يشكل الجلد منطقة بالغة الحيوية من الجسم، إذ تتمتع بمجموعة تشعيبات عصبية مشكلة في حد ذاتها مراكز التقاط وإرسال لأحاسيس تثيرها اللمسات، مؤدية بذلك دوراً إحساسياً حركياً عند بلوغها الشبكة الأساسية المستقبلة في الدماغ.
والجلد يتغذى من خلال دورة إرواء دموي عن طريق الشعيرات التي تورد للجلد كمية من الدم كافية لنموه، من ناحية، ولتشكل من ناحية أخرى جزءاً من الخط الدفاعي الأول لمناعة الجسم في مواجهة الجراثيم التي تحاول الولوج إليه عن طريق الجلد بعد أن تفتك بطبقاته. من هنا يبرز دور الجلد في اكتساب وتكوين المناعة ضد الجراثيم المهدِدة لحياة الطفل، لاسيما في سنواته الأولى وهو لما يزل في مرحلة النمو والتعود على البيئة المحيطة به في ميادين شتى.
وخصوصية تكوين الجلد عند الأطفال تظهر سرعة تأثره بالعوامل الخارجية، عندما نعلم أن الطبقة السطحية من الجلد، في هذه المرحلة من العمر، تكون شـفافة والطبقات المحاذية لها قليلة العدد، ما يسبب إمكانية التسرب والتبلل، ويساعد على الإصابة الجرثومية والفطرية من جهة، ونقص المقاومة عند الاحتكاك من جهة ثانية.
أما الطبقة ما تحت الجلدية فهي مطابقة لوضعها في مرحلة البلوغ، ولكنها عديمة النضوج عند الأطفال الخدج (الذين ولدوا قبل أوانهم)، مع وجود خلايا دهنية غير متخصصة؛ وفيما يعود لغدد التعرق فهي ناضجة ويبقى جهازها العصبي غير مكتمل في هذا العمر؛ بينما الغدد الدهنية توجد في حالة نشاط، عند الولادة، ولكنها تمر بفترة ضمور تدريجي حتى سن البلوغ.
وإذ ما أخذنا في الاعتبار وضع الحفاظات وزيادة الحرارة المحلية التي تحدثُها، وتبلل الجلد مع نقص التبخر نتيجة الحصر بالحفاظ، نستنتج إمكانية الخسائر الجلدية واستقرار الجراثيم في هذا الوسط الموائم، لاسيما من خلال البول والبراز حيث تتواجد العناصر الجرثومية، فضلاً عن درجة حموضة أو قلوية هذين الإفرازين وما تحويه من خمائر يمكن أن تؤثر على وضعية الجلد وعلى المواد المستعملة للعناية أو الوقاية؛ هذا ما يحدث بشكل شائـع في الإصابـة الأكثر حدوثـاً عند الأطفال: تسميط المؤخـرة وبين الفخذين.
تطورات غير طبيعية للجلد تعبر عن أمراض داخلية.
يتبين لنا بوضوح أهمية نمو الجلد وتطوره بشكل طبيعي عند الأطفال، ليصبح جاهزاً فيما بعد للدفاع ضد أنواع متعددة من الأجسام المجهرية، أكانت من فصيلة البكتيريا، الفطريات، الطفيليات أو الفيروس؛ أو أصناف متعددة من المواد الكيماوية، العضوية، المنتجات الاصطناعية المشتقة من النفط أو غيرها من المواد التي تدخل في تصنيع الثياب، أو المتممات التي تحويها الألبسة، أدوات التنظيف، أصناف الصابون والشامبو وغيرها من المستحضرات الطبية، ناهيك عن انتشار الحشرات التي تنقل ببراثنها العدوى أكان من خلال اللسع، اللدغ أو الملامسة؛ إذن كل ما يؤدي إلى إصابة الجلد بالالتهاب، الاحتقان أو الإنتان، يعرض الجلد لمختلف أنواع الخسائر والتداعيات: تـقرح، جفاف، ضمور أو نقصان في عملية التمدد وما إلى ذلك من إصابات عديدة لا مكان لذكرها هنا.
تضاف إلى كل ما تقدم، ردة فعل الجلد التحسسية أو الأرجة ، ومنها على سبيل المثال الأكزيما والشّرى وغيرها من ردات الفعل كالطفرات الجلدية أو البثور التي يتعرض لها الجلد، إذا ما علمنا أن الجلد يعتبر بمثابة مرآة تعكس الصورة الواقعية لتفاعلات مرضية تجري داخل الجسم وفي الكثير من الأمراض الداخلية ـ في جزء منها بادئ الأمر ـ نذكر منها بعض الأمراض الانتقالية، المعدية لاسيما في حالات: الحصبة، الحصبة الألمانية، جدري الماء أو الحُماق الحمى القرمزية وغيرها الكثير من الطفرات والبقع الجلدية، دون أن ننسى الطفرة المفاجئة التي تحدث في فصل الربيع خصوصاً سببها فيروس يؤدي إلى ارتفاع حرارة الطفل بين 38.5 إلى 39 درجة مئوية، علامات تدوم لثلاثة أيام ولا ترافقها أية عوارض مرضية أخرى، وهي طفرة جلدية تتمركز في الخدين، الأطراف والجذع، وفي اليوم الرابع يسجل هبوط الحرارة إلى مستواها الطبيعي، وفي اليوم السادس تختفي الطفرة نهائياً؛ يصيب هذا الفيروس الأطفال بين 6 شهور و3 سنوات دون أن يترك أثراً يذكر على صحتهم.
ومن الإصابات الجلدية ما له علاقة بالدم وما يحدث خلال الإصابة بمرض الفُرفُرية التي تغزو طبقات الجلد السطحية على شكل بُقع صغيرة حمراء أو زهرية اللون، وتنتشر في أماكن عدة من الجسم (البطن، الظهر والأطراف) لا تختفي عند الضغط عليها، بوسيلة يلجأ إليها الطبيب، ما يسمح تفريقها التشخيصي عن الإصابة بالتحسس، ما يؤكد النزف في الجلد. يحدث هذا الخلل نتيجة إصابة الصفائح الدموية لأسباب متعددة منها ما هو بسيط ومنها ما هو أشد خطورة مثل الفرفرية الروماتيزمية، أو التعبير عن مرض صاعق بالغ الخطورة كالفرفرية الصاعقة نتيجة الإصابة بجرثومة الحمى الشوكية العقدية السحائية والتي تسبب تسمماً حاداً في الدم وهو شكل قاتل من أشكال الإصابة بهذه البكتيريا الفائقة الخطورة والعدوى. وهناك أشكال أخرى من الإصابات الجلدية الخطيرة والنادرة الحدوث، نذكر منها تلك التي تترافق مع إصابات في الرئتين كالذي يحصل في حالات اعتلال الجلد البالوني وغيرها.
الإصابات الجلدية الأكثر شيوعاً عند الأطفال
بالعودة إلى الإصابات الشائعة عند الأطفال والأولاد، نستعرض فيما يأتي بعض الأمثلة من الإصابات الجلدية التي يعاينها أطباء الأطفال خلال ممارستهم اليومية، وهي كثيرة نختصر منها ما يأتي:
• إصابات جلدية على شكل ردات فعل تحسسية للجسم بعد تناول دواء محدد، كمشتقات السولفاميد أو البـنيسـيلين، بعد تناول هذه الأدوية أو مشتقاتها بفترة وجيزة أو ساعات، يظهر لدى ذوي الاستعداد طفح جلدي يصاحبه تورم في الجلد، في بعض الحالات، مع حكة في عدة أماكن من الجسم، كل ذلك يمكن أن يترافق مع علامات سريرية خطيرة، ما يشكل خطراً داهماً على صحة الطفل، يوجب التدخل السريع للإنقاذ كما في حالة الصدمة الأرجية. وهذا ما يحدث كذلك بعد التعرض لحالات لسع نوع محدد من الدبابير أو النحل.
• وهناك بعض أصناف الأطعمة والفاكهة (السمك، البيض، ثمار البحر، الكريما، البندق، الجوز، الفستق، الفروالة…) التي تؤدي إلى تحسس جلدي، ونذكر كذلك الحالات الناتجة عن ارتداء بعض أنواع الملابس (صوف، بولياستير، نايلون…)، حيث تبدو الحساسية واضحة في الأمكنة الضيقة من الجسم وتحت تأثير الشَـد بالأحزمة أو الربطات التي تلامس الجلد مباشرة.
• ومن الإصابات البكتيرية للجلد نذكر: جرثومة العقدية العنقودية والتي تظهر على شكل دمامل صغيرة وتمتلئ بالقيح؛ أو الإصابة بالعقدية المكورة مشكلة بقعاً منتشرة من الإنتان حول الفم والأنف، لا سيما لدى الأطفال، وغيرها من الإصابات البكتيرية.
• أما الطفيليات التي تفتك بالجلد فهي كثيرة وشائعة الانتشار في البلاد الاستوائية (أفريقيا خصوصاً)، نذكر منها على سبيل المثال: مرض الجلد الخيطاني أو داء الفيل.
• أما الإصابة الطفيلية الأكثر انتشاراً في ظروف نقص قواعد النظافة العامة بخاصة (حروب، كوارث طبيعية..)، وبوتيرة أقل في الأيام العادية، يمثلها مرض الجرب الناتج عن الإصابة بطفيلية تكمن تحت الجلد وتتحرك في الظلام، وخصوصاً أثناء النوم، وتؤدي إلى حكة مزعجة ما يؤرق المصاب. ينتقل المرض عن طريق المصافحة أو النوم في سرير المصاب أو استعمال أدواته الخاصة. يشكل الجرب مرضاً حميداً ولكنه مزعج إذ يعتبر عيباً اجتماعياً، أكثر منه مرضاً، ويصيب أفراد العائلة عموماً، نظراً للتقارب والملامسة، وقد شكل في الماضي حالة عُرفت بـ «الحكة الليلية العائلية»، وهي سريعة الانتشار في أماكن التجمعات السكانية (مدارس، دور حضانة، ثكنات عسكرية، سجون، تجمعات المهجرين…).
• ومن الإصابات الفطرية للجلد عند الأطفال، نشير أولاً إلى العدوى الأكثر شيوعاً عند الرضع والتي تصيب منطقة الحوض، المؤخرة ومحيط الشرج بجرثومة كانديدا وهي تحصل بخاصة عند الطفل الرضيع من ثدي الأم، نتيجة لإصابة حلمة الثدي بهذا النوع من الفطريات، حيث يتوافر للجرثومة الوسط الموائم لتغذيتها ونموها على سكر الحليب؛ لتنتقل العدوى إلى فم الرضيع فتصيب الفم واللسان على شكل زهرة تسمى زنبقة الوادي، لتجتاز من ثم (في غياب الوقاية والعلاج) الجهاز الهضمي نزولاً لتطرح في البراز وتشكل إصابة للجلد. وهنا ينبغي التركيز على النظافة الوقائية للثدي عند إدرار الحليب، إذ ينبغي حماية حلمة الثدي بواسطة كمادات أو فوط من الشاش المعقم، والتي تغير يومياً لتكون بمثابة حاجز مانع بين الثدي وثياب الأم، مصدر الفطريات، وهذا لا يعني نقصاً في قواعد النظافة، إنما يعود ذلك إلى مقاومة جرثومة الفطر لدرجات عالية من الحرارة الناتجة من عملية غسل ثياب الأم وكيها.
• ومن الإصابات الفطرية عند الأطفال، نذكر الفطريات التي تظهر على شكل قطع نقدية معدنية مسـتديرة وتتمركز في الجذع، اليدين، أسفل البطن والأطراف.
الجدير بالذكر أن هذه الإصابات الفطرية، الطفيلية والبكتيرية تتكاثر في فصل الصيف نظراً لازدياد حركات التنقل، السفر، الرحلات وارتياد مسابح البحر وضفاف الأنهار والبرك، حيث تتكاثر نسبة المياه الملوثة، إلى غياب الرقابة الدائمة لهذه الأماكن، ما يزيد نسبة العدوى وانتشار الإصابات، إضافة إلى انقطاع المياه ـ حتى في عز الشتاء ـ والتقنين الدائم في التيار الكهربائي، ما يشكل عوامل أساسية في تكاثر الجراثيم بمختلف أنواعها وعلى مدار العام، لاسيما في المناطق التي تعاني أكثر من غيرها بالنسبة إلى عوز الإمداد بالمياه أو التغذية بالتيار الكهربائي.