إعداد: د. عبدالعزيز بن محمد العثمان
تبدأ بسم الله وعلى بركة الله رحلتنا بالدخول للجهاز الهضمي من خلال الفم الذي تبدأ به القناة الهضمية، هذا هو التجويف الفمي وترون في الأعلى والأسفل الأسنان بأنواعها وأشكالها وأحجامها المختلفة بحسب وظيفتها، وهذا الذي تسير عليه مركبتنا هو اللسان وهو ليس مجرد عضلة تتحرك بل هو جهاز عجيب له فوائد كثيرة وفي نهاية الممر يقع لسان المزمار الذي يغلق الحنجرة لكيلا يدخل الطعام والشراب للقناة التنفسية فيسبب الالتهابات وفي الأعلى هناك فتحات صغيرة لا تراها العين المجردة لإفراز اللعاب وبعض السوائل والإنزيمات وفي عمق هذه القناة تقع اللوزتان وهما مراكز تجميع للجراثيم التي يقتلها الجسم ويمنعها من دخول الجسم وتخريبه فهي تقوم بدور حرس الحدود. عندما نشتهي الطعام أو نشم رائحته أو حتى نتخيله يبدأ الجسم في إفراز اللعاب في الفم وبعض الإنزيمات، وكذلك الحال إذا حان وقت الأكل بالنسبة للذين ينظمون أوقات تناول الغذاء، كلها إشارات للجسم بأن يبدأ عملية استلام وهضم الأكل.
هناك مركز للتحكم بعملية الهضم موجودة في الدماغ ومدير لتلك العمليات وهو هرمون يعطي أوامره لمراكز إفراز اللعاب والإنزيمات والسوائل الأخرى لتفرز بقدر معين في زمن معين، وأيضاً يوجه عضلات الفم والمريء وغيرها لتتحرك بشكل محدد لمضغ وتوجه الطعام للمعدة. تكرار وجود محفزات إفراز اللعاب والإنزيمات دون وجود غذاء حقيقي يجعل الجسم يبرمج نفسه من جديد أن تلك المهيجات ليست حقيقية فيضبط عملية الإفراز مستقبلاً، فمثلاً عند الصيام ربما تفرز تلك السوائل في بداية شهر رمضان حسب البرنامج القديم لتناول الغذاء ولكن مع الوقت يكون الجسم قد تبرمج على أنها مجرد روائح أو مناظر ولكنها لا تعني أنك ستتناولها فلا يفرز المزيد، ولهذا مهم جداً أن ينظم الإنسان أوقات تناوله للغذاء لتقليل إرباك الجسم في إفراز تلك السوائل إلا في وقتها وعند الحاجة إليها.
دعوني اسألكم، كيف تعرف طعم الغذاء أو الشراب وهل يناسبك أم لا؟، وهل تستسيغه وتحبه أم تكرهه؟ ومن ياترى يقوم بتلك العلميات المعقدة؟ ، إنه اللسان من خلال ملايين الحلمات التي تغطيه من أعلى ومن الجانبين ولكل منها وظيفة محددة، ترتبط بعدد من الأعصاب والأنابيب والعضلات، فاللسان ليس وظيفته الكلام فقط بل تنظيم طحن الطعام وبلعه وتنظيف الفم بالإضافة إلى قيامه بفحص الأغذية وتقييمها وارسال النتائج للمخ. بمجرد دخول الغذاء أو الشراب للفم تحدث عملية عجيبة وغريبة ومعجزة، ألا وهي عملية أخذ عينة من الغذاء وتحليلها في مختبرات خاصة وإرسال النتائج للمخ لتحديد نوع الغذاء وهل هو مناسب للأكل أم لا وهل طعمه مستساغ وهل هو حامض أم مالح، حلو أم مر، ثم إرسال الأمر بقبوله أو رفضه، تخيلوا أن ذلك يحدث خلال ثوان بسيطة وأحيانا جزء من الثانية ولتعرف المدة بالضبط اعطيك هذا المثال. بمجرد لمس الغذاء لطرف السان يمكنك تحديد نوعه مع أن منطقة طرف اللسان مخصصة لتذوق الطعم الحلو فقط، وبعده منطقتان على جانبي اللسان مخصصتان للطعم المالح ثم منطقتان للداخل مخصصتان للطعم الحامض ومنطقة أعلى اللسان في الداخل مخصصة للطعم المر، فتخيل السرعة الرهيبة التي يتم بها تحليل جميع الأغذية والسوائل وتحديد أنواعها وإرسال تلك المعلومات لمركز التحكم في المخ ليقرر تناول الغذاء من عدمه، حقيقة إنجاز مذهل في الدقة والسرعة، فسبحان الخالق.
خذوا الحذر لأننا سنمر على الأسنان ولكن لا تخافوا فسيقود قبطاننا المركبة باحترافية لكيلا تطحننا تلك الأسنان القوية. الآن تم قبول الغذاء بعد التعرف عليه وتم إدخال الغذاء للفم، تستلمه الأسنان القاطعة وهي ثمانية أسنان أربعة في الأعلى وأربعة في الأسفل ومهمتها تقطيع الغذاء لقطع أصغر مثلا تقطيع الساندوتش أو التفاحة لقطع مناسبة لحجم الفم، ولو كان الغذاء أصعب من الخبز والفواكه كاللحوم مثلاً فإن الأنياب تتدخل لتمزيق اللحوم وتقطيعها وهناك نابان في الفك العلوي ونابان في الفك السفلي يكفيان لتولي المهمة، ثم تنتقل اللقمة المقطعة للداخل فتستلمها الضواحك وعددها ثمانية وسميت كذلك أنها ترى إذا ضحك الإنسان وهي نوع من الضروس التي يساعدها تصميمها وشكلها لهرس الغذاء، ثم الضروس وعددها ثمانية، أربعة في الأعلى وأربعة في الأسفل وأحياناً تكون اثني عشر عند طلوع مايسمى بضروس العقل. كل الضروس سطحها مفلطح وغير مستو وتتحرك بشكل شبه دائري لطحن الغذاء المكسر سابقاً وتحويله لمهروس شبه سائل بعد خلطه بلعاب الفم ليكون جاهزاً للبلع. تأملوا العمليات المختلفة لكل نوع من أنواع الأسنان والعلميات المتتالية التي يجب أن يمر فيها الغذاء ليكون جاهزاً للبلع بعد مدة محددة يمكثها في الفم، وهنا نستغرب سرعة أكل البعض للطعام وبلعه دون أن يتم هرسه جيداً وخلطه باللعاب ليكون جاهزاً لإرساله للمعدة عن طريق المريء.
الحمد لله نجونا من فتك الأسنان، والآن يجب أن نتحاشى الإفرازات الهاضمة في الفم، فهنا تحدث أول عملية للهضم بإفراز إنزيم مخصص فقط لهضم النشويات أو مانسميه الكربوهيدات، يسمى هذا الإنزيم (الأميليز اللعابي) تفرزه مع اللعاب ثلاثة أزواج من الغدد اللعابية (النكفية والغدة تحت الفك الأسفل والغدة تحت اللسان) تقوم تلك الغدد بإفراز حوالي1.5 ليتر من اللعاب يومياً، مهمة اللعاب ترطيب الطعام ليسهل هضمه ومهمة الإنزيم تحليل الكربوهيدرات المعقدة إلى مركبات أسهل لتكون جاهزة لبقية الهضم والامتصاص، عندما يصل هذا الإنزيم للمعدة عالية الحموضة يفقد فاعليته ووظيفته بعد تجاوز الطعام للفم والمريء أي أن الفترة عدة ثوان لا غير، ولهذا فإن الذين يتناولون غذاءهم بسرعة ويبلعونه دون مضغ جيد فإن هذه العملية لا تتم ويدخل الكربوهيدات للمعدة قبل أن تهضم في مرحلتها الأولى مما يسبب مشكلة مايسمى بارتباك الهضم والتعفن أحياناً الذي ينتج عنه إنتاج غازات كثيرة. وقد وجدت الأبحاث العلمية أن أغلب من يعانون من زيادة الوزن أو السمنة أنهم لا يمضغون الطعام بشكل كافٍ مما يجعلهم يلتهمون كمية كبيرة من الطعام في وقت قصير، فأنصح بشدة جميع الناس بإطالة فترة مضغ الطعام ليتم هرسه وهضم الكربوهيدات بشكل أولي وتجهيز الأكل لبقية العمليات. نعم هذه الممارسة تحتاج لتدريب بعض الشيء حتى يتعود الإنسان عليها وبعدها ستكون سلوكاً صحياً مفيداً جداً جداً.
سننتقل بكم أعزائي المسافرين إلى عمق القناة الهضمية وسننزل في منحدر خطير ألا وهو المريء ولكن بحمد الله أن عضلاته ستأخذ مركبتنا بالتدريج لكيلا نسقط دفعة واحدة، وهكذا ينتقل الطعام من خلالها على هيئة دفعات صغيرة بعد أن يقوم اللسان بتقسيمها ودفعها للمريء الذي يحدث تقلصات بقدر حجم تلك اللقم فإن كبر حجمها سببت آلاماً أثناء البلع، ويقوم بدفعها عضلياً باتجاه المعدة فالغذاء ينتقل بسبب تلك الانقباضات وليس بسبب الجاذبية الأرضية كما يعتقد البعض بمعنى لو انقلب شخص رأساً على عقب لما أثر ذلك في عملية النقل تلك. يقطع الطعام مسافة المريء والتي هي تقريباً 25 سم في المتوسط. وجود الطعام في المريء يعطي إذناً بدخوله للمعدة على دفعات دون السماح بخروج الأحماض إلى المريء. الآن وصلنا لفوهة المعدة أو مصرّة المعدة والتي تسمى الفؤاد وهي عضلة قوية تغلق فوهة المعدة تماماً لكي لا تسمح بوصول حمض المعدة شديد الحموضة للمريء وعند ضعف تلك المصرة لأي سبب يصل الحمض للمريء غير المحمي من تأثير الأحماض فيحدث ألماً مزعجاً والتهاباً في المريء وقد يتسبب في ارتجاع المريء ولهذا يسمي البعض حرقة المعدة بحرقة الفؤاد. الآن فتحت المصرة بوابتها.
مراحل متعددة يمر بها عبر الجهاز الهضمي
عمليات مختلفة لكل نوع من أنواع الأسنان
الفم محطة الاستلام والفحص في الجسم