الكسور الانضغاطية (compression fractures) هي كسور تحدث في الفقرات وتؤدي إلى انضغاط الفقرة من شكلها المربع الطبيعي بحيث تنضغط ويصبح شكلها مستطيلاً. والكسور الانضغاطية هي أكثر نوع من الكسور يصيب فقرات العمود الفقري. والفقرة المصابة يصبح عرضها أكثر من طولها وتأخذ شكلاً مستطيلاً كما ذكرنا سابقاً. وغالبية الكسور الانضغاطية تكون نتيجة هشاشة شديدة (osteoporosis) لدى المريض أوالمريضة. وهناك ما يقارب اثنين إلى ثلاثة ملايين كسر انضغاطي يحدث في العالم كل عام. والعمود الفقري والفقرات المصابة بالهشاشة تكون ضعيفة مقارنةً بالشخص الطبيعي ولا تتحمل الضغوط ولا توفر الدعم اللازم ولذلك فهي تكون معرضة لهذه الكسور الانضغاطية نتجية إصابات بسيطة مثل السقوط من الكرسي أو السقوط داخل دورة المياه أو حتى عند حمل وزن بسيط. أما في الشخص السليم فإن الكسور الانضغاطية قد تحدث نتيجة حوداث السيارات أو حوادث السقوط أو نتيجة بعض الأمراض التي تكون أصلاً موجودة في الفقرات مثل الأورام الحميدة أو الأورام الخبيثة كفانا الله وإياكم شرها (pathological fractures). هذه الأورام تؤدي إلى ان تصبح العظام ضعيفة ومعرضة لهذا النوع من الكسور.
من الناحية التشريحية
الفقرات في الإنسان هي عبارة عن 24 فقرة مرصوصة واحدة فوق الاخرى لتكون العمود الفقري. هذا العمود الفقري يعطي الجسم شكله وصلابته والقدرة على الوقوف والجلوس في الوضعية القائمة. والجزء الكبير من الفقرة هو جسمها (vertebral body) وهو في ناحية أمامية وشكله مثل شكل المربع أو المكعب بحيث يكون طوله وعرضه وارتفاعه تقريباً متساوية. ولكن عندما يحدث الكسر الانضغاطي فإن الجزء الأعلى والأسفل من الفقرة ينضغط نحو بعضه البعض ويصبح متقارباً. والجزء الصدري من الفقرات (dorsal or thoracic spine) يكون مدعوماً بالضلوع ولذلك فهو نظرياً أقوى من الأجزاء الأخرى. ولكن عندما تكون هناك أسباب مثل الحوادث أو الهشاشة الشديدة فإن هذه الأضلع لا توفر دعماً كاملاً وبالتالي فإن الفقرات الصدرية تتعرض بدورها لهذا النوع من الكسور.
الأسباب
لماذا تحدث هذه الكسور؟
في الواقع أن العظام القوية السليمة تستطيع أن تتحمل القوى والإجهادات التي تحصل مع المجهود اليومي ولذلك فهذه الكسور تحصل في العظام السليمة عند تعرضها لضغطوط كبيرة (high force) مثلما يحدث في الحوادث والسقوط أو أن تكون هذه العظام أصلاً مريضة لسبب أو لآخر مما يجعلها تنكسر تحت جهود بسيطة. ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى أن تكون العظام ضعيفة هو مايلي:
1- هشاشة العظام (osteoporosis) الذي هو مرض منتشر وشائع وخصوصاً في الشرق الأوسط في دول الخليج نتيجة عدم التعرض للشمس لفترات كافية ونتيجة العادات الغذائية السيئة مما يؤدي إلى انتشاره بشكل كبير وخصوصاً لدى السيدات الكبيرات في السن. مرض هشاشة العظام على المدى الطويل يؤدي إلى أن تكون الفقرات ضعيفة وبالتالي إلى أن تنضغط تحت وزن الجسم و تحت الإجهادات التي تحدث للشخص خلال الأنشطة اليومية وبالتالي إلى ظهور الحدبة أو تحدب الظهر (kyphosis). وفي بعض الحالات قد تؤدي حوادث بسيطة (simple falls) مثل السقوط في الحمام أو من الكرسي إلى أن يحدث كسر أشد في هذه الفقرات الهشة وبالتالي إلى أن تشعر المريضة أو المريض بآلام شديدة.
2- أمراض الغدد الصماء. وهذه الغدد بعضها مسؤول عن تنظيم مستوى الكالسيوم وفيتامين د وسلامة العظام في الجسم. ومن أهم هذه الغدد والهرمونات هو ما يعرف علمياً باسم (parathyroid gland). هذه الغدة تسمى بالعربية الغدة جار الدرقية لأنها قريبة من الغدة الدرقية في العنق وهي تفرز هرمون (pth) المسؤول عن تنظيم الكالسيوم وسلامة العظام. ولكن في بعض المرضى يحدث خلل في إفراز هذا الهرمون نتيجة أورام حميدة أو غير حميدة في هذه الغدة مما يؤدي إلى خلل في دورة الكالسيوم وتكلس العظام ويؤدي إلى حدوث هشاشة شديدة ونخر وضعف في الفقرات وبالتالي يجعلها معرضة للكسور الانضغاطية.
3- الأورام الخبيثة وهذه قد تنتشر إلى العمود الفقري من أي جزء من أجزاء الجسم (metastasis) مثل أورام الغدة الدرقية أو أورام الثدي أو أورام الأمعاء أو أورام الرئة وهي كلها قد تنتشر في الجسم ولكن هناك خاصية لانتشار بشكل كبير في الفقرات مما يؤدي إلى حدوث نخر لهذه الفقرات نتيجة انتشار السرطان ويؤدي إلى إضعافها وجعلها عرضة لهذه الكسور.
الأعراض
الأعراض تختلف حسب نوعية السبب الذي كان وراء حدوث الكسر. ففي المرضى الذين تحدث هذه الكسور لديهم نتيجة ضعف في العظام مثل مرض الهشاشة قد تكون هناك أيام أوأسابيع أو شهور قبل أن يحدث ألم بمنطقة الكسر. وذلك لأن الكسر في هذه الفئة من المرضى يحدث تدريجياً وعلى مدى أسابيع أو شهور وهذه الفئة من المرضى تكون كبيرة في السن وأنشطتهم محدودة ولذلك فهم لا يشعرون بالكسر والآلام التي تنتج منه إلا بعد فترة عندما يتفاقم الكسر. وفي هذه المرحلة يبدؤون بشعور بالألم وإزعاج في منطقة الظهر وتحدب في منطقة الظهر خصوصاً عند الوقوف والمشي. أما في الحالات التي تكون نتيجة حوادث أوسقوط فإن الآلام تكون مسبوقة بالتاريخ المرضي للحادث وتكون هناك آلام شديدة ومبرحة في منطقة الظهر وقد تمتد إلى الساق وإذا ما كانت هناك زحزحة للفقرة وضغط على النخاع الشوكي والأعصاب الطرفية فإن المريض قد يشكو أيضاً من ضعف أو تغير في الإحساس في الساقين.
التشخيص
عادةً ما يتم بعد أخذ تاريخ مرضي مفصل وفحص سريري يبين وجود تحدد بحركة الفقرات الصدرية وقد يبين وجود تحدب في هذ المنطقة ووجود ألم عند الضغط عليها. أيضاً يجب فحص الطرفين السفليين من الناحية العصبية وذلك بفحص قوة العضلات وسلامة الإحساس. بعد ذلك يتم عمل الأشعات اللازمة والتي تتكون من الأشعات السينية والأشعات المقطعية (ct scan) وأيضاً أشعة الرنين المغناطيسي في بعض الحالات (mri). هذه الأشعات عادةً ما تكون كافية لإظهار الكسر ومدى شدته ومكانه بالتحديد وأيضاً تعطي فكرة عن الأسباب التي أدت إلى الكسر مثل هشاشة العظام أوالأورام. كما أن هذه الأشعات تعطي فكرة عن سلامة الأعصاب أو تأثرها وكذلك النخاع الشوكي في منطقة الكسر.
الخطة العلاجية
الغالبية العظمى من مرضى الكسور الانضغاطية في الفقرات الصدرية يمكن علاجها بدون جراحة. وهذه الخطة العلاجية تتكون من أخذ قسط من الراحة واستخدام حزام طبي وتناول الأدوية المسكنة والأدوية المرخية للعضلات. بالإضافة إلى ذلك فإن العلاج الطبيعي يساعد في تخفيف الآلام وتقوية العضلات ومساعدة المريض على التحرك. أيضاً في هذه الأثناء تتم معالجة أي أسباب كامنة وراء حدوث الكسر مثل علاج مرض هشاشة العظام أو أمراض الغدد الصماء.
التدخل الجراحي
التدخل الجراحي يكون مطلوباً ولازماً في بعض الحالات مثل الحالات الشديدة التي يكون فيها الكسر متزحزحاً ومتحركاً ويسبب خللا وعدم ثبات في العمود الفقري (unstable fractures) أو يكون فيها ضغط على النخاع الشوكي. أيضاً يكون التدخل الجراحي لازماً في بعض الحالات التي تكون نتيجة التهابات جرثومية أو أورام. والتدخل الجراحي ينقسم إلى عدة أنواع وبصفة عامة فهو قد يشمل عمليات التثبيت الروتينية التي يتم استخدام براغي ومسامير طبية فيها لتثبيت الكسر في حالات الكسور الشديدة أو قد يتم عن طريق استخدام الحقنة الإسمنتية الطبية داخل الفقرة وذلك في الحالات التي تكون أقل شدة وحدة. وكلا النوعين من العمليات الجراحية له فوائده وله استخداماته وعند ما يتم عمله عن طريق استشاري خبير في مثل هذه الجراحات فإن النتائج تكون ممتازة وتساعد على شفاء المرضى بشكل تام وعاجل بإذن الله.
ياسر محمد البحيري