البان .. أوراقه للبهجة المتعددة
وتعد أوراق التامول أهم مكونات طبق البان. وقد يعتبر تاريخ جنوب آسيا منقوصا ما لم يذكر فيه طبق البان.
وتمضغ أوراق التامول في كل من الهند وباكستان وبنغلاديش وبورما وسيريلانكا والمناطق الأخرى من جنوب وجنوب شرق آسيا، ملفوفة مع جوز الأريقة (التي لا يمكن وصفها بأنها من ثمار الجوز، لكنها بذرة شجرة الأريقة) وهيدروكسيد الكالسيوم. وتسمى بذور الأقاقيا «كاثا»، وهي معروفة على مدار آلاف السنوات.
وتلك التركيبة، التي تعرف بـ«مضغة أوراق التامول» قد استخدمها الهنود على مدى آلاف السنوات. وفي بعض الأحيان، يضاف إليها التبغ.
وتعد بذور الفوفل البرتقالية المعروفة على الصعيد المحلي بـ«سوباري»، أحد أهم المكونات الرئيسة في صنع البان، حيث يتمتع بقيمة مخدرة يجلها كل ماضغي البان عندما يضاف إليها الليمون.
ويزداد التأثير المحفز للبان مع زيادة مضغه، حيث تعمل المواد الكيميائية الموجودة فيه على خفض القلق الداخلي والتوترات بالنسبة لمتناولي البان بانتظام.
بيد أن تلك المكونات يمكن أن تسبب الغثيان أو الدوار أو العرق والأعراض الأولية للتسمم بالنسبة لمن يمضغونه للمرة الأولى.
وتحدث الكمية الضئيلة من الزيت الطيار المعروف بزيت الفوفل، نكهة التوابل عطرية المذاق المطلوبة، حيث يمضغ البان كمنظف للفم ومنعش للنفس.
وقد كان يتم استخدام البان في الطب الشعبي الهندي القديم لأيورفيدا كمطهر يجدد التنفس أو كمنشط جنسي، كما أنه يشفي من الصداع وآلام والتهابات المفاصل وآلام الأسنان.
كما يستخدم في بعض المناطق الأخرى كمضاد حيوي ودواء هاضم، كما أنه يشفي من الإمساك والاحتقان ويساعد على إدرار اللبن، ويساعد أيضا في تخليص الجسم من الديدان.
وتزعم موسوعة «يوناني» الطبية أن البان منشط طيب الرائحة يمنع تكون الغازات في البطن.
هذا بالإضافة إلى أنه يساعد في تجلط الدم بسرعة، ويساعد وضع الكمادات الساخنة من البان الساخن ـ خاصة بالنسبة للأطفال ـ في علاج آلام المعدة.
وشرب منقوع بذور الفوفل المغلية المضاف إليها الفلفل الأسود يمكن أن يشفي من عسر الهضم.
ويسهم وضع أوراق التامول على الصدغ أو بضع قطرات من عصيرها في الأنف في الشفاء من آلام الرأس، وفي حال الإمساك الحاد يساعد ساق النبات الذي يتم تعاطيه كنوع من الأقماع في الشفاء الفوري للأطفال، وتساعد أوراق البان الموضوعة على الجروح في تحقيق نتائج مذهلة بعد يوم أو يومين.
وعندما تغمس سيقان النبات في الزيت وتوضع على صدور الأمهات تساعد في إدرار الحليب.
يفيد أكل البان في علاج نزلات البرد والسعال، وفي حالات السعال الشديد تسخن الأوراق ويمسح بها بالزيت على الصدر.
وتساعد الكزبرة والنعناع الموجود في البان في الحفاظ على طزاجته، كما يتم إعداده كالشاي للحفاظ على الصحة، وهو ما يساعد على إزالة رائحة الجسم الناتجة عن العرق أو الطمث أو الحيض.
ويساعد مضغ البان في الحفاظ على اللثة والأسنان في حالة صحية جيدة، كما تساعد أوراق التامول في علاج الاضطرابات العصبية والإرهاق والألم، وإذا ما تم إعداده مع اللبن المحلى المخفف فإنه يسهم في إدرار البول، وإذا ما خلط مع العسل فإنه يكون جيدا للصوت.
يساعد البان أيضا في مشكلات الجهاز التنفسي التي تؤثر على رئات الصغار والكبار، فتتم معالجة التهاب الحلق والالتهابات بالوصفات المحلية من عجينة البان. كما يمكن معالجة الالتهابات الجلدية باستخدام البان.
ويزعم العلماء الهنود في ولاية كالكتا (المعهد الهندي للكيمياء الحيوية)، أن البان دواء أساسي لمرض اللوكيميا، فقد دمر جزيء منه خلية سرطانية من دون أضرار جانبية، وقد أدى هذا الاكتشاف إلى القيام ببضع تجارب في المناطق الأخرى من الغرب واليابان.
اكتسب إعداد أوراق التامول أو البان أشكالا ونكهات مختلفة اعتمادا على المنطقة أو جودة أوراق التامول.
هناك أنواع متعددة من أوراق التامول التي تنمو في المناطق المختلفة من الهند وبنغلاديش، كما تختلف طريقة إعداده من دولة لأخرى، فالبان ذو النكهة الضعيفة يأتي من البنغال ويعرف بـ«ديس ماهوبا»، أما «ماغاي» و«جاجاناث» فتأتي من بيناراس.
أما البان الذي يعد من الأوراق الصغيرة والهشة التي تجلب من جنوب الهند يسمى «تشيجرليال».
أما أوراق البان السميكة السوداء و«الأمبادي» و«الكاريلي» فهي الأكثر شعبية وتمضغ مع التبغ.
يأتي البان بنكهة التبغ كأكثر النكهات شعبية، حيث تملأ أوراق التامول بمسحوق التبغ والتوابل الأخرى، ثم يأتي بعد ذلك باناراسي بان، الذي تكون فيه أوراق البان التي تتدرج من اللون الباهت إلى الأخضر الداكن مطبقة ومدهونة بعجينة الأقاقيا والليمون.
ويضاف العديد من مكسبات الطعم للبان مثل بذور الأقاقيا ومسحوق التبغ والكافور وحب الهال وجوز الهند والنعناع ومحليات الطعم. وتطوى الأوراق وتثقب بحبة قرنفل، وإذا ما كنت شغوفا بالجنس، يمكن أن تضاف مثيرات الشهوة الجنسية إلى البان الخاص بك، بيد أن البان الخاص بي هو البان الحلو الذي لا تضاف إليه أوراق البان أوالتبغ أو بذور الأقاقيا.
أما الحشو فيتكون بصورة أساسية من جوز الهند والفاكهة المعلبة والتوابل المختلفة، كما يقدم عادة مع الكرز المرسكيني.
ويعد إعداد البان في المنزل عملية مضيعة للوقت، لكن تناول البان لا يزال عادة هندية باقية، كما أن المحلات التي تبيع البان تعد جزءا من الثقافية الهندية، ويعتبر بائعو البان بأكشاكهم مصدرا للمتعة والمعلومات.
فما يأتي المساء حتى تجد الرجال قد توافدوا أمام محل البان، حيث يناقشون أمور الحياة اليومية أو ينخرطون في مناقشة ساخنة حول الأحداث المحلية أو العالمية مع بائع البان.
ويعتبر إعداد البان عملا فنيا وخلطة سرية تتوارثها الأجيال المتعاقبة، وتشترك العائلة بأكملها في تلك العملية، باعتبارها فنا يتطلب الممارسة ويحتاج إلى لمسة خبير.
وتعد الطريقة التقليدية لصنع البان وتخزينه وتقديمه أمرا ممتعا، حيث يتم تخزين الأوراق ملفوفة في قماش رطب أحمر داخل صناديق معدنية تدعى «بان داني»، التي تحتوي على العديد من الأقسام المخصصة لتخزين الحشو أو التوابل، ولتقديم البان، يتم رفع الأوراق من القماش الملفوفة فيه، ويتم وضع معجون الكاثا والليمون على سطحها.
وفوق ذلك توضع قطع بذور القاقيا والزعفران وحبوب الهال وقطع جوز الهند ومسحوق التبغ وغير ذلك، وفق الأذواق التي يفضلها المشتري.
تطوى الأوراق بصورة خاصة على شكل مثلث يدعى «جيلوري» المعد لتناوله، وفي بعض المناسبات الخاصة يتم تغليف «جيلوري» بأوراق فضية رقيقة.
لتقديم البان تستخدم دبابيس فضية لمنع الـ«جيلوري» من تبعثر محتوياتها وتوضع داخل إناء له قبة يسمى «كاس دان»، وقد يلجأ البعض إلى وضع البان في الورق أو أوراق القصدير الملفوفة على شكل أقماع. ويقوم عشاق البان بمضغه عوضا عن ابتلاعه، للاستمتاع بنكهاته.
ويقول البروفسور بوشبيش بانت، أستاذ الدبلوماسية في جامعة جواهر لال نهرو ومؤلف كتاب «بان… أوراق البهجة المتعددة»: «يحتوي البان على مقادير مختلفة، ويأتي من مختلف مناطق الهند، ومن ثم فإنك عندما تقدم البان إلى أحد ما، فإنك تقدم له الهند»، وعن سر الإقبال على البان يضيف: «إن البان هو السلعة الأكثر إتاحة، التي يمكن للجميع شراؤها، كل حسب ذوقه الخاص به».
في دلهي القديمة يوجد سوق شهير به أكثر من 100 متجر تبيع ما يربو على خمسين نوعا مختلفا منه، تتراوح أسعارها بين روبية واحدة و400 روبية، بيد أن أهم ما يميز البان هو الطريقة التي يتم صنعه بها. فالأيدي الخبيرة في صناعته تقوم بعمل السحر.
ويعتبر موين، أحد أشهر صانعيه، حيث يعتبر خبيرا في تركيب المقادير المناسبة، ويعد متجره الأقدم في المنطقة، ويقول موين: «لا نرضى بديلا عن جودة المكونات التي نستخدمها، كما أننا نهتم جيدا بما يرغب فيه عملاؤنا».
وإذا كنت ترغب في الاستمتاع بالبان، ولم يتسن لك الوقوف على أحد متاجره، فما عليك إلا الحصول على أوراق التامول وضع مسحوق اللوز عليها، ومبشور جوز الهند ومسحوق الفستق، وبعض الفاكهة المعلبة وحبة كرز، ثم لفها في ورقة قصدير فضية.
وسيقوم هذا المزيج بتكوين حلوى شهية تتناول بعد وجبة العشاء، وتعمل كمساعد على الهضم ومجدد للنفَس. كان البان جزءا من تراث الشعب الهندي منذ الأزمنة السحيقة، ويمكن اكتشاف وجود البان في الأدب السنسكريتي، حيث يمثل الحب والثقافة، ومن الصعب أن تجد منطقة من البلاد لا تفضل أحد تلك الأنواع.
يقدم البان إلى الضيوف والزوار كنوع من كرم الضيافة، «لكسر الجليد» لبدء المحادثات، وللبان قيمة رمزية في الاحتفالات والأحداث الثقافية في جنوب ووسط آسيا.
وكنوع من كرم الضيافة، يقدم البان في جميع أنحاء الهند، حيث يعتبر أمرا مقدسا، وأكل أوراق التامول ذو أهمية خاصة في طقوس الزفاف في شبه القارة الهندية، حيث توزع أوراق التامول الملفوفة والمحتوية على الليمون والأقاقيا وحب الهال.. إلخ، في حفلات الزفاف.
وتقوم النساء في ولاية غوجارات الهندية بصنع حقائب مزخرفة لوضع ثمار الأريقة بها لتوزيعها على الضيوف في حفلات الزفاف.
هناك طقوس خاصة في حفلات الزفاف وفي ولاية مهاراشترا، حيث تقوم العروس بوضع أوراق التامول الملفوف في فمها من أحد أطرافها ليقوم العريس بقضمها من الناحية الأخرى.
وفي حفلات الزواج البنغالية تقوم العروس بدخول قاعة الزفاف تغطي وجهها بورقتين من أشجار النخيل، ولا يرفعان إلا عند تبادل النظرات الأولى مع الزوج.
وخلال مراسم الزواج تحتفظ العروس بورقتين من التامول على وجنتيها، وتشكل الصينية المليئة بالبان المزركش جزءا رئيسا من جهاز العروس.
وقد كانت أوراق التامول جزءا مهمّا من الهدايا التي تقدم إلى العريس أو العروس من والد الزوج أو والد الزوجة.
وقد قيل إن نورجهان، زوجة الإمبراطور جاهنجير، أول من جعلت من مضغ أوارق التامول عادة شعبية.
كما يقدم البان كنوع من أحمر الشفاه، وقد كانت الشفاه الحمراء موضوعا للكثير من الأغاني الشعبية والأدب الكلاسيكي.
منعت الكثير من الدول العربية بيع البان نتيجة للجلبة التي يحدثها مستخدموه، والعصير الأحمر الناتج عن بصقه يلوث الأرصفة والمباني.
ومن المعتاد أن ترى المباني والأرصفة مطلية باللون الأحمر نتيجة لأكل البان.
ويعتقد أن المعدلات العالية لسرطان الفم في الهند كانت نتيجة لمضغ مكونات التامول، على الرغم من أنه لم يثبت إلى الآن صحة هذا الزعم بالنسبة لأوراق التامول أو حبوب الأريقة أو بالنسبة إلى التبغ الذي يضاف إلى بعض مكونات التامول. وهناك علاقة بين مضغ مكونات التامول وسرطان المريء.
كما أنه من غير الواضح أيضا وجود مخاطر صحية مشابهة للوصفات التقليدية، كتلك المرتبطة بالخلطات الحديثة من التامول.