إن جسم الإنسان يحتفظ بدرجة حرارة داخلية مستقرة في الظروف الصحية الطبيعية، وهذه الحرارة تنتج عن التفاعلات البيولوجية والفيزيولوجية داخل هذا الجسم، كعمليات الاستقلاب أو نشاط العضلات أو الارتعاش غير الإرادي؛ وبالتالي فإن هذه الحرارة تمثل الناتج بين عملية تولد الحرارة وحفظها من ناحية وخسارة كمية منها من ناحية أخرى.
ويخضع استقرار مستوى الحرارة الداخلية لجسم الإنسان لجهاز تنظيم الحرارة الموجود في الدماغ وتحديداً في منطقة الوطاء أو ما تحت المهاد (Hypothalamus) الذي يتأثر بتغيرات الحرارة المحيطة (برد، حر) وذلك من خلال الأعصاب المسْتقبلة في هذه المنطقة من الدماغ، وكذلك تحت تأثير مستوى درجة حرارة الدم الذي يجري في الشرايين والذي يصل بدوره إلى الوطاء. ونتيجة هذه العملية المنظمة، تبقى الحرارة مستقرة بين 36 و37 درجة مئوية؛ غير أنه، وفي الحالات الطبيعية، تتغير حرارة الجسم خلال الدورة اليومية (تعاقب فترات النهار، العصر والليل)، إذ هي متدنية في الصباح الباكر وتبلغ أعلى مستوياتها في فترات بعد الظهر.
أما في الحالات المضطربة وأوقات المرض بخاصة، يمكن بشكل تقريبي تقسيم ارتفاع الحرارة عند الأطفال إلى ثلاث حالات:
1. ارتفاع الحرارة لفترة قصيرة مع وجود علامات مرضية مركزة تؤدي إلى تشخيص مرض أو خلل ما، مع الاستعانة بالماضي الطبي والفحص السريري للمريض، مع أو بدون إجراء تحاليل مخبرية أو غيرها.
2. ارتفاع حرارة من دون وجود علامات مركزة وفحص طبي، لا يشير إلى أي مرض محدد، ولكن التحاليل البيولوجية وغيرها تؤدي غرضها في التشخيص.
3. ارتفاع حرارة مجهولة المصدر؛ وبغض النظر عن السبب المؤدي إلى ارتفاع الحرارة عند الطفل، فإن الإنتاج الحراري المتأتي من ارتفاع حرارة الجسم يتسم بزيادة استهلاك الأوكسجين وكذا إنتاج مادة ثاني أكسيد الكربون، ويعمل في الوقت ذاته على تسريع نبضات القلب، وهذا ما يفسر زيادة اضطراب القلب عند ذوي العاهات القلبية، أو ذوي اضطرابات الكريات الحمراء (ناقلة الأوكسجين إلى سائر أعضاء الجسم) كفقر الدم المنجلي مثلاً، أو أصحاب الإصابات الرئوية المزمنة كالربو على سبيل المثال.
أسباب ارتفاع الحرارة
إن ارتفاع حرارة الجسم عند الأطفال هي إذاً ردة فعل الجسم الدفاعية على اعتداء ما، مما يحث جهاز المناعة (الأجسام المضادة، الكريات البيضاء…) على التدخل السريع والمقاومة، ويصبح مفعول ارتفاع الحرارة هذا ضاراً في حال التكرار أو الاستدامة لفترة طويلة، ما يشكل خطراً على جسم الطفل، ويؤدي إلى تشنجات عصبية (Convulsions) وحالات تجفاف أو نشفان (Dehydration) أو ارتفاع حرارة خبيث (Malignant hyperthermia).
• تعتبر الأمراض الانتقالية الإنتانية أكثر الإصابات المسببة لارتفاع الحرارة عند الأطفال، أكان مصدرها الفيروس أو البكتيريا، في دائرة الأنف والأذن والحنجرة خاصة، أو ناتجة عن إصابة أغشية الدماغ (السحايا)، التهاب حاد في الكلى أو المجاري البولية، الأمعاء، العظام، الكبد، أو التهاب الزائدة الدودية، أو إصابات في القصبة الهوائية أو ذات الرئة والتهاب عضلة القلب.. وغيرها. كما أن الأمراض الانتقالية المعدية تترافق مع ارتفاع حرارة الطفل، نذكر منها: الحصبة، الأنفلونزا، جدري الماء (أو الحُماق)، الحمى القرمزية، مرض أبو كعب (أو النُكاف)، طفرات جلدية، سببها فيروس، تترافق مع ارتفاع الحرارة.
• هنالك أسباب أخرى تنجم عن تقلبات الحرارة الخارجية، أكان ذلك إبان فصل الصيف، كالتعرض لأشعة الشمس لفترة طويلة (شاطئ البحر، المسابح المكشوفة…) ما يفقد الطفل كمية كبيرة من المياه؛ أم خلال فصل الشتاء بسبب التدفئة الزائدة داخل غرف المنزل أو إلباس الطفل كمية فائضة من الثياب التي تحفظ الحرارة (أيام المدرسة بالأخص).
• ومن أسباب ارتفاع الحرارة لدى الأطفال، إصابة خبيثة في الدم (سرطان، لوكيميا، تلاسيميا..)، أو احتقان يصيب عدة أعضاء في الجسم (الروماتيزم التهاب المفاصل الحاد…)، أو الإصابة بمرض دوري له أصول وأسباب أثنية في بعض الحالات (مثل حمى البحر الأبيض المتوسط).
• تبقى أسباب أخرى كانت تحدث فيما مضى خلال عمليات التلقيح وبخاصة عند إعطاء اللقاح الثلاثي (الشاهوق، الخانوق والكزاز) ولم يعد لها وجود بعد تحسن نوعية اللقاح وزيادة فعاليته.
• هنالك حالات ارتفاع حرارة غير معروفة المصدر، وهي حالات تطول وتقصر وتستوجب التدقيق عن أسبابها، بإجراء استقصاءات وفحوصات وتحاليل نوعية في بعض منها، ما يساعد على التشخيص، ومنها الناتج عن التدرن الرئوي (السل)، حمى مالطا، حمى التيفوئيد والتهاب الغشاء الداخلي للقلب..
• يمكن للحرارة المرتفعة أن تنتج عن إصابات نادرة الحدوث عند الأطفال نذكر منها: إصابات أوعية دموية، انسداد شرياني عميق مع أو بدون انسداد شريان الرئة، أو انسداد داخل القلب، أو نتيجة امتصاص تورم دموي ناتج عن نزف أو التهاب في شعيرات الشرايين الرفيعة. كما يمكن للترفع الحروري المجهول السبب أن يحصل نتيجة الإصابة في الغدد الصماء (كالزيادة في إفراز: الغدة الدرقية، الغدة الكظرية..).
• لا بد من التطرق إلى الترفع الحروري، الناتج عن استعمال أدوية معينة (مضادات حيوية مثلاً)، ما يشير إلى وجود تحسس على نوعية محددة من هذه الأدوية التي يتناولها المريض.
• تبقى الإشارة إلى ارتفاع الحرارة لدى الأطفال في مرحلة بزوغ أسنان الحليب، ابتداء من الشهر السابع، ولكنه ليس بحادث مرضي ولا تتجاوز فيه درجة الحرارة 39 درجة مئوية، حيث تهبط الحرارة عند إعطاء الطفل دواء مخفضاً ويعود إلى وضعه الطبيعي ولا تدوم الحرارة بشكل مرتفع إلا لفترة وجيزة.
إرشادات لتخفيض الحرارة
- التأكد من صلاحية ميزان الحرارة والعمل على قياس حرارة الطفل بطريقة جيدة (وضعية الطفل المستلقي على ظهره وقد نزعت الألبسة والأحزمة، وإبقاء الطفل في رداء خفيف (كيلوت قطن مثلاً)، رفع ساقيه إلى مستوى البطن ووضع ميزان الحرارة داخل شرجه، (مع القيام بإدخال القسم المعدني من الميزان فقط). تبقى وسيلة قياس الحرارة عن طريق الشرج هي الأفضل، والعمل على تسجيل معدل الحرارة في فترات متفاوتة من النهار والليل.
- التنبه إلى الحرارة الداخلية للغرفة حيث يوجد الطفل، بحيث تكون معتدلة (19 إلى 21 درجة) مع عدم إقفال الأبواب والشبابيك بطريقة محكمة.
- عند ارتفاع درجة الحرارة إلى39 وما فوق، يستحسن التصرف بسرعة، من خلال وضع الطفل في مغطس فاتر، على أن تكون حرارة المغطس أقل بدرجتين من حرارة الطفل المريض (38 درجة إذا كانت حرارة الطفل 40) على ألا تتجاوز فترة الحمام 20 دقيقة، مع إمكانية تكرار الأمر 3 إلى 4 مرات يومياً إذا اقتضى الوضع الصحي للطفل؛ أو القيام بلف الطفل برداء مبلل بالماء الفاتر (منشفة كبيرة مثلاً).
- يمكن الاستعانة في حالات الترفع الحروري الحاد، بوضع عبوات مغلقة مليئة بقطع من الثلج ومغلفة بقطعة قماش في أماكن طيات جسم الطفل (الكوع، الركبة الورك، تحت الإبط..).
- تزويد الطفل بكميات كافية من الماء الصالح للشرب، جرعات قليلة ومتكررة، لأن ارتفاع الحرارة يؤدي إلى خسارة كمية من المياه والأملاح من جسم الطفل، لذا ينبغي تعويض هذه الكمية لئلا يحصل التجفاف، على أن تكون المياه منعشة (باردة قليلاً) ومحلاة بقليل من السكر.
- العمل على استعمال شراب مثبط للحرارة مع عدم تكرار الجرعات في فترات قصيرة بهدف إسقاط الحرارة بسرعة، كما يحذر من إعطاء الطفل عدة أدوية مخفضة للحرارة في أن معاً، لما لها من عواقب خطيرة إذ يمكن أن تسبب حصول تشنجات عصبية ومخالطات أخرى.
- عدم التسرع بإعطاء الطفل أي دواء غير موصوف من الطبيب (مضاد حيوي خصوصاً).
- إن الأخذ بهذه الإرشادات، يمكن من الوقاية من حدوث هبات ارتفاع الحرارة الخطيرة وتأمين سبل الراحة للطفل بطريقة أفضل، ريثما تحصل الاستشارة الطبية، مع العلم بأن الحرارة الطبيعية للطفل تتراوح بين 36 درجة مئوية (عند الصباح) و37.5 في نهاية بعد الظهر، وأن تقلبات الأحوال الجوية وفترات تناول وجبات الطعام (الرضاعة من الثدي تشكل جهداً هاماً للرضيع) والحركة الجسدية، يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع بسيط في درجة حرارة الطفل الداخلية.