هذه القصة لمريضة أتت إلى العيادة تشتكي من آلام مزمنة ومبرحة في منطقة الرسغ أو المعصم تزداد مع الحركة وقد راجعت العديد من الأطباء وتم تشخيصها كالتهاب في الأوتار أو التهاب في الأعصاب أو خشونة في الرسغ ولم تستفد من الأدوية التي تم وصفها. والواقع هو أن الحالة المعروفة بالتهاب أوتار المعصم أو الرسغ (DeQuervain's tenosynovitis) تسبب آلاما في منطقة الرسغ في ناحية إبهام اليد. وهي حالة شائعة تؤدي إلى صعوبة في حركة الرسغ وتؤثر على حياة المريض.
من الناحية التشريحية
يقع المعصم أو الرسغ (Wrist Joint) عند التقاء كف اليد والساعد. هذه المنطقة فيها مفاصل كثيرة وعظيمات كثيرة تساعد على سهولة حركة اليد إلى الأعلى وإلى الأسفل وأثناء دوران اليد إلى الخارج والداخل. وهناك الكثير من الأوتار التي تمر عبر هذه المنطقة وتغلفها من جميع النواحي وهي مسؤولة عن الحركة الدقيقة في الأصابع. وهناك وتران مهمان يعبران هذه المنطقة بحيث يمران عند قاعدة إبهام اليد ثم يلتصقان بعظام الإبهام ليوفرا الحركة لإصبع الإبهام. هذان الوتران يصلان العضلات في الساعد بعظام الإبهام وعندما تنقبض هذه العضلات فإن الحركة التي نتمتع بها في إبهام اليد تكون بسبب هذه الانقباضات. ولكن هذان الوتران يمران عند منطقة الرسغ وعند قاعدة الإبهام في غلاف ضيق يثبتهما في المنطقة ويساعد على زيادة الوظيفة. هذا الغلاف أو هذه القناة التي تمتد حوالي اثنين إلى ثلاثة سنتيمترات وتلتصق في الرسغ عند قاعدة الإبهام تكون واسعة بما فيه الكفاية لتوفر انزلاقا سلسا لهذه الأوتار. بالإضافة إلى ذلك فإن داخل هذه القناة وحول الأوتار توجد هناك مادة لزجة توفر سلاسة في الحركة لهذه الأوتار. ولكن في بعض الأحيان قد يحصل التهاب غير جرثومي في الأغشية المحيطة بالأوتار مما يؤدي إلى تورمها وتضخمها وبالتالي إلى صعوبة انزلاق هذه الأوتار داخل القناة. وفي أحيان أخرى قد يكون هناك تضيق في هذه القناة نفسها مما يؤدي إلى صعوبة في انزلاق الأوتار داخلها.
عادةً ما تبدأ الخطة العلاجية بتناول الأدوية المضادة لالتهابات الأوتارأسباب المرض
تظهر هذه الحالة كثيراً في الأشخاص الذين يستخدمون أيديهم بشكل متكرر وكبير عند التقاط أو عصر الأشياء مثل الليمون وغيره. ولذلك فهي شائعة في ربات المنزل أو في مهندسي ومبرمجي الكمبيوتر والعمال وغير ذلك من الأعمال اليدوية التي تتطلب استخداماً كبيراً لليدين. أيضاً بعض الأمراض الروماتزمية مثل مرض الرثوية (Rheumatoid Arthritis) قد تؤدي إلى التهاب هذه الأوتار. وفي بعض الأحيان قد تكون هناك إصابة مباشرة لمنطقة الوتر تؤدي إلى ظهور الالتهاب أو قد يظهر الالتهاب أثناء الحمل في المراحل الأخيرة نتيجة احتباس السوائل في الجسم مما يؤدي إلى تجمعها في القناة ويؤدي إلى الضغط على الأوتار وصعوبة حركتها. كما أن هذا المرض شائع في الأمهات في فترة ما بعد الولادة مباشرةً نتيجة الاستخدام المتكرر لليد أثناء العناية بالطفل الرضيع. وفي بعض الحالات النادرة قد يكون هناك تاريخ مرضي لحدوث كسور في منطقة الرسغ أو في منطقة الإبهام مما يؤدي إلى تشوه في وضع العظام وبالتالي يؤدي إلى الضغط على القناة التي تمر فيها الأوتار مما يؤدي إلى ظهور الالتهاب في الأوتار.
بماذا يشعر المريض؟
في الحالات الجديدة وعندما يكون المرض بسيطاً قد يشعر المريض ببعض الآلام البسيطة أو المتوسطة في منطقة قاعدة الإبهام بجانب الرسغ عندما يقوم باستخدام اليد. ولكن مع تطور المرض قد تصبح هذه الآلام شديدة وتظهر مع أي حركة في الرسغ أو في الإبهام وتمتد للأعلى لتشمل العضلات التي ينشأ منها الوتر. ومع زيادة المرض قد يشعر المريض بصوت أو بشعور الاحتكاك عندما يمر الوتران فوق بعضهما البعض داخل القناة. وفي بعض الأحيان قد يصاحب هذه الآلام تورم واحمرار في المنطقة عند قاعدة الإبهام والرسغ نتيجة الالتهاب. وفي الحالات المتقدمة يصبح مسك أي شي أو تحريك اليد لأي غرض مؤلماً جداً ويأتي المريض إلى العيادة وهو يحمل يده المريضة باليد الثانية السليمة نتيجة عدم قدرته على تحمل الألم وعدم قدرته على تحريكها.
أشعة الرنين المغناطيسي أو الأشعة الصوتية تساعد كثيراً على توضيح الصورةالتشخيص
عادةً ما يتم التشخيص بعد الفحص السريري الذي يبين وجود آلام عند قاعدة إبهام اليد في منطقة الرسغ خصوصاً عند الضغط عليها أو عند تحريك الإبهام. وهناك حركة معينة تؤدي إلى زيادة شديدة في الألم وهي عملية تحريك الإبهام والرسغ إلى الأسفل لأن هذه تؤدي إلى شد على الأوتار المريضة وتؤدي إلى زيادة الألم في المنطقة. ويكون الألم أخف بكثير عند تحريك الإبهام إلى الأعلى والرسغ إلى الأعلى فإن هذه الحركة تؤدي إلى استرخاء هذه الأوتار وبالتالي إلى آلام أقل شدة من تحريكها للأسفل مما يساعد على التشخيص وعلى معرفة أن الالتهاب موجود في هذه الأوتار. وفي الغالبية العظمى من المرضى لا تكون هناك حاجة لاستخدام أي تحاليل مخبرية إو أشعات سينية أو مقطعية. وفي بعض الأحيان قد يتم اللجوء إلى التحاليل المخبرية للتأكد من عدم وجود التهابات رثوية أو التهابات جرثومية. وفي بعض الأحيان عندما يكون التشخيص غير واضح فإن أشعة الرنين المغناطيسي (MRI) أو الأشعة الصوتية (Ultrasound) لمنطقة الرسغ تساعد كثيراً على توضيح الصورة.
العلاج التحفظي غير الجراحي
عادةً ما تبدأ الخطة العلاجية بتناول الأدوية المضادة لالتهابات الأوتار (NSAID) لأسبوعين أو ثلاثة أسابيع مع استخدام الأدوية المسكنة والأدوية المرخية للعضلات وكذلك يجب أخذ قسط كاف من الراحة وتجنب تحريك الإبهام والرسغ لأسبوع أو أسبوعين وتجنب الأنشطة التي تؤدي إلى ظهور الألم. وفي بعض الأحيان قد يصف الطبيب جبيرة طبية صناعية (Splint) أو جبيرة تقليدية (Thumb Spica) توضع على منطقة الرسغ وحول الإبهام لتقليل الحركة في الأوتار وإعطائها قسطا من الراحة لمدة أسبوع أو عشرة أيام. وبعد هذه الفترة تبدأ جلسات العلاج الطبيعي والتي تساعد كثيراً على تقوية الأوتار وعلى إزالة الآلام. أما إذا فشلت هذه الخطوات التي ذكرناها سابقاً فإن الحقنة الموضعية التي تحتوي على مادة الديبومدرول (Depomedrol) ذات الخاصية المضادة للالتهابات يمكن إعطاؤها داخل القناة التي تمر من خلالها الأوتار بهدف إزالة الالتهاب وتخفيف الآلام بإذن الله. وهذه الإبرة يتم إعطاؤها عن طريق الاستشاري المتخصص وهي سهلة وبسيطة بإذن الله وتستغرق بضع دقائق وليست لها آثار جانبية بإذن الله.
يقع المعصم أو الرسغ عند التقاء كف اليد والساعدالتدخل الجراحي
إذا ما فشلت جميع الخطوات التي ذكرناها سابقاً فإن التدخل الجراحي يكون ضرورياً. والهدف من التدخل الجراحي هو عمل توسعة للقناة التي تمر فيها الأوتار. ويتم التدخل الجراحي عن طريق عملية صغيرة من خلال جرح يبلغ حوالي السنتيمترين عند قاعدة الإبهام يقوم من خلالها الجراح بعمل توسعة للقناة التي تمر من خلالها الأوتار. ويمكن عمل هذه العملية عن طريق بنج كامل أو بنج موضعي. وهي تستغرق حوالي ربع ساعة إلى نصف ساعة ويمكن للمريض العودة إلى المنزل في نفس اليوم. وهذه الجراحة لها نسبة نجاح عالية وخطورة منخفضة. وبعد تحرير الأوتار وعمل توسعة للقناة يقوم الجراح بإقفال الجرح باستخدام خياطة تجميلية لا تترك آثراً على الجلد في المستقبل. وبعد العملية يتم وضع يد المريض أو المريضة في رباط طبي لمدة أسبوع أو عشرة أيام وبعد ذلك تتم إزالة هذه الأربطة ويمكن استخدام اليد بشكل طبيعي بإذن الله. أيضاً بعد العملية يقوم الطبيب بإعطاء المريض بعض الأدوية المسكنة للالتهابات والآلام وأيضاً مضادا حيويا لبضعة أيام.
النصائح والتوصيات
هذه الحالة معروفة طبياً وتسبب آلاما عند الكثير من الناس ولكن للأسف الشديد في بعض الأحيان يتم التغاضي عنها ويتم تشخيصها بشكل خاطئ مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة وإلى أن تؤثر على حياة المريض أو المريضة. وفي حال تم التشخيص السليم فإن العلاج التحفظي يكون ناجحاً في الغالبية العظمى من المرضى. أما هؤلاء الذين لا يستجيبون له فيكون التدخل الجراحي ناجحاً لديهم بإذن الله وهو ذو نسبة نجاح عالية ونسبة خطورة منخفضة.