط في المفاهيم يحدث في جميع انحاء العالم وليس في منطقة الشرق الاوسط فقط.. والخطوره هنا تتولد من أن الفهم الخاطئ قد يقود المريض الى حتفه بأسرع مما يتوقع!!لآن الموضوع يتعلق بصحة أهم وأخطر الأعضاء على الاطلاق في الجسم البشري والمسبب الاول للوفيات في جميع انحاء العالم.. الا وهو"القلب".
وهذه المواضيع الثلاثة هي العين والسحر والمس!! وقد وجدت بعض المرضى حديثا تأخر علاجهم وتدهورت صحتهم بسبب مفاهيم خاطئة لديهم عن علاج امراض القلب.. بل الادهى والامر ان بعضهم اوقف علاجات القلب بسبب ان احدهم قال ان "فيك عين"؟!.. ولذلك لابد ان نوضح للقارئ الكريم خطورة هذا المنزلق على المدى القصير والبعيد.. وسنعرض لمفاهيم هامة تتعلق بأمراض القلب.
السحر الأسود:
صالح 50 سنة معه سكري وأحس بضيق في صدره.. فنصحه جلساؤه بالذهاب الى شيخ يقرى عليه.. استمر القارئ ثلاثة ايام يقرأ عليه ولم يتحسن ولكنه كان يقول للمريض ان معك "سحر اسود" ويحتاج جلسات كثيره!!وكل جلسه ب 200 ريال.. حتى أغمي عليه في اليوم الثالث فقال لأبنائه" خذوا ابوكم للمستشفى".. وعندها اتضح ان معه جلطة في القلب لها ثلاثة ايام وكانت حالته حرجة لمدة اسبوع في العناية المركزة بسبب تأخره في العلاج !!
النقاش:
السحر كمفهوم بلاشك موجود في جميع الاديان ومن ضمنها خاتمها وهو ديننا الاسلامي ويكفي اشارة رب العزة له بقوله (ومن شر النفاثات في العقد) ولكن ايضا يجب معرفة ان الغالبية العظمى من الامراض العضوية في العالم ليست من السحر.. وانما امراض لها اسباب من خلق الله وتقديره ومن فضله سبحانه انه جعل لها علاجا ولذلك فإن سيد البشر عليه الصلاة والسلام أمرنا بالتداوي فقال (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله)وقال سيد المرسلين (عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام).. ولو كان السحر والشعوذة هي الغالب على امراض البشر لما امرنا رسولنا عليه الصلاة والسلام بالتداوي؟!.. ولما طلب الطبيب لخاله سعد بن ابي وقاص عليه الصلاة والسلام.. ولما اوصى ذلك الرجل بالعسل.. الخ، وقد اصاب الناس الطاعون في عهد عمر ولم يقل انه من السحر.. بل ان صناعة السحر والشعوذة محاربة في الدين الاسلامي فيكفي ان حد الساحر القتل!! ولذلك يجب معرفة التالي:
- كما خلق الله الاجسام فإنه خلق امراضها وخلق ادويتها.. وجعل الامراض العضوية لها سمات وقوانين لا تتغير ولا تتبدل بتغير تلك الاجسام سواء كان المصاب بها برا او فاجرا، مسلما او غيره، .. الخ. فقد وضع الله قوانين الصحة في الكون كما وضع قوانين المرض وهي لا تحابي احدا مهما كانت مكانته وبالتالي فانه يسهل معرفتها وتشخيصها وعلاجها.. ولذلك فانه من التجني وصف الامراض العضوية بالسحر والمس كشماعة نعلق عليها جهلنا وعدم رغبتنا في التداوي.. ونسبة الامراض الى السحر والمس فيه كثير من الغيب والظن وقد يكون ذلك الظن راجحا في حال عجز الطب الحديث عن علاج ذلك المرض لأنه لا يتماشى مع قوانين الامراض المعروفة التي وضعها الله في الكون.. وقد يكون مرجوحا في حال وجود علاج متوفر يقضى على المرض بسرعة مثل ارتفاع الضغط او ضعف القلب او جلطاته او الخفقان بأنواعه المختلفه.. فهذا الفرق بين علم ظني وعلم محكم تتأرجح بينهما صحة الانسان قليل المعرفة وحياته!!
- يجب على المريض اولا ان يذهب للطبيب للتأكد من وجود المرض العضوي او النفسي وعلاجه ويجب كذلك على الراقي ان يطلب من كل من يأتيه ان يتأكد من الطبيب اولا ولا يوهم مريض الامراض العضوية ان حالته سببها المس والسحر.. ولا يستغل حاجة من يعانون من الامراض المزمنة مثل الروماتيزم والصرع والفصام الذهني.
- بلاشك ان القرآن شفاء.. ويستطيع ان يقرأ الانسان على نفسه او يطلب من يرقي له ولكن هذا لا يتعارض مع العلاج بالادوية والعقاقير فكلاهما سبب والشافي هو الله.. ولا ننسَ أهمية أن يكون الإنسان حريصًا على أن يرقي نفسه وأن يدعو الله تعالى أن يفرج عنه مرضه، وأن يحافظ على أذكاره للوقايه فالمرض من قدر الله والرقية من قدرالله، والعلاج من قدر الله أيضًا ووصية رسوله عليه الصلاة والسلام فيجب الا يهمل العلاج الكيميائي والتركيز على العلاج الروحي فقط.
- هذا منزلق خطير ان يتم محاربة العلاج الطبي الحديث في اذهان العامة لفائدة مادية لبعض السحرة والمشعوذين وضعاف النفوس الذين يحاربهم كل دين وكل نظام مدني في العالم بكل ما أوتي.
أنا معي عين!!
شخص كبير في السن.. يهمل علاج ضعف قلبه لأنه يظن انها عين من أحد أقاربه!!
في ثقافتنا الاسلامية العين حق لاشك في ذلك فقد جاء في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم (العين حق)، وفي حديث سهل بن حنيف المشهور قوله صلى الله عليه وسلم للعائن(علام يقتل أحدكم أخاه؟) والاصابة بالعين لها ظروف زمانية ومكانية واعراض معينة تدل عليها وتشخيص الاصابة بالعين ليس بالتخرص ولا بالتوهم ولكن يدل عليه سياق الاحداث وعدم خضوع الأعراض لقوانين علم الامراض البشرية وكذلك تحسن المريض على الرقية او الطرق الأخرى التي اوضحتها السنة المطهرة، وهو في النهاية تشخيص ظني لأنه لا يعلم الغيب الا الله سبحانه، وهذا الظن بالاصابة بالعين قد يكون راجحا في حال عجز الطب الحديث عن علاج ذلك المرض وقد يكون مرجوحا في حال وجود علاج متوفر ويقضى على المرض بسرعة مثل التهاب الرئة الحاد او يتحكم بالمرض المزمن مثل السكري ومرض ارتفاع الكلسترول المزمن.
الخلاصة:
ان نسبة الامراض العضوية الى عين او مس او سحر.. منزلق خطير قد يقود الانسان الجاهل الى حتفه.. فهناك امراض عضوية بحتة تحتاج الى العلاج والانتظام عليه ولا يمنع من الأخذ بالاسباب والجمع بين الدواء والرقية.. وهناك الكثير من الرقاة الذين ينصحون الناس بالعلاج في المستشفى أولا ثم الرقية ثانيا ولكن هناك الندرة منهم الذين ينصحون بأن يخافوا الله في صحة الناس فقد يقود جهل ذلك الراقي المريض الى حتفه ويكون اسبق اليه من العين او السحر او المس الذي يرقي عليه.. وكذلك لا يمكن له ان يشخص الأمراض البشرية من خلال قراءة الكتب والخبرة والاطلاع الثقافي!! ولذلك اقترح ان تتعاون وزارة الصحة مع الشؤون الاسلامية في وضع ضوابط وشروط للرقية الشرعية وتحت مراقبة من الجهتين لمنع ضعاف النفوس والدجالين- وهم ندرة ولله الحمد - من ابتزاز الناس.
وضع الله قوانين الصحه في الكون كما وضع قوانين المرض وهي لاتحابي احدا مهما كانت مكانته