الأنزيمات التجديدية
لديّ اسم لجمع هذه “الأنزيمات – عمال التصحاح” التي تقوم بعمل نزع السموم من الخلايا في الحيوانات والنباتات والمتعضيات المجهرية. يحلو لي أن أسمِّيها “الأنزيمات التجديدية” لأنها أنزيمات تساعد في تجديد خلايا الكائنات الحية. إذا استعرضنا النشاطات الحياتية من وجهة نشاطات الأنزيمات التجديدية، نستطيع أن نرى الدور الذي تلعبه الأنزيمات في الدماغ عن الحياة والصحة والتجديد.
بغية إيضاح وظائف الأنزيمات التجديدية، سأشبهها بالأنزيمات الهضمية والأنزيمات الأيضية التي يعرفها الناس بشكل أفضل. هناك فروقات بينهما. لنتذكر أننا قلنا إن الأنزيمات الهضمية والأنزيمات الأيضية هي مجموعات من الأنزيمات تعمل على هضم وامتصاص ما نأكله وتحويله إلى طاقة في المتقدرات داخل الخلايا. الأنزيمات التجديدية هي مجموعة أنزيمات تعمل عندما تكون الحياة مهددة، بخلاف الأنزيمات التقليدية التي تعمل على تدعيم الحياة ومؤازرتها في مسيرتها اليومية.
إذا لم تعمل هذه الأنزيمات بشكل جيد داخل خلايانا، تكون حياتنا نفسها مهددة. بطريقة التفكير هذه نرى أن مستوى نشاطات الأنزيمات التجديدية في جسمك هي، حرفياً، بارومتر يظهر مستوى قوة الحياة الذي بلغته.
ترتبط المناعة الطبيعية بالأبوبتوز حيث تنتحر الخلايا التي خُرقت من قبل الفيروسات أو البكتيريا آخذة معها الكائنات الممرضة. وعندما يفشل جهازها الخاص بنزع السموم من الخلايا في الدفاع عن الخلية ضد الأعداء المهاجمين، يُستدعى جهاز الأبوبتوز للعمل، وتقوم الخلايا بالتضحية بنفسها. بوجه عام يمكننا القول إن الخلايا المفردة تدافع عن نفسها من خلال تفاعل أنظمة ثلاث: (1) نزع السموم من داخل الخلايا. (2) المناعة الطبيعية. (3) الأبوبتوز للحفاظ على الطاقة للبقاء حية. الأنزيمات التجديدية، كما أسمِّيها، تشترك في جميع مراحل الدفاع البيولوجي وهي “أنزيمات تجديدية” تشجع النشاطات الخليوية.
أودّ أن أسهب في شرح التفاصيل الخاصة بأجهزة المناعة الطبيعية الأبوبتوز حيث تنشط الأنزيمات. ابدأ بالمناعة الطبيعية. أهمية وظائف المناعة معروفة ومعترف بها بوجه عام، ولكن ربما هناك بعض الأشخاص لم يسمعوا بعد “بالمناعة الطبيعية”. المناعة الطبيعية تعني جهاز دفاعنا البيولوجي الصُّلبي. في الماضي كان علم الطب يركِّز على نشاطات الخلايا المناعية في الدم أو السوائل اللنفية. غير أن هذه وظيفة مناعية مكتسبة أنتجت في زمن الحيوانات الفقارية بعد فترة طويلة من التطور وهي لا تشمل جميع الكائنات الحية.
تعرف وظيفة هذه الخلايا المناعية بالمناعة المكتسبة في تباين مع المناعة الطبيعية. تتعرّف المناعة المكتسبة على الكائنات الممرضة وهي تخترق الجسم كمستضدات وتنتج الأجسام المضادة للدفاع عن الحياة. إنه جهاز مكتسب في مرحلة اختراق الممرضات للجسم، بينما كانت المناعة الطبيعية تعمل في الخلايا منذ البدء أي منذ أول تطور للحياة على وجه الأرض. المناعة المكتسبة مبنية على أساس من المناعة الطبيعية. وكلما تقدمت معرفتنا بكيفية عمل المناعة الطبيعية تتغير نظرتنا إلى نماذج العناية الصحية التي نعتمدها. لقد بدأ الأطباء وغيرهم يتكلمون أكثر عن الأشياء التي يستطيع الناس القيام بها لتدعيم مناعتهم الطبيعية، مع اتكال ثانوي على اللقاح ولجوء إلى تدخل الأدوية لقتل الميكروبات كملاذ أخير عندما يفشل المنع.
لقد أزعجتنا الأمراض المعدية كالأنفلونزا والكوليرا والحصبة وما شابهها منذ انبلاج فجر التاريخ البشري. ومع ذلك يجب القول إنه لم يصب جميع الناس. وبكلام أدق، حتى عندما تفشّت أمراض معدية مثل الأنفلونزا الإسبانية في جميع أنحاء العالم، لم يصب جميع الناس ولم يموتوا جميعاً. فبينما أزهقت كثير من الأرواح كان هناك أشخاص أصيبوا إصابات طفيفة أو لم يصابوا على الإطلاق. ما هو الفارق؟ مع المناعة المكتسبة لا يسع المرء أن يقاوم الأمراض المعدية إلا إذا وُلدت مضادات جسمية بتفاعل المستضدات والأجسام المضادة. إن الحصول على الأجسام المضادة يستغرق فترة غير قصيرة من الوقت، وإذا لم يكن المرء مصاباً بالمرض نفسه، فيجب أن تنتج أجسام مضادة جديدة، ذلك لأن جسماً مضاداً واحداً يستطيع أن يكون فعالاً ضد ممرض واحد. بكلام آخر ليس لدينا القدرة على اتخاذ إجراءات فورية ضد أي كائن ممرض متطفل. ما الذي يقرِّر الحياة أو الموت بوجود مرض معدٍ؟ الجواب هو المناعة الطبيعية. ما لم تكن المناعة الطبيعية الصُّلبية لجميع أنواع الحياة تعمل كما يجب فلا يمكن استعمال حتى المناعة المكتسبة.
فيما مضى كانت المناعة الطبيعية تُرجع إلى البلاعم أو العدلات، المعروفة بوظائفها البدائية بين الخلايا المناعية. ربما لا تكون لك خبرة بالبلاعم أو العدلات، لذلك سأصفهما لتتكوّن لديك فكرة عريضة. يُعرف عن هذه الخلايا من الكريات البيضاء المتخصصة أنها تلتهم المواد الغريبة للتخلص منها. غير أنها ليست خلايا بدائية تعمل على الالتهام وحسب. نعلم أن للبلاعم وظائف أخرى مهمة. إنها تعمل كمراكز رقابة لإصدار تعليمات للخلايا الليمفاوية التي تدمِّر الممرضات بإنتاج أجسام مضادة. بوجه عام، يعتقد أن الخلايا الليمفاوية تقوم بدور محوري في الوظائف المناعية، ولكن، ويا للعجب، لا يمكنها أن تفعل شيئاً إلا إذا تلقت تعليمات من البلاعم. للبلاعم وظيفة للالتهام ولكن في نفس الوقت تعمل على ضبط الخلايا المناعية.
يمكن تشبيه البلاعم بالقوة المنفصلة التي استولت على وظائف تعود إلى المناعة الطبيعية العاملة داخل الخلايا. عندما تطورت المتعضيات ذات الخلية الواحدة إلى متعضيات ذات خلايا متعددة وكبرت بالحجم والتعقيد، لم تعد وظيفة المناعة الأولية التي تستعمل طريقة نزع السموم من داخل الخلايا قادرة على حماية الجسم، وهكذا يُعتقد أن البلاعم وُجدت لدعم وظيفة المناعة.
أودّ أن أضيف ملاحظة قصيرة تتعلق بتطور الكائنات الحية. في سياق التطور إلى متعضيات ذات خلايا متعددة، كان أول كائن تطور هو قناة هضمية تشبه كثيراً معى بشرياً. إن متعضياً ذا خلايا متعددة في مراحله الأولى، كالمرجان مثلاً، يحتوي فقط على قناة هضمية، وحياته بسيطة، يوفر المغذيات ويهضمها ويمتصها في القناة الهضمية ويبرز.
المعى يوجد داخل الجسم، ولكن له اتصال منتظم مع العالم الخارجي عبر الازدراد. ومن الطبيعي أن تتسلّل إليه جميع أنواع الممرضات. والسبب في تمييز جذور البلاعم (البلعميات) عن خلايا الأمعاء ربما كان من أجل توفير دماغ بيولوجي ضد الممرضات في داخل الأمعاء.
الخلايا المناعية كالعدلات والخلايا الليمفاوية أنتجت بتمييزها عن البلعميات، جدود الخلايا البلعمية الكبيرة. عندما نتطلع جيداً إلى هذه التطورات تصبح العلاقة بين المناعة الطبيعية والمناعة المكتسبة أكثر وضوحاً. ربما يكون من الضروري أن نضع جانباً – ولو موقتاً – المعلومات العامة عن علم المناعة وندرس وظائف المناعة الصُّلبية في الكائنات الحية. هذه المناقشات سائدة على حدود علم المناعة الأمامية.
الأبوبتوز
الأبوبتوز هو نظام دفاع بيولوجي آخر يعود إلى تحلل الخلية كدفاع أخير عندما تمتلئ الخلية بمقدار كبير من المواد الغريبة كالنفايات مثلاً أو عندما تُخترق من قبل فيروسات أو بكتيريا أقوى من أن تتمكن وحدها من الدفاع عن نفسها باستعمال طريقة نزع السموم من داخل الخلايا أو بواسطة المناعة الطبيعية. يشار إلى الأبوبتوز “بانتحار الخلايا” ولكنه ليس سلبياً على الإطلاق وهو وظيفة شائعة بين الكائنات الحية ذات الخلايا المتعددة يقوم من خلالها بحماية الخلايا الأخرى من الأذى. ومهما يكن من حال، حتى إذا ضُحِّي بخلية من الخلايا فإن خلية أخرى مطابقة لها ستحل محلها. والطريقة الأفضل لفهمها هي اعتبارها نوعاً من نظام لإعادة التدوير.
مثل جيد للأبوبتوز هو تحول الشرغوف إلى ضفدع، يتخلّى عن ذَنَب لم يعد مفيداً. وحتى مرحلة ما، تظل أصابع الجنين البشري غير مميزة وتبدو كأنها شبكة ثم تدخل عملية الأبوبتوز وتزيل الخلايا من بين الأصابع فتشكل أصابع اليد البشرية.
أبوبتوز الخلايا السرطانية هو استراتيجية دفاعية هامة. عادة، عندما تتولّد الخلايا السرطانية في جسمنا، يحصل أبوبتوز أي انتحار لهذه الخلايا لمنع تكاثرها. ولكن نشاطاتها تكبح عندما تتكوّن كميات كبيرة من الأوكسجين الجذري وغيره من الجذور الحرّة التي تجعل الجسم مؤكسداً.
إن سبب توصيتي لمرضى السرطان باتباع نظام شينيا بيوزيم الذي يقلِّل من أكل البروتينات الحيوانية ويكثر من تناول الخضار والثمار الطازجة هو لإزالة الجذور الحرّة من الجسم وتحفيز الأبوبتوز. وبالطبع تلعب الأنزيمات التجديدية دوراً في عملية الأبوبتوز. هناك أنزيم له أهمية خاصة هو الكاسباز الذي يضبط عملية الأبوبتوز. أنواع الأنزيمات التي تعنى بالرقابة تظل في حالة سبات عندما لا تكون ضرورية، ولكن عندما تقوم حالة تحتاج إلى الأبوبتوز، ينبري أنزيم آخر لتنشيطها. هذه الأنزيمات تختلف قليلاً عن الأنزيمات التي درسنا. ولكنها تشبهها في أنها تعمل كلما كانت حياة ما في خطر.
خصائص الأنزيمات التجديدية التأقلمية
ربما تكون قد بدأت تكوِّن فكرة عن وظائف الأنزيمات التجديدية وكيف تحافظ على حياتنا. إن الأنزيمات التجديدية التي أتخيل هي مجموعات من الأنزيمات لها علاقة بنزع السموم من داخل الخلايا والمناعة الصُّلبية والأبوبتوز، وهي الأنشطة الثلاثة المحورية لإنقاذ الحياة. بتحريك هذه الأنزيمات تقوم خلايانا بتنظيف نفسها من المواد القذرة الداخلية وتمنع تسرُّب الممرضات. بنتيجتها تتدفق طاقة حياتنا من دون عائق.
كلما تضاعف فهمنا للأنزيمات التجديدية كلما زادت معرفتنا بكيفية تنظيمها. مثلاً، تستطيع الأنزيمات التجديدية أن تتأقلم مع بيئات تختلف عن بيئة الأنزيمات الهضمية. تتمكن الأنزيمات التجديدية من العمل جيداً في بيئة قليلة الحموضة. عندما نكون في صحة جيدة يكون الحامض في جلدنا خفيفاً ويصعب على البكتيريا أن تتوالد فيه. في البيئات الحامضة لا تتمكن الأنزيمات العادية من العمل بكفاءة. لذلك تكون هذه البيئة حصراً للأنزيمات التجديدية التي تستطيع التأقلم مع الحوامض الخفيفة. في داخل الخلايا وفي داخل الجزيئات العضوية المسؤولة عن نزع السموم من داخل الخلايا وفي الجسيمات الحالّة يوجد بيئة قليلة الحموضة. هذه البيئة الحامضة جيدة وتؤلف جزءاً من النظام الطبيعي لأنها تكبح البكتيريا مما يسهم في حماية الناس.
من خصائص الأنزيمات التجديدية الأخرى أنها تقدر على العمل في الحرارة العالية. ربما تعلمتَ أن الحرارة تضعف الأنزيمات، ولكن ذلك ينطبق على الأنزيمات العادية فقط. غير أن ما يبعث على الدهشة هو أن خصائص الأنزيمات التجديدية مختلفة تماماً. عندما تكون حرارتك عالية بسبب الزكام تفقد شهيتك في أكثر الأحيان وذلك يعود إلى أن الأنزيمات الهضمية تكون ضعيفة في الحرارة العالية. تعمل الأنزيمات بكفاءة عالية عندما تكون حرارة الجسم 37 درجة ولكن عندما تصعد إلى ما يقارب 38 درجة يهبط النشاط بشكل عنيف. والسبب في شعورك بالتعب عندما تكون حرارتك عالية يعود إلى تدنِّي نشاط الأنزيمات الأيضية في الحرارة العالية. ولأن نشاط البكتيريا والفيروسات يهبط في الحرارة العالية، تقوم الأنزيمات التجديدية بالتخلص منها واحداً واحداً.
حتى سنوات قليلة خلت كان الأطباء يعالجون الحرارة بالأسبيرين وغيره من الأدوية لتخفيض الحرارة بأسرع وقت ممكن. أما الآن فهم يميلون إلى ترك الحرارة تأخذ مداها. ذلك لأننا تعلمنا أن الحرارة العالية ليست غير طبيعية بالنسبة للجسم، بل إنها ردة فعل طبيعية له للتخلص من الممرضات ومنعها من الانتشار. وهذا صحيح في حال تورم اللوزتين أو عندما تصاب بحرارة من جراء جرح ملتهب.
الالتهاب يعني أن مساحة جرح أو إصابة تحتوي على حوامض خفيفة. عندما يحصل ذلك تنشط الأنزيمات التجديدية التي يمكنها تحمُّل الحرارة العالية والحموضة الخفيفة وتحارب الممرضات. إن محاولة تخفيض الحرارة بواسطة الأدوية عند المصابين بالزكام تتعارض مع وظائف الأنزيمات التجديدية. يمكنك القول إنه فعل ضد حكمة نظام الجسم الطبيعي.
تتميم الأنزيمات التجديدية بالفاكهة
لا يقتصر عمل الأنزيمات التجديدية على محاربة الإصابات إذ إن لها القدرة على تحليل وإزالة سموم كل خلية في الجسم. هناك 60 نوعاً من الأنزيمات التجديدية تعمل في الجسيمات الحالّة التي هي جزيئات عضوية داخل الخلية مصممة خصيصاً لنزع السم من الخلايا. بعض هذه الأنزيمات التجديدية معروف بمحللات قديرة، فهي تتفوّق كثيراً على الأنزيمات الهضمية بقدرتها على تحليل مواد خارجية، إذ إنها تحلل 5.000–10.000 ضعف أكثر منها. كمجموعة، تستطيع هذه الأنزيمات التجديدية أن تحلل كل أنواع المواد التالفة بما فيها البروتينات الناقصة، غشاء الخلية والكولاجين والدهون وعديد السكريد وحامض النوكليد. إنها من النوع الذي يحلل بالجملة. غير أنها، مع قوتها العظمى في عمليات التحليل، فكثير منها ينتهي إلى تدمير نفسه، مما يجعل من الصعب علينا أن نراقبها ولذلك ليس لدينا صورة كاملة عنها لحد الآن. ولكن ليس من الخطأ التشديد على أن للأنزيمات التجديدية قوة عظيمة تتجاوز قوة الأنزيمات العادية بسبب قدرتها على تحليل المواد التالفة وبذلك تساعد في الحفاظ على صحتنا.
إن القوة العظمى لعملية التحليل التي تملكها الأنزيمات التجديدية هي التي تسبِّب نضوج الفواكه وتزيد من حلاوتها. تحتوي الفاكهة على حمض الليمون الذي يتسبَّب بطعمها الحامض، وتزيد حلاوتها بعملية تخميرية، وكلا إنتاج حمض الليمون والتخمير من عمل الأنزيمات التجديدية. وهي أيضاً تشترك في تكاثر الثمار، فعندما تنضج الفاكهة تتساقط بذورها على الأرض. وفي بعض الأحيان تخرج البذور مع روث الحيوانات على الأرض عندما تأكل الحيوانات الفاكهة. من هذه البذور تخرج نبتات فتبدأ حياة جديدة.
بعض الأنزيمات التجديدية ضرورية لنضوج الفاكهة، والأنزيمات الموجودة في الأناناس والكيوي والتين والبابايا الخضراء معروفة بتفوقها. في برنامجي البيو – أنزيمي أوصي بأكل الفواكه لتتميم الأنزيمات التجديدية. من المعروف أن لهذه الفواكه أنزيمات لها بنية قريبة جداً من بنية الأنزيمات التجديدية العاملة في الجسيمات الحالّة. الفاكهة مصدر غني للعناصر المضادة للأكسدة أو كيماويات نباتية تساعد في عمل الأنزيمات التجديدية. فالطعام الغني بالفاكهة الطازجة متصل بزيادة قوة الحياة بطرق مختلفة أبعد من تلك التي تكمل المغذيات. نعلم أن الطعام القياسي للرئيسات في البراري كالشمبانزي يتألف من الثمار، وليس من اللامعقول أن نفترض أنه ربما هناك علاقة وثيقة بين حيوية جميع الرئيسيات (بمن فيها الإنسان) والفاكهة النيئة الغنية بالأنزيمات التجديدية.
لماذا يعتبر الصوم عاملاً في إطالة الحياة؟
اقتراح مضاد للبديهة انبثق عن الأبحاث الحديثة يقول إن الأشخاص الذين يأكلون قليلاً جداً جداً ربما يعيشون حياة أطول. الدراسات التي اقترحت ذلك أجريت بالفعل على الثدييات الأخرى – القرود والقوارض والكلاب – وأظهرت أن حمية قليلة السعرات إلى حدٍّ كبير، ما دامت توفِّر غذاءً ملائماً للبقاء، قللت فعلياً من مخاطر الأمراض المزمنة على الحيوان وزادت في معدل الحياة الوسطي. يبدو أن يكون ذلك توكيد على المثل القديم، “أكل ما لا يقتلك يجعلك أقوى”.
ولكن هل ينطبق ذلك على الناس؟ لم يعثر الباحثون بعد على دليل بأن الأشخاص الذين يتناولون كمية قليلة من السعرات يعيشون أطول، غير أن لديهم بينات على أن تحديد السعرات لدى النساء والرجال البالغين يؤدِّي إلى بعض التغييرات الأيضية نفسها التي ظهرت في الدراسات المخبرية للقرود والفئران. ذلك يعني أنه بوجود الميزان الغذائي الصحي، يقلل تحديد السعرات لدى الإنسان المخاطر الأيضية والهرمونية والالتهابية لأمراض السكري والقلب وربما السرطان أيضاً. لماذا ذلك؟
إنني أعتقد أن طائفة الأنزيمات التي أدعوها الأنزيمات التجديدية هي أساس هذا الواقع. ولأن الأنزيمات التجديدية قادرة على التأقلم مع بيئات قاسية تحتوي على قليل من الحامض وعلى حرارة مرتفعة، أصبحت أعتبرها كالقوات الخاصة، تقف جانباً لتنفيذ المهمات الخطرة، فهي تتحرك كلما جابه المتعضي أزمة وجود. ما هي الحالات المعينة في حياتنا التي تطرح مثل هذه الأزمة؟ المجاعة واحدة منها بكل تأكيد، فالتاريخ البشري كان، في قسم كبير منه حرباً ضد المجاعة. عندما يطول الجوع يتوقف نشاط الأنزيمات الهضمية والأنزيمات الأيضية التي تعمل عادة على أساس يومي. على العكس تبدأ الأنزيمات التجديدية نشاطها داخل الخلايا.
حتى عندما يكون المتعضي تحت الضغط والأنزيمات العادية في الجسم غير ناشطة، تعمل الأنزيمات التجديدية بكل قوتها لتنظيف داخل الخلايا في الجسم. تتحلل البروتينات الناقصة في عملية الالتهام الذاتي وتتحول إلى مغذيات للخلايا كلما دعت الضرورة لذلك. في نفس الوقت تُمزَّق النفايات والمواد الغريبة ويتم التخلص منها. مع مثل هذه العملية اليومية تظل خلايا الجسم نظيفة وتقوى حيوية المتعضي أكثر مما لو كانت الأنزيمات التجديدية أقل نشاطاً. نستطيع القول إن هذا هو سبب بقاء الأشخاص الذين لم يستطيعوا الحصول على كمية كافية من المغذيات في الأزمنة الغابرة، كمثيلهم اليوم، وتمكنوا، مع ذلك، من البقاء بصحة جيدة، وقادرين على الحفاظ على قوة حياة مرتفعة. كانوا على الدوام في حالة تتمكن معها الأنزيمات التجديدية من العمل بنشاط.
من الأكيد أن مثل هذه البيئة لم يكن فيها أوجهاً إيجابية فقط، عندما تزداد درجة المجاعة يزداد الضغط على الجسم والروح وتُستهلك أنزيمات الجسم. وذلك، بالإضافة إلى النقص في الغذاء، كان سبباً لقصر حياة أجدادنا القدامى. وكوني يابانياً أميركياً فإنني على دراية بالتاريخ الياباني. ومع أن المجاعات كانت تتكرر باستمرار في العصور الغابرة. كان هناك أمثلة جمّة لعصور مثل عصر إيدو في اليابان حيث سادت طريقة عيش مسالمة ومريحة دامت زمناً طويلاً وأحدثت حضارة غنية. ومع ذلك أستطيع القول إن اليابانيين القدماء استفادوا من كونهم غير قادرين على الأكل بقدر ما تشتهيه قلوبهم.
الدرس الهام الذي يجب أن نستخلصه من كل هذا هو إلى أي مدى تصل نشاطات الأنزيمات التجديدية. فمهما أضفنا من السنين لامتداد الحياة، لا نستطيع العيش بحيوية كبيرة إلا إذا كانت الأنزيمات التجديدية تعمل بنشاط. هل من الممكن زيادة مستوى نشاط منظفات الخلايا هذه؟ أنا أعتقد أن ذلك ممكن. كل ما يتطلبه هو تغييرٌ إلى نمط حياة أكثر التصاقاً بالطبيعة، نمط لا يشتمل دائماً على الأكل حسب ما يهواه قلبك.
هناك نصيحة ربما لا يودّ سماعها أحد من الناس، ولكنني أعتقد أن بإمكانك أن تزيد من حيويتك باعتماد الجوع بين آونة وأخرى، لتفعيل أنزيماتك التجديدية كي تقوم بتنظيف خلايا جسمك وشحنها بالنشاط. أو، بكل بساطة، كُلْ باعتدال، توقف عن الأكل قبل أن تشعر بالتخمة، أو تخلًّ عن اللقمشة وزِد في فترة الوقت عندما تشعر بالجوع في بحر النهار. من أجل تحفيز الأنزيمات التجديدية، من الضروري أن تتحمل قليلاً من الصيام المعتدل. أخشى أن يكون مفتاح زيادة قوة حياتك كامن ليس في الأكل بل في عدم الأكل. لا يمكن التعبير عن الحيوية بالأرقام كالسعرات أو المغذيات لذلك فهي غير محددة، ولكنها مرتبطة بعمل الأنزيمات التجديدية داخل خلايانا.
ربما يكون ذلك أفضل علاج ضد الشيخوخة، إدراك جديد وكامل لكيف يمكن لك أن تحفظ حيويتك وشبابك، حان الوقت لأن تستفيق على قوة الأنزيمات التجديدية.
الأنزيمات التجديدية ضرورية للحمل والولادة
لقد رأينا أن الصيام والأكل المعتدل مرتبطان بنشاط الأنزيمات التجديدية. هناك أزمات أخرى في حياتنا البيولوجية مساوية للجوع. أحد الأمثلة على ذلك هو دورة الإخصاب والولادة. وأذكر أنني قلت سابقاً إن النشاطات التحليلية القوية للأنزيمات التجديدية تلعب دوراً في عملية إنضاج الفواكه، وهي تلعب الدور نفسه في التناسل البشري الذي يشمل بالطبع ارتباط حُييٍّ منوي ببيضة عبر اختراقها. تسهل الأنزيمات هذه العملية. عندما يقترب المني من البيضة تقوم بقذف أنزيمات من جهتها الرئيسية. تقود هذه الأنزيمات المني إلى اختراق البيضة والالتصاق بها، عند ذاك تحدث غلافاً حول البيضة (غشاء التخصيب) على سطح الخلية البيضية. وهكذا تمنع وصول مني آخر إليها. ما يزال هناك أشياء غير معروفة في هذا المجال، ولكن الأنزيم الذي يقوم بالاختراق والحماية ربما يكون واحداً من الأنزيمات التجديدية.
خلال العشرة أشهر والعشرة أيام من الحمل إلى الولادة تعمل أعداد كبيرة من الأنزيمات. أما مسألة ما إذا كانت جميع هذه الأنزيمات من فئة الأنزيمات التجديدية فذلك أمر لا يمكن تحديده حتى الآن. غير أن كمية استهلاك الأنزيمات الكبيرة تفترض وجود حاجة كبيرة لكميات وافرة من طاقة الحياة. وبالاستناد إلى ما قلته لحدّ الآن، هذا الضغط يجب أن يحفِّز الأنزيمات التجديدية للعمل داخل الخلايا لنزع سمومها.
لماذا يبدو أن النساء في مجتمعات غنية ومتقدمة تكنولوجياً يعانين من مشاكل الحمل أكثر مما تعانيه نساء من الطبقات الفقيرة؟ يبدو اليوم أن نساء عديدات لا يستطعن الحمل وقد زادت حالات الإجهاض زيادة كبيرة. ويقال أيضاً إن تعداد المني لدى بعض الرجال قد تدنّى وهناك أعداداً متزايدة من الرجال يعانون من مشاكل العنّة (عسر وظيفة الانتصاب) أو العقم (اللامنوية). مع ازدياد الرخاء هبط معدل الولادات، ولا أظن أن ذلك يعود إلى تغيير في القيم الاجتماعية. لديّ شكوك بأن كلا الرجال والنساء قد فقدوا الحيوية اللازمة للإنجاب، وهنا يكمن على الأقل قسم من المشكلة.
هذه الحيوية المعطلة، والخصب المعطَّل، تعود، في رأيي، إلى نمط حياة الناس في هذه الأيام الذين يستهلكون غذاءً يقود إلى تدهور في معالم الأمعاء. هذا الغذاء يستند في الغالب إلى مصادر الأغذية الحيوانية (لحوم وحليب ومنتجات الحليب) دهون، حبوب مكررة، سكر أبيض وأطعمة سريعة. من أجل تعزيز قوة الحياة وتحفيز الأنزيمات التي، كما رأينا، تشترك في النشاطات الحياتية للخلايا، يجب على المرء أن يختار غذاءً يستند إلى المأكولات النباتية والفواكه. هذه هي نقطة البداية في كل شيء.
إن ما تأكله كل يوم يجعل معالم أمعائك أفضل أو أردأ ويحدد نوعية دمك وخلاياك. إنني أحثّ النساء الحبالى وشركاءهن الرجال، والقابلات، والأطباء المولدين والأطباء النسائيين أن يعرفوا بأهمية الغذاء. الغذاء هو أساس الصحة التناسلية.
الطريقة لإحياء الأنزيمات التجديدية
إن سر إحياء الأنزيمات يقبع في عاداتك الغذائية، كُلْ أقل وشدِّد على الخضار الطازجة وبخاصة الفواكه الطازجة التي هي مصدر جيد من مصادر الأنزيمات التجديدية. ومن المهم أن توفِّر لنفسك كمية كافية من المياه الجيدة.
بالإضافة، يكون من المستحب أن تتمم غذاءك بالأنواع والكميات الملائمة من العناصر المغذية لدعم عمل الأنزيمات التجديدية. المغذيات ذات المقادير الضئيلة والفيتامينات والمعادن الطيفية غير موجودة في مأكولاتنا المكررة أكثر من اللزوم، وأنت تحتاج أيضاً إلى مضادات التأكسد كالكيماويات النباتية (فايتو كميكالز). أكثرية مكونات الخلايا النباتية مؤلفة من جويفات مملوءة بالسوائل حيث تعمل الأنزيمات التجديدية بنزع السموم من داخل الخلايا. في هذه السوائل يوجد بالإضافة إلى الأنزيمات التجديدية بعض عناصر مضادة للتأكسد وكيماويات نباتية مثل البوليتينول.
من المعقول أن يكون هناك بعض الأطعمة التي تحثّ على عملية نزع السموم من الخلايا. إن هذه الفرضية بالإضافة إلى مشاهداتي لنتائج التغذية السيئة على الأمعاء البشرية والصحة البشرية على مدى نصف قرن قد أقنعتني بأن المقاربة الغذائية للعناية بالصحة ليست صحيحة فحسب بل إنها، في المدى الطويل، المقاربة الوحيدة المعقولة.
وعلى كل، فإن الخلايا هي مصدر جميع تدفقات الجسم والأنزيمات التجديدية ضرورية للإبقاء على تدفق الطاقة، والذهاب إلى مصدر الصحة البشرية يعني الاستنجاد بالأنزيمات التجديدية من أجل الحصول على حياة ملؤها الصحة والشباب والحيوية.
ماذا عن متممات الأنزيمات؟ أكثرية الأنزيمات الموجودة في السوق هي أنزيمات تدعم عمل الأنزيمات الهضمية التي ربما تكون ضرورية لتحسين المعالم المعوية والإبقاء على الأحوال الفيزيائية الجيدة. غير أن علم الطب اليوم في صدد تطوير متممات لإحياء الأنزيمات التجديدية وإكمال الأنزيمات التجديدية نفسها. لا عجب أنني مهتم كثيراً بهذه الفكرة وبالأبحاث المتعلقة بالأنزيمات المختلفة في داخل الخلية. فبتحويل تركيز البحوث الطبية إلى الخلية، التي هي الوحدة الأساسية للحياة، وبالتركيز أيضاً على وجود الأنزيمات التجديدية العاملة داخل الخلايا، يجب أن نتمكن من اقتراح طريقة جديدة للعيش تشتمل على كثير من النشاطات البشرية – الصحة وطول العمر والخصوبة والجمال وبيئتنا الأرضية ومجتمعنا. لديّ توقعات عظيمة للتطورات القادمة كلما تقدّم إدراكنا لجذور الحياة.