د.صالح بن صالح
يرتبط فصل الشتاء الذي نعيشه هذه الأيام (بلياليه الباردة وصباحاته القارسة) بعدد من الأمراض عند نسبة كبيرة من الأطفال والبالغين على حد سواء، وتتأثر اجهزة الجسم كلها بالبرودة بدءا من الجلد الى الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي مرورا بالجهاز البولي.
وبالنسبة للجهاز البولي فإن البرودة الشديدة تسبب العديد من المتاعب لمرضى الكلى وتزداد نوبات المغص الكلوى عند التعرض لتيارات الهواء الباردة، وتزداد معاناة تضخم البروستات التي تصيب اجمالا 80 في المئة من الرجال بداية من بعد سن الاربعين، كما تزداد كثرة التبول اثناء الليل في ايام البرد عند الرجال والنساء على حد سواء، وقد يؤدي هذا الى توهم الكثيرين انهم اصيبوا بداء السكري، كما يؤدي الى الوهن نتيجة فقدان ساعات النوم والشعور بالقلق والخوف والاكتئاب وحتى التركيز في العمل وقلة الانتاجية.
كثرة التبول في الشتاء:
تبلغ سعة المثانة البولية عند البالغين بين 400 و 500 ميلي ليتر، وحيث إن الشخص العادي يفرغ حوالي ليتر أو ليترين من البول يومياً فذلك يدفعه إلى التبول عدة مرات أثناء النهار بواسطة تقلصات عضلات المثانة وارتخاء الصمام الداخلي حول عنقها والصمام الخارجي حول الاحليل وبداخله. وبسبب مطاوعة ومرونة عضلات المثانة يمكنها استيعاب حوالي 25% إلى 50% من سعتها البولية بدون ارتفاع الضغط داخلها الذي لا يتعدى عادة 5 إلى 15سنتم. وأما إذا تجاوز حجم البول 50% من سعة المثانة فإنه يحث بعض الأعصاب الحسية من فئة ألفا دلتا التي تنشأ من أعصاب الحوض إلى تنبيه الشخص حول امتلائها بالبول، وعندما تصل تلك الكمية إلى حوالي 75% من سعتها فإن ذلك يسبب إلحاحاً شديداً ورغبة جامحة للتبول يمكنه كبته لبعض الوقت.
الزيادة الطبيعية في افراز البول تحدث مع اي شخص عند تناول مدرات البول الطبيعية او كثرة تناول السوائل لسبب او لآخر. فتناول السوائل بكميات أكبر من حاجة الجسم وتناول الفواكه والخضروات والتي يشكل الماء نسبة كبيرة من محتواها يؤدي بالنهاية لزيادة ادرار البول، كما لا يقل أهمية في زيادة ادرار البول تناول مدرات البول الطبيعية مثل (الشاي، القهوة، العصائر، المشروبات الغازية... الخ) حيث ان كل هذه المواد تعتبر من مدرات البول الطبيعية، وتؤدي لزيادة ادرار البول مع كثرة التبول.
ومن المهم توضيح معنى كثرة التبول ومتى تكون طبيعية ومتى تكون مرضية، حيث يمكن تعريف كثرة التبول بأنها الرغبة المستمرة والملحة في التبول على فترات متباعدة بغض النظر عن كمية البول، وبلغة الأرقام تعرف بانها الحاجة الى التبول بمعدل يزيد على 8 مرات يوميا نهارا او الاستيقاظ اكثر من مرة ليلا لغرض التبول. أما زيادة ادرار البول فهي الزيادة في كمية البول عن الكمية المعتادة للشخص بغض النظر عن عدد مرات الذهاب للتبول.
وكما اشرت سابقا فإن نسبة كبيرة من الجنسين يعانون من كثرة التبول في فصل الشتاء مع تأكيد حقيقة انهم لايستهلكون كميات كبيرة من السوائل مقارنة بفصل الصيف كما ان رغبتهم في الشرب أقل نظرا لقلة الشعور بالعطش. فما هو التفسير العلمي لهذه الظاهرة والتي قد تؤدي الى القلق والخوف عند البعض.
في الإجمال يمكن ان تعزى ظاهرة كثرة التبول في الشتاء الى برودة الطقس التي تقلل من فقد الجسم للسوائل والاملاح المعدنية مع قلة التعرق فيزداد حجم البول ويفتح لونه حتى يصبح لونه شفافاً كالماء، عكس ما يحدث في فصل الصيف حيث يكون الطقس الحار الرطب والتعرق الغزير فيقل حجم البول ويزداد لونه اصفراراً. كما أن البرودة تعمل على تقلص العضلات الملساء في جدران المثانة فتنقبض بكثرة محدثة كثرة التبول في فصل الشتاء.
استخدام بعض الادوية قد يكون أحد أسباب كثرة التبول
اسباب اخرى لكثرة التبول:
توجد كذلك أسباب اخرى لكثرة التبول وتتوزع بين الامراض العضوية والنفسية، ومن اهمها:
1- التهابات المسالك البولية خاصة المثانة او الاحليل وعادة مايصاحبها حرقة في البول، الالحاح البولي ، الم اسفل البطن، وكذلك الشعور بضعف تدفق البول وعدم الشعور بالقدرة على التفريغ الكامل للمثانة.
2- داء السكري حيث ان ارتفاع مستوى السكر في الدم احد اسباب ادرار البول وقد يكون اول اعراض الاصابة بهذا الداء.
3- الحمل وتصاب النساء بكثرة التبول في بداية الحمل نتيجة لازدياد حجم الرحم الذي يضغط بدوره على المثانة البولية.
4- اضطرابات البروستات ومن اهمها تضخم البروستات الذي يصاب به الكثير من الرجال بعد عمر الاربعين كما ان احتقان البروستات او التهابها المزمن والذي يصيب الفئات العمرية الاصغر احد اسباب كثرة التردد للتبول.
5- التهاب المثانة المزمن وهي حالة تطرقنا لها في اعداد سابقة من هذه العيادة الصحفية وفيها يكون كثرة التبول متصاحبا بالالحاح البولي والام اسفل البطن حالة امتلاء المثانة والتي سرعان ماتزول مباشرة بعد تفريغ البول.
6- استخدام بعض الادوية قد يكون احد اسباب كثرة التبول ومن اشهرها مدرات البول مثل الفروسامايد والثيازايد ومن امثلتها كذلك بعض ادوية الضغط.
7- المثانة الالحاحية وفيها يكون حجم المثانة اكثر تقلصا من السابق ويكون متصاحبا بالشعور الالحاحي المزعج بالرغبة البولية والتي قد يصاحبها سلس بولي ان لم يتمكن فيها المريض من الوصول في الوقت المناسب لتفريغ البول.
8- قد تكون كثرة التبول وفي احيان نادرة احد اعراض الاصابة باورام المثانة او وجود حصوات بولية.
9- الاضطرابات العصبية مثل الاصابة بالجلطات الدماغية او امراض الحبل الشوكي والذي منه تتفرع الاعصاب المغذية للمثانة ومنها يتم التحكم بانقباضاتها وانقباضات صمام التحكم بالبول.
10- الاضطرابات النفسية مثل القلق.
التشخيص:
الوصول للعلاج المناسب يبدا من التشخيص الصحيح والذي يتطلب مقابلة المريض واخذ المعلومات الطبية منه والقيام بالفحص السريري حسب الحالة. ومن اهم الاختبارات التشخيصية الاساسية عمل فحص البول الميكروسكوبي وفحص مستوى السكر في الدم واحيانا يتطلب التشخيص القيام بفحص الجهاز البولي بالاشعة الصوتية او المنظار او فحص ديناميكية التبول بالكمبيوتر.
العلاج:
يعتمد العلاج على تحديد السبب المباشر في كثرة التبول ومن ثم التحكم فيه. وفي حالة المثانة الالحاحية او المثانة المفرطة النشاط وفي حالة انتفاء وجود اسباب اخرى لكثرة التبول فقد يستجيب المريض من اعطاء الادوية الكابحة لانقباضات المثانة من فئة الانتي كولينيرجك مثل الديتروسيتول والفيزيكير والديتروبان وغيرها.
المشروبات الغازية أحد أسباب إدرار البول.
هذا بالاضافة الى تغيير العادات السلوكية والغذائية والتي تزيد من المشكلة مثل الاكثار من تناول مشروبات الكافيين واهمها الشاي والقهوة، والمشروبات الغازية، المشروبات التي تحتوي على الطماطم الكاكاو، والاكل المحتوي على الحوار مثل الفلفل. كما يجب التركيز على الاكثار من تناول الاطعمة الغنية بالالياف والتي تقلل من احتمالية الاصابة بالامساك.
كما ينصح المصاب بكثرة التبول بالاعتدال في شرب السوائل والتقليل منها في فترات المساء خاصة وقت الشتاء الذي يصحبه تقلصات في عضلات الحوض وجدار المثانة البولية ومن ثم تقليل حجمها ومايصاحبه من امتلائها بسرعة وكثرة انقباضاتها الالحاحية للتخلص من البول.