الدراسات أثبتت أن أغلب أسبابها ليس تناول الغذاء بل قلة الحركة وضعف اللياقة البدنية
التوازن في تناول الطعام يجنبك السمنة
د. عبدالعزيز بن محمد العثمان
ما سأكتبه اليوم حول موضوع السمنة هو خلاصة الحقائق العلمية والممارسات الطبية المبنية على البراهين من خلال تجربة طويلة في التعامل مع المرض، ولهذا لا تتوقعون حلولا سحرية والتي يستخدمها البعض في الدعايات ولكنها غير صحيحة ولا يمكن تحقيقها، ومن يتبعها كان بفعل اتباعه لقلبه وأمنايته وليس لعقلة ومنطقه.
توضح الدراسات أن نسبة السمنة في المملكة في ازدياد بالذات بين المراهقين وهي لدى البنات أكثر من الأولاد وقد وصلت نسبة مخيفة تنذر بكارثة إن لم يتم الانتباه لها وعمل خطة وطنية لمكافحة المرض الذي يعتبر بوابة رئيسية ل47 مرضاً آخر مثل أمراض القلب والشرايين والتنفس والسرطان والكلى ومتلازمة تكيس المبايض وارتفاع الضغط بالاضافة الى قائمة من المشاكل الاجتماعية والنفسية. لعلاج المشكلة لابد من وقف انتشار المرض بالبرامج الوقائية فلا يمكن تجفيف تجمع مائي دون وقف مصدر تسربه أولاً.
إنشاء لجنة وطنية لمكافحة السمنة تضع استراتيجيات تعليمية وتثقيفية وعلاجية ووقائية وتضع ضوابط للمطاعم وإنتاج وتسويق الأغذية بالتنسيق مع الجهات المعنية كما تفعل الآن كثير من الدول في العالم، وتمنح تلك اللجنة صلاحية التنسيق مع الجهات وفرض تلك التشريعات بحزم لتحقيق أهدافها وتجنيب أبناء الوطن ويلات تلك الأمراض التي باتت تهدد مستقبل الأجيال القادمة، وتستنزف أموالاً وصلت لمئات الملايين من الريالات سنوياً كانت تكفي للوقاية ووقف هذا المارد الكاسر.
أثبتت الدراسات أن أغلب أسباب السمنة ليس تناول الغذاء بل قلة الحركة وضعف اللياقة البدنية، ولهذا يكون العلاج الأفضل هو برفع مستوى اللياقة لحد معين يزيد كفة حرق السعرات أكثر من تناولها، وأقصد باللياقة هنا ليس المشي الذي اعتبره سيد اللياقات الصحية ولكنه للأسف ليس مجدياً في إنقاص الوزن بل لابد من عمل التمارين التي تحرك كل عضلات الجسم كالسباحة واستخدام أجهزة تمارين الأوربتراك الذي يستخدم اليدين والرجلين في آن واحد. ومن جانب التغذية يكمن السبب في الإفراط في تناول الأغذية عالية السعرات وتكرار ذلك وربما الإدمان عليه مثل المشروبات الغازية والعصائر والوجبات المغلفة والسريعة والإدمان على المطاعم والحلويات، ولهذا الأكل حتى الشبع أحياناً ليس السبب في السمنة كما يعتقد البعض فالتكرار والإدمان هو الأخطر.
أين المشكلة ؟
في المجال الطبي نعتقد أن تشخيص الحالة بشكل سليم هو أهم مراحل الوصول للعلاج، ودعونا نتعرف على سبب مشكلة السمنة. هناك مشكلة تتعلق بالفرد وهو تغير نمط التغذية للأسوء سواء من تناول الأغذية من المطاعم أو الأكلات المغلفة بالذات للأطفال أو قلة الحركة.
والجزء الآخر من المشكلة يكمن في التشريعات والقوانين الصحية في البلد من جهة والتعليم من جهة أخرى.
وأعتقد أن كلا الجانبين مرتبطان ببعضهما أشد الارتباط، فمن الخبرة المتراكمة في التعامل مع هذا المرض وجدت أن قلة الوعي تجاهه هي العامل الرئيسي لزيادة الوزن بالتدريج حتى تنفجر قنبلة السمنة وحينها تبدأ المعاناة في البحث عن علاج للسمنة وعلاج للتشوهات والترهلات بالعمليات الجراحية المكلفة أو بالأدوية المصرفة من الطبيب أو تلك التي يتم شراؤها من المواقع الإلكترونية وهي الأكثر والأخطر.
على الرغم من الكلام الكثير عن مشاكل السمنة والأمراض المتعلقة بها إلا أن الكثيرين يتعاملون مع هذا الأمر وكأنه مقصود به أناس آخرون فيتساهلون حتى يقع الفأس في الرأس، وهو تساهل ليس خاص بهم فقط فمدمني التدخين يعرفون أخطاره ويتمنون تركه لكنهم لا يفعلون الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح، وكذلك من يقودون سيارتهم بسرعة جنونية يعلمون كيف تحدث الحوادث في غمضة عين أو غفلة عقل لثواني ويشاهدون المقاطع المحزنة لشباب أنهوا حياتهم بطريقة مأساوية ولكن أغلبهم لا يرتدع، فما بالك بمن يرى الأكل اللذيذ أمامه صباح مساء ويسيل لعابه عندما يشم رائحة المقليات أو يتفطر قلبه عندما يرى معروضات الحلويات التي لا تقاوم؟
لا يجب أن نبالغ في التوقعات فالنجاح يأتي بالتدريج، فكما أنه لا يمكن لرجل أعمال تحقيق أرباحاً في السنة الأولى فمن يريد إنقاص وزنه لا يمكن تحقيقه هدفه كاملاً خلال أشهر، فلنكن منطقيين ولا نرفع سقف توقعاتنا لتتحول إلى أوهام، فمن يضع خطة صحيحة يحققها بدون لوم ولا جلد للذات ويصل لهدفه، ومن يبالغ ويتسرع فإن مصيره إلى الإحباط.
البدانة تجلب الأمراض