سرطان الحنجرة يشكل أقل من 1% من جميع الأورام غير الحميدة
سرطان الحنجرة
د. أمين بن صالح العمير*
كان العلاج الأساسي في السابق لمعظم الأورام غير الحميدة هو التدخل الجراحي بازالة العضو كاملا فمثلا ما اذا كان الورم في منطقة اليد او القدم فان العضو يبتر بترا كاملا حتى وان كان الورم صغيرا هذا بالاضافة للعلاج الاشعاعي والكيميائي اذا دعت الحاجة.
التقدم في مجال علاج الاورام ادى الى امكانية علاجها موضعيا مع المحافظة والابقاء على العضو وهو مايعرف بالمحافظة على الاعضاء (organ preservation) لم يقف الامر على الابقاء على الاعضاء فحسب بل الى الحفاظ على وظائفها ايضا وهو ما يعرف ب (functional preservation).
يعد مبدأ الحفاظ على الاعضاء والابقاء على وظائفها دون الاخلال بنسب الشفاء من اهم المبادئ في علم الاورام. وفي هذا المقال سوف نتناول بعض الامثلة التي تبين دور واهمية العلاج الاشعاعي في المساعدة على ذلك.
أورام ساركوما الأنسجة الرخوة
ساركوما الانسجة الرخوة هي اورام سرطانية، الأورام غير الحميدة تصيب الأنسجة الضامة وغالبا ما تصيب العضلات وقد تصيب غيرها من الانسجة مثل الاعصاب والانسجة الدهنية والليفية والاوعية الدموية.
ساركوما الانسجة الرخوة هي من الامراض النادرة حيث تمثل ما مجموعه اقل من ١٪ من جميع انواع السرطانات وغالبا ما تصيب الاطراف السفلية او العلوية.
تمثل الجراحة العلاج الاولي والرئيسي لهذه الاورام وكما تقدم فإن بتر اليد او الساق كان هو العلاج الوحيد لهذه الاورام.
في بداية الثمانينيات الميلادية وبالتحديد في عام ١٩٨٢ ميلادي قام المعهد الوطني الامريكي للسرطان (NCI) بنشر نتائج الدراسة التي قارنت المرضى الذين عولجوا ببتر الاطراف مقارنة بالمرضى الذين لم يعالجوا بالبتر بل عولجوا باستئصال الورم مع الابقاء على الطرف واعطاء العلاج الاشعاعي (Limb sparing surgery)
خلصت هذه الدراسة إلى ان استئصال الورم مع الابقاء على الاطراف وإعطاء العلاج الاشعاعي يمثل علاجا كافيا في معظم حالات ساركوما الانسجة الرخوة.
هذه الدراسة هي أول دراسة تهتم بمبدأ المحافظة على الاعضاء. هذا الاكتشاف خفف من معاناة المرضى وذويهم والاهم من ذلك انه فتح افاقا جديدة لعلاج اورام اخرى في مناطق متعددة في الجسم مثل علاج سرطان الشرج وسرطان المثانة وسرطان الحنجرة وغيرها
سرطان منطقة الشرج
سرطان منطقة الشرج من السرطانات النادرة الحدوث حيث يشكل ما معدله ٠.١٪ من جميع الاورام غير الحميدة وما معدله ١.٥٪ من اورام القولون والمستقيم غير الحميدة حسب احصائية العام الميلادي ٢٠١٢م لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث.
معظم حالات سرطان الشرج تشخص في وقت مبكر وذلك بسبب ظهور الاعراض المبكرة مثل نزيف من منطقة الشرج او الاحساس بكتلة في منطقة الشرج او الالم. كان العلاج الرئيسي لجميع هذه الحالات هو العلاج الجراحي حيث تستأصل القناة الشرجية والمستقيم مع تحويل مجرى البراز الى فتحة في جدار البطن تسمح باخراج الفضلات من الجسم عن طريق كيس يثبت بالبطن يعرف بالمفاغرة المعوية (كما هو موضح في الصورة) وهنا تكمن صعوبة هدا المرض فبالاضافة الى كونه من الاورام غير الحميدة فان المريض يمضي بقية عمره بالمفاغرة المعوية مما يعني ان المريض لا يستطيع التحكم باخراج الغازات او البراز.
لم يعرف الطب بديلا عن هذا العلاج الى ما قبل الثمانينيات الميلادية. اكتشاف علاج بديل عن الاستئصال الجراحي كان بمحض الصدفة حيث قام مجموعة من الاطباء في امريكا وتحديدا في ولاية وين (wayne state) بقيادة الدكتور نقرو (Dr.Nigro) بمحاولة تحسين فرص الشفاء حيث كانت نسبة الشفاء بالجراحة تتراوح من ٤٠-٧٠٪. قرر الاطباء انذاك تكثيف العلاج باضافة العلاج الاشعاعي والكيماوي قبل الجراحة وهنا حصلت المفاجأة حيث انه ولحسن الحظ اختفى الورم نهائيا من جميع المرضى بتأثير الاشعة والكيماوي دون الجراحة. بعد ذلك نشرت ابحاث متعددة من مناطق مختلفة اثبتت نفس النتائج حيث بينت ان العلاج الاشعاعي (كعلاج اساسي) بمساعدة الكيميائي كافية لعلاج هذا المرض وان نسب الشفاء تتراوح من ٦٠-٩٠٪ مع العلم ان ٧٠٪ من المرضى لا يحتاجون الى الجراحة (اي انهم لايحتاجون المفاغرة المعوية).
سرطان الحنجرة
سرطان الحنجرة يشكل اقل من 1% من جميع الأورام غير الحميدة حسب إحصائية عام 2012 لمستشفى الملك التخصصي ومركز الابحاث وقد بينت هذه الاحصائية ايضا ان الذكور يصابون بنسبة اكبر من الاناث بمعدل 1:8 فيصل
الحنجرة مسؤولة عن التنفس والكلام والبلع حيث تمنع دخول الطعام الى مجرى التنفس اثناء البلع وعلى الرغم من سهولة تشخيصه وعلاجه والوقاية منه الا ان سرطان الحنجرة يعد من المشاكل الصحية ذات التأثير السلبي على المريض وعلى من حوله لما يصاحب هذا المرض من تأثير واضح على الحبال الصوتية مما قد يؤدي لفقدان الصوت وصعوبة التخاطب والتواصل مع الاخرين.
في السابق كان العلاج الرئيسي هو الاستئصال الكامل للحنجرة مع فتح فتحة في القصبة الهوائية يتفس من خلالها المريض ونظرا للاثار السلبية لهذه العملية كان بعض المرضى يفضل عدم العلاج مع علمه بخطورة ذلك.
كما ان التقدم في علاج سرطان الشرج كان بمحض الصدفة كذلك الحال في سرطان الحنجرة حيث حاول الاطباء تكثيف العلاج باضافة العلاج الاشعاعي والكيماوي قبل الجراحة. كثير من هذه الحالات شفيت بتأثير الاشعاعي والكيماوي مما أدى الى محاولة التخلي عن الجراحة.
في عام ١٩٩١ نشرت مجلة New England Journal of Medicine
نتائج الدراسة التي بينت انه يمكن للعلاج الاشعاعي والكيميائي ان يعطي نتائج مماثلة من ناحية الشفاء للعلاج الجراحي دون الحاجة لاستئصال الحنجرة
بناء على هذه الدراسه وغيرها فان معظم حالات سرطان الحنجرة (باستثناء الحالات المتقدمة جدا) يمكن علاجها بالعلاج الاشعاعي بمساعدة الكيميائي
هذه امثلة بسيطة على وظيفة العلاج الاشعاعي في المحافظة على علاج الورم مع ابقاء الاعضاء. هذه الامثلة ليست على سبيل الحصر ومازالت الابحاث تتجه نحو التوازن في محاولة زيادة فرص الشفاء مع الاهتمام بتقليل الاضرار الجانبية.
وفي الختام فإننا نحمد الله على نعمة الصحة والعافية كما نسأل الله الشفاء العاجل لجميع مرضى المسلمين.