يعمل مئات الباحثين حول العالم بشكل دؤوب على إيجاد علاج يغير مسار مرض الزهايمر بشكل جذري، ويقتصر دور الأدوية المصرح لها حالياً بعلاج المرض على تخفيف أعراض المرض فقط، وهي محدودة العدد والتأثير وهذا راجع لكون الاهتمام بالمرض بدأ في الوقت الحديث نسبياً، صاحب ذلك عدم وضوح كثير من العوامل التي تساعد على الإصابة به، ولكن وبالرغم من ذلك يوجد الكثير من التدخلات السلوكية والاجتماعية التي ثبت أنها تساعد على تخفيف وطأة المرض على المريض وأسرته لكي ينعموا بحياة أفضل.
مرض الزهايمر هو ضمور يحدث بشكل تدريجي للخلايا العصبية في مناطق الدماغ تلك المسؤولة عن الوظائف الإدراكية التي مهمتها جعلنا ندرك ما حولنا ونعي بأنفسنا، وتساعدنا على التخطيط لحياتنا اليومية وكل قراراتنا المرتبطة بها، علمياً هذا المرض ينتج عن ترسب تدريجي لمواد بروتينية تسمى اللويحات والعقد، ولا زال العلماء يبذلون جهوداً متواصلة لمعرفة الأسباب الأخرى التي تؤدي لتجمعها في دماغ شخص معين دون غيره، الأسباب بلا شك كثيرة ولكن يعتبر التقدم في العمر من أهمها، ولو أن هناك أشخاصاً معمرين لا تظهر عليهم أي علامات ضعف في الإدراك، ولكن هناك أيضاً أسباب أخرى تساعد على حصول المرض ذات ارتباط بنوعية الغذاء والنشاط الجسدي والذهني والعوامل الجينية وغيرها.
يبدأ المحيطون بالمصاب بملاحظة بعض التغيرات ويعتقدون في أول الأمر أنها جزء طبيعي من التقدم في العمر، ولكنها وبمرور الوقت تتزايد مما يدل على أنها ليست كذلك، خصوصاً إذا لم يعد الشخص قادراً على التصرف باستقلالية، ويبدأ ظهور ما يسمى بالعلامات المبكرة الدالة على المرض والتي تتطلب تقييماً طبياً مثل ضعف الذاكرة والذي يعتبر أهم أعراض المرض شيوعاً، فيبدأ المريض بنسيان الأحداث القريبة، والمواعيد المهمة، ويقوم بتكرار سرد القصص بدون وعي، وتظهر بعد ذلك وفي مراحل متوسطة من المرض علامات صعوبة التخطيط وحل المشكلات فلا يعود المريض قادراً على التعامل مع الحسابات المالية، خصوصاً التعامل مع البيع والشراء واستعمال بطاقة الصراف البنكية والتصرف في الأملاك الشخصية، ومثله اتخاذ قرارات السفر والعلاج وحضور المناسبات ونحو ذلك، ويبدأ الشخص المصاب بمواجهة صعوبات في إتمام الأمور المعتادة في الحياة اليومية، كالذهاب إلى المسجد، وأداء الصلوات، واستعمال الهاتف، وتدبير المطبخ، فقد يجد المصاب صعوبة في إتمامها أو يتطلب منه الأمر وقتاً أطول ويرتكب الأخطاء خلال ذلك، ويبدأ بفقد القدرة على معرفة الوقت أو التاريخ أو المكان مما يدل على وجود مشكلة إدراكية.
وقد تظهر مشاكل في تقدير الاتجاهات وتحديد المواقع ومعرفة الأدوات، ولو بشكل بسيط، مما قد يؤدي تدريجياً إلى ضياع الشخص في أماكن مألوفة لديه مثل طريقه إلى منزله أو مسجده، وقد يجد الأشخاص المصابون بمرض الزهايمر صعوبات في المشاركة في حوار أو نقاش، فيتوقف المريض عن الكلام فجأة في وسط المحادثة، ومن ثم لا يقدر على مواصلة الحديث، أو يكرر نفس الجملة لعدة مرات، وقد يتلعثم في إيجاد الكلمات المناسبة أو يسمي الأشياء بغير مسمياتها، وقد يضع أغراضه الشخصية في مكان وينسى موضعها ثم يفقدها، وقد يتهم أفراد أسرته أو العمالة المنزلية بأخذها، وربما يخاصمهم أو يظن أنهم يتآمرون ضده، وقد يتصرف المريض تصرفات غير مألوفة كصرف المال بغير مبرر، أو التلفظ بكلمات غير مناسبة، أو عدم ارتداء الملابس المناسبة، أو التهور في القيادة، ومن أعراض مرض ألزهايمر، الانعزال عن الناس، وترك العمل، والبعد عن الحياة الاجتماعية وعدم إبداء أي اهتمامات جديدة، ومن أبرز علامات الإصابة بمرض ألزهايمر، الشك في الآخرين، والاكتئاب، وتقلب المزاج، والعصبية، وأمثالها من العوارض الغير مألوفة مسبقاً، وتتفاوت سرعة تقدم أعراض مرض ألزهايمر من شخص لآخر حتى لو كان المريضان من الأسرة نفسها، كما تتفاوت مراحل المرض نفسه.
ولتشخيص المرض يجب أولاً استبعاد الأمراض التي قد تتشابه مع مرض الزهايمر في علاماتها، مثل الجلطات، الأورام الدماغية، الاضطرابات الهرمونية كضعف نشاط الغدة الدرقية، بعض الأمراض النفسية، نقص مستوى الفيتامينات في الجسم، اضطراب عمل الكبد أو الكلى وغيره، وذلك من خلال أشعة دماغية، ولكن أهم الوسائل التشخيصية هي سرد تاريخ المريض وفحصه بشكل مباشر، ثم يقوم الطبيب بطلب بعض الفحوصات المخبرية بعد ذلك، ولا يتم تشخيص المرض من خلال الأشعة الدماغية وذلك خلافاً لما يعتقده الكثيرون، ويفضل تواجد شخص يعرف المريض جيداً ومطلع على تفاصيل حياته اليومية أثناء الفحص، وذلك ليتم تقييم حالة المريض بشكل أفضل، كما يجب أن يكون مطلعاً على وضعه الصحي وعلى الأدوية التي يستعملها إن وجدت.
ولا يجب الخلط بين الزهايمر والكثير من مشاكل النسيان، وخصوصاً لدى الشباب التي قد يكون سببها مشاكل أخرى، قد لا تكون طبية مثل سوء التغذية وقلة النوم واستعمال المنبهات بكثرة ومشاكل الحياة اليومية وغير ذلك، بينما حصول ضعف في القدرات الإدراكية كالذاكرة واستعمال اللغة والقدرة على التخطيط لدى كبار السن والاكتئاب وازدياد هذه الأعراض تدريجياً هو الذي يعتبر دليلاً على وجود مشكلة مرضية مثل مرض الزهايمر.
ماهو الزهايمر
الزهايمر مرض سمي باسم العالم الألماني الذي اكتشفه عام 1906، وهو مرض يستمر بين ثماني إلى عشر سنوات، بالرغم من موت بعض المصابين به في مرحلة مبكرة، ويمكن للعلاج أن يساعد على إبطاء تطور الزهايمر، وقد أثبتت الأبحاث أن العناية بالمريض والوقوف بجانبه تؤدي إلى أفضل النتائج مع الأدوية المتاحة وهو مرض يصيب المخ ويتطور ليفقد الإنسان ذاكرته وقدرته على التركيز والتعلم، وحسب ما نقلت وكالة الأسوشيتدبرس عن جمعية (الزهايمر الأمريكية)، تقديرها أن هناك قرابة أربعة ملايين أمريكي مصاب بالمرض، مع احتمال تزايد العدد، وحسب توقعات الجمعية فإن العدد سوف يصل إلى 14 مليون مصاب في أمريكا في منتصف هذا القرن، هذا إذا لم يتم إيجاد علاج له.
ولم يستطع العلماء معرفة سبب المرض بعد، ولكن يمكن اعتبار التقدم بالسن أحد العوامل الرئيسية المؤدية له حسب الدراسات التي قامت بها جمعية الزهايمر الأمريكية، كما أنه يتضاعف بين الأفراد الذين تعدوا سن الخامسة والستين كل خمس سنوات، فيما نجد أن نصف الذين تجاوزوا سن ال 85 عاماً من عمرهم مصابون به، ويبدأ مرض الزهايمر بفقدان الذاكرة وبشكل غامض، ثم يتطور سريعا، ويبدأ المصابون به بفقدان القدرة على التعرف على الأماكن، أو من الأشخاص الذين يحبونهم، ولا يعودون قادرين على الاهتمام بأنفسهم، وبحسب رأي الدكتور نجيب قاضي نائب رئيس قسم العلوم العصبية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، فإن أول علامات المرض هي النسيان والعزلة ثم تأتي الأعراض الأخرى في المراحل المتوسطة والمتقدمة من المرض.
صعوبات تواجه مريض الزهايمر
ينصح من لديه مريض الزهايمر والذي يقوم على رعايته، خاصة في مراحل المرض المتوسطة، على ملاحظة بعض الأشياء اليومية مثل الاغتسال والنظافة الشخصية، التي قد ينساها المريض ويفقد مع مرور الوقت القدرة على إدراك الحاجة إليها لذا على مساعده أن يعرض عليه الذهاب للاغتسال في الأوقات التي المناسبة فهو قد لا يعرف هذه الأوقات بشكل تلقائي، وتجهيزه للاغتسال بمعلومات عما سيعمله، خصوصاً في المراحل المتقدمة من المرض، التساهل واعطاؤه خيارات حول ما يناسبه وإذا رفض الاستحمام فلا يجبره بل يعرض عليه الأمر مرة أخرى بعد فترة بسيطة، ويترك المريض يعتمد على نفسه لأكبر قدر ممكن خلال الاستحمام ومساعدته عند الحاجة، ولتجنب الرفض أو المقاومة لشعور المريض بالحرج يستر أكبر قدر من جسده، مع استخدام أدوات السلامة خلال الاستحمام كموانع الإنزلاق مثل الفرش المانعة للإنزلاق ومقعد آمن للجلوس خلال الاستحمام وأحيانا يرتاح المريض لشخص محدد لمساعدته بلا سبب واضح أو مفهوم ولكن الاستجابة لرغبته مهمة.
ويمر المريض بصعوبات عند تناول الطعام والوجبات وقد يكون من بين هذه الصعوبات كثرة تناول الطعام أو العكس، وصعوبة استعمال أدوات الطعام، صعوبة بلع الطعام الصلب، فيجب وضع الطعام المفضل للمريض في مكان واضح وتذكيره بوجوده، ويفضل الطعام الذي لا يتطلب أدوات مختلفة لتناوله كالفطائر والطعام المهروس أو السائل مثل الشوربة إذا كان المريض يعاني من صعوبة البلع لأي سبب، وهو ما يستدعي الاستشارة الطبية والابتعاد عن الطعام الذي يحتوي على بهارات كثيرة فقد يؤذي الجهاز الهضمي ومثله الطعام الساخن لتفادي حروق الفم أو الحلق، وعلى المريض أن يتناول كمية كافية من السوائل يومياً وليس مع الطعام فقط حتى لا يصاب بالجفاف فعلى من يساعد المريض الحرص على ذلك.
وقد تحصل لمريض الزهايمر مشاكل عند النوم أهمها الأرق والنوم المتقطع وانعكاس دورة النوم (النوم نهاراً والاستيقاظ ليلاً) مما يسبب إزعاجاً لمن يتولى رعاية المريض وخوفاً من حصول مشاكل لا يستطيع المريض التعامل معها لوحده، فينصح بإشغال المريض قدر الإمكان خلال فترة النهار، وتشجيعه على المشي يومياً لمدة لا تقل عن نصف ساعة أو ممارسة نشاط جسدي شبيه لمساعدته على النوم العميق ليلاً، وأخذ حمام دافئ قبل موعد النوم بساعة، وعدم شرب المنبهات مثل القهوة والشاي والمشروبات الغازية قبل موعد النوم بست ساعات، والتقليل من شرب السوائل قبل النوم لتفادي الحاجة للاستيقاظ بغرض الذهاب لدورة المياه.
ينسى مريض الزهايمر تدريجياً، كيف يرتدي ملابسه بل قد لا يدرك الحاجة لأهمية تبديلها، وقد يرتدي ملابس غير نظيفة أو غير مناسبة، لذا ينصح بوضع الملابس بطريقة مرتبة حسب ترتيب عملية اللبس مثلاً: الثوب ثم الطاقية ثم الشماغ ثم العقال، والتركيز على الملابس السهلة الإرتداء حتى يمكنه ارتداؤها أو تغييرها دون الحاجة إلى مساعدة والبعد عن الملابس صعبة الارتداء أو ذات الأزرار الكثيرة، ويترك المريض يرتدي ملابسه بنفسه والتدخل فقط عند الحاجة للمساعدة، واستعمال الأحذية الخالية من خيوط الربط.
أما قيادة السيارة فهي بحاجة لقدرات ذهنية قد لا تتوفر لدى مريض الزهايمر في مراحل معينه فلا يستطيع التعرف على الاتجاهات وقد ينسى موقع السيارة وربما يتعرض لحوادث مرورية بسبب بطء ردود افعاله خلال القيادة، وعادة ينصح بعدم ترك المريض يقود السيارة لما تشكله من خطر عليه وعلى حياة الآخرين، فينصح بعدم ترك مفاتيح السيارة معه، ومرافقته عند رغبته في الذهاب إلى مكان ما، أو تأمين وسيلة نقل يستعملها المريض عند الحاجة.
من المهم وجود شخص يساعد المريض للتغلب على معاناته ويقوم بتسهيل التعامل معه خصوصاً من الأقرباء الذين يهمهم المريض، ومن المهم أيضاً أن يعي هذا المساعد الطرق السليمة لمساعدة مريض الزهايمر.
سلوكيات مرضى الزهايمر المحرجة
ما يميز الإنسان الطبيعي هو الاتزان وحسن تقديره للأمور، ولكن مريض الزهايمر قد يقوم بسلوكيات غير مألوفة، وهو أمر يحدث في مراحل المرض المتوسطة، وليس في بداية المرض فالبداية عادة تكون بالنسيان المتكرر والعزلة، وفي المراحل المتوسطة قد يقوم المريض بسلوكيات قد لا يتقبلها المجتمع مثل الضحك بصوت عالي أو تصرفات تبدو جنسية في ظاهرها وهي بالنسبة للمتخصصين تدل على أن المرض قد أثر على مناطق الدماغ المسؤولة عن السلوك الاجتماعي، فقد يتجرد من ملابسه علناً أو يقوم بالعبث بأعضائه التناسلية أو لمس إنسان آخر بطريقة غير لائقة وعلى من يتولى رعايته عند حدوث تلك التصرفات ألا يبالغ في ردة الفعل، ويحاول صرف انتباه المريض لنشاط آخر، والتوضيح للآخرين واقع المريض وأنه لا يدرك معنى ما فعله وهي خطوة يرفضها الكثير من مقدمي الرعاية تجنباً للإحراج مع الآخرين ويفضلون استعمال ملابس يصعب خلعها دون مساعدة إذا تكرر التجرد من الملابس أمام الآخرين، ولكن على مقدم الرعاية أو من حول المريض أن يتذكر أن ذلك يتم بسبب المرض.
ويمر بعض المصابين بالمرض بلحظات من الغضب الشديد أو العدوانية بشكل غير متوقع، ومرجع ذلك عادة هو عدم قدرته على التعبير عن بعض احتياجاته، أو لأن العصبية أصبحت وسيلة المريض للحصول على مايريد، الكثيرون يرون هذه المشكلة هي أصعب جزء في الحياة اليومية مع المصاب بالمرض وتسبب الكثير من الضغط النفسي على مقدم الرعاية ولكن عليه التعرف على علامات متكررة لحدوث المشكلة، مثل حصول المشكلة دائماً عند محاولة تنظيف المريض، أو إذا كانت تحصل مع شخص معين من أفراد الأسرة أو الخدم، وأن لا يدع الانزعاج أو الغضب يظهر على وجهه، ويستعمل دائماً الصوت الهادئ عند محاورة المريض في لحظات غضبه، ومحاولة تشتيت انتباه المريض بتغيير الموضوع أو عرض نشاط محبب إليه، ومحاولة القيام بذلك بعيداً عن الناس لإضفاء شيء من الخصوصية، ولكن يجب استشارة طبيب متخصص عند استمرار المشكلة أو ازديادها.
ولكن هناك مشكلة تثير قلق الكثير من مقدمي الرعاية أو من يتولى رعاية المريض من الأسرة، وهي خروج المريض من المنزل وضياعه المحتمل، أو الخروج من المنزل بلا هدف أي التجوال، لذا عادة ينصح بإقفال باب المنزل الخارجي بإحكام، واستعمال التقنيات الحديثة، إن أمكن، مثل إسوارة تطلق تحذيراً إذا تعدى حاملها نقطة معينة أو الأبواب الإلكترونية التي تفتح بأرقام، والتأكد من أن المريض يحمل تعريفاً باسمه ورقم اتصال بأسرته، ومن المفيد الاحتفاظ دائماً بصورة حديثة للمريض للاستعانة بها عند الحاجة.
ويشكو الكثير من أسر المرضى من انعزال المريض الذي يبدأ تدريجياً، خصوصاً في المراحل المبكرة من المرض، ومرد حصول هذا الانعزال أحياناً يكون بسبب ضعف القدرات الإدراكية وعدم قدرة المريض على مجاراة الآخرين، ويمكن أيضاً أن يكون مؤشراً على الإصابة بالاكتئاب الأمر الذي يستدعي استشارة الطبيب النفسي خاصة عند ملاحظة قلة رغبته في المشاركة بالأنشطة الاجتماعية، أو بدأ بالتحدث بشكل سلبي أو أخذ يتهم أفراد الأسرة بالإهمال مع عدم وجود إهمال فعلي، وعندما يأخذ بالحديث عن قرب الموت أو تمنيه الموت أو قلة النوم وضعف الشهية للطعام أو ملاحظة لحظات من البكاء تنتابه بتكرار.
وعلى من لديه مريض يعاني من مرض الزهايمر أن يتذكر أن الله سبحانه هو مقدر الأقدار وأن الحياة ابتلاء واختبار، وأنك على أجر وثواب كبير إن استطعت تحويل المرض والألم والمعاناة، إلى أمل وبهجة واحتساب للأجر والمثوبة عند الله.