يهتم هذا الفرع من الطب بالبحث في التفاعل بين وظائف الجسم الحيوية و بين العمليات النفسية اللاشعورية و تأثير المشاكل الإنفعالية و الاستجابات الجسمية الناجمة عن التوتر و القلق في صنع الأعراض الجسدية و الشبه جسدية و المرض الفعلي.
و قد أخذت الأبحاث و الإهتمامات لفهم و علاج هذه الظاهرة في الإتساع مما أدى إلى إدراك واضح وجلىّ للأسباب النفسية المسببة لجميع سمات المرض الجسدي و أن مجمل الأعراض الجسدية تكمن أسبابها في دخائل نفسية المريض.
و بما أن للتوتر و القلق نموذجان رئيسيان أولاهما التوتر النفسي: و الذي يتضمن كل أعراض اضطراب القلق النفسية و الانفعالية و السلوكية و التغيرات الإجتماعية المصاحبة.
و ثانيهما و هو التوتر الفسيولوجي الذي يظهر بصورة استجابة عصبية و كيميائية و ردود أفعال مرضية عضوية كما ذكرنا في أعراض القلق الجسدية.
فالتغيرات الكيميائية مثل زيادة سرعة الترسيب في الدم و ما يصاحبها من آلام جسدية ثبت أن فترات التعرض الطويلة للتوتر تسببها عند أشخاص التجارب، و ثبت أيضًا أن التعرض المزمن للمواقف المسببة للتوتر تؤدي إلى تزايد نسبة الكوليسترول و الدهون الثلاثية في الدم و ما يصاحبها من مشاكل في القلب، و لوحظ ارتفاع معدل الادرينالين و النورادرينالين في البول عند الأشخاص المطلوب منهم إنتاج عالي في عملهم على حساب المشاعر مما أدى إلى الإنزعاج الجسدي و النفسي و الشعور بالألم.
و في دراسة عن العلاقة بين مرض القلب و توترات و مشاكل العمل المجهد المقترن بزيادة التدخين و ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم ثبت أن عدد السجائر المدخنة و عدد المكالمات التليفونية التي يرد عليها و الزيارات التي يقوم بها في العمل أو عدد الزائرين له لقضاء حوائجهم و الإجتماعات التي يحضرها ووجود عمل مجهد غير راض عنه كل ذلك أدى إلى ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم و التهيئة بالتالي لأمراض القلب و الشرايين.
في دراسة أخرى ثبت أنه كلما زادالوقت الذي يمضيه الإنسان في القيام بأعمال غيره من الناس ازداد تدخينه و كلما زادت مسئولية الإنسان عن تحمل أخطاء الغير كسلطة و إدارة أو تحملها إشفاقًا و إهتمامًا و حرجًا ارتفع ضغط دمه.
أظهرت الدراسات أن الذين يمارسون مهنًا مختلفة يتعرضون إلى أنواع متفاوتة من التوتر و القلق، فأصحاب المهن الإدارية أكثر استعدادًا للإصابة بمرض القلب أكثر من المهندسين.
و من وجهة النظر التحليلية أو النفسديناميكية و بالنظر إلى دوافع الإنسان الأساسية من حب و كراهية يكون نصيبه من زيادة المكانة و ارتفاع القدر و الغنى و النجاح إما تعرضه للسلوك العدواني من الغير بسبب الغيرة و الحقد و الحسد و سوء الفهم أو أن تسبب هذه المكانة الظلم و العدوان و الإزعاج للآخرين.
و بما أن هذه الدوافع متضادة فقد يعمد الكثيرون إلى كبت مشاعر الغضب و العدوان و الإستياء من الوعى و الشعور فيتم إدراك القلق و التوتر:
- في حالة فقدان السيطرة على الذات بالعصبية و الإندفاع و الصوت العالي و الغضب الذي قد يصل إلى الضرب و السب و التكسير بل و القتل.
- في حالة تعذيب الضمير و الشعور بالإثم الذي ربما لا يكون حقيقيًا بل متخيلاً لكن آثاره واقعة لا محالة.
- أو يقوم الفرد بإلحاق الضرر بنفسه.
و هنا لابد من التفرقة بين الخوف و التوتر لأنه في حالة الخوف يتعرف الفرد على نوعه و مصدره و أسبابه لأنه خوف موضوعي و يستطيع الفرد التعامل معه و التصدي له، أما في حالة القلق و التوتر فهو خوف لاشعوري هائم، عائم لا يتمكن الفرد من الهروب منه.
بالرجوع مرة أخرى إلى توترات المهنة يتضح أن تبديل العمل أو مكانه أو حتى التبدلات الداخلية من مكان إلى آخر بل من غرفة إلى غرفة و مجموعة إلى أخرى و من رئيس إلى آخر لما يجد فيه الفرد من خسارة ذاتية في فقدان التآلف و التكيف الذي كان يحظى به في المجموعة و الوجوه السابقة التي تعود عليها و تعامل معها و أسلوب العمل الذي تعود عليه و الدعم الإداري الذي كان يتلقاه بل أحيانًا تكون خسارة الفرد الناجمة عن تبدل العمل و انتقال الفرد إلى عمل آخر أو مجموعة أخرى أو مكان آخر أكبر من الترقيات و المكافآت التي قد يحصل عليها و تكون شديدة على النفس و أكبر مما يتحمله الفرد.
العلاج المعرفي السلوكي و فلسفة عمله إن الهدف من إدخال برامج العلاج المعرفي السلوكي إلى حيز التدريب هو تبديل التغيرات النفسفسيولوجية التي حدثت بسبب القلق و التوتر و التي لا يعيها و لا يدركها الفرد حيث نصفها بأنها لاشعورية، و محاولة إخضاع تلك التغيرات للسيطرة الإرادية حيث يتزود المتعالج بالمعلومات النظرية ثم التدريبات العملية.
و بما أن التغيرات الفسيولوجية الجسدية مثل زيادة معدل ضربات القلب و الصداع و ارتفاع ضغط الدم وحموضة المعدة و آلام الجسد و انتفاخ القولون و الحكة الجلدية و التوترات العضلية ناجمة عن التوتر و القلق و الإثارة و الخوف إذن فهناك تفاعل متبادل قائم بين النفس و البدن و هناك الآن فرصة للفرد أن يتعلم كيف يدرك هذه العلاقة و يعيها و يعي ارتباطها بالتوتر و الاسترخاء في البيئة التي يعيش فيها.
و بما أن التغيرات الفسيولوجية و الأحاسيس البدنية تلك تحدث خارج نطاق إدراك الفرد فهدف العلاج المعرفي السلوكي أن يتعلم و يكتسب الفرد إراديًا أساليب التدعيم و التعزيز و السيطرة و تعميم الاسترخاء في الحياة اليومية ثم بعد ذلك يمكن فطامه و تركه تدريجيًا يتحمل مسئوليات حياته بدون توتر و بالتالي بدون أمراض بدنية تنغص عليه.
و أود هنا أن أقرر أن التدريبات التي سنذكرها نقصد منها وصف طرق علاجية طبقت فعلاً من قبلنا و معالجين آخرين و ثبتت فعاليتها في إحداث التبديل السلوكي المطلوب فنرجو النظر إليها و فهمها ثم استخلاص أفكار و طرق أخرى و تطبيقها ثم استخلاص و استلهام و إبداع طرق و أفكار اخرى لحالات أخرى لا تستجيب للطرق العلاجية التقليدية المعروفة في الوسط الطبي النفسي.
- التدرب على علاج التوتر النفسي
- الشخصية العصابية
- الحرية الانفعالية
- توكيد الذات
- الأسترخاء