الصيدلي حمدان العجمي *
قبل ما يقارب العام، خرج فيلم "فوسفين" للشبكات الاعلامية بعد رفعه على اليوتيوب، وفي أقل من يوم واحد وصلت عدد المشاهدات إلى أكثر من مليون مشاهدة، لم يكن المخرج عبدالرحمن صندقجي يتوقع هذا التفاعل الضخم، تم فتح هاشتاق للفيلم، تفاعل المجتمع بأكمله مع هذا الفلم الوثائقي الذي يتحدث عن المبيدات الحشرية وخطر استخدامها في المنازل والذي أدى إلى وفاة العشرات في المملكة بالتحديد، ابتدأ الفيلم بقصة من مدينة جدة للأب عمر عطية وهو يتحدث عن طفليه مسرة وميسرة وكيف ماتوا نتيجة تسمم ناتج عن مبيد حشري وهو الفوسفين أو ما يسمى علميًا بفوسفيد الألومنيوم، يتفاجأ عمر وهو داخل لمنزله وقد رأى أطفاله قد فقدوا وعيهم بالكامل، يسرع بهم إلى الطوارىء إلا أن الأوان قد فات، لم يسطتع المستشفى إسعافهم، أظهرت تحقيقات الشرطة أن الفوسفين الذي قتل هاتين الطفلتين استخدم من قبل جيران عمر وانتقل عبر المجاري والمواسير لهم، حيث أنه يتبخر في الهواء مع الوقت وينتقل بكل سهولة في مساحات شاسعة.
استخدمت المبيدات الحشرية لقتل الحشرات الضارة التي تقضي على المحاصيل، وكان ضررها يصل للإنسان نفسه عبر أكل هذه المحاصيل المرشوشة إذا لم يقم بغسلها جيدًا قبل أكلها، وتقوم الجمارك السعودية بفحص دوري لكل الخضروات والفواكه المستوردة للتأكد من خلوها من المبيدات الحشرية، وتمنع وزارة الصحة استخدام العديد من المبيدات الحشرية في المنازل نظرًا لخطورتها العالية، وعلى الرغم من كل هذه الاحتياطات المبذولة إلا أن حالات التسمم بالمبيدات تحدث باستمرار في مجتمعنا ومجتمعات الغير، وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد المتوفين سنويًا جراء التسمم بالمبيدات الحشرية ب 300 ألف إنسان حول العالم!، وهذه المبيدات أنواع كثيرة وتعمل بطرق مختلفة ولكن أشهرها مركبات الفسفور والذي تحدث عنها فلم "فوسفين".
تبدأ أعراض التعرض لمبيد حشري على شكل قيء حاد وصعوبة في التنفس ودوخة عامة وهذيان وقد تتطور إلى فقدان بالوعي وتوقف بالدورة الدموية نتيجة لتوقف القلب، وقد تظهر هذه الأعراض بالتدرج وعلى مراحل، حسب الكمية التي تعرض لها الشخص.
إن نزع ملابس المريض وغسله بالماء والصابون هي أولى الخطوات التي يجب اتخاذها، ثم يتم نقله فورًا للمستشفى لاتخاذ العلاج الطبي اللازم له، وعلاج التسمم بمركبات الفسفور تبدأ بالأتروبين الذين يتوفر في جميع المستشفيات، إلا أن المشكلة هي في حدوث حالة تسمم في مكان بعيد كل البعد عن المستشفى، فكيف يمكن إنقاذ حياة المريض وقتها خاصة أن الوقت يلعب كعامل محوري لإنقاذ حياة المتسمم ؟، ولعلاج هذه المشكلة قامت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية قبل أعوام بفسح المجال لبيع دواء الأتروبين كحقنة ذاتية وبيعها للعامة، حيث يسمح لأفراد الأسرة بحقن الترياق في عضل المصاب قبل ذهابه للمستشفى، على شكل حقنة ذاتية مطلقة عليها اسم قلم الأترو (Atropen). وهناك دواء آخر وهو البراليدوكسيم (Pralidoxime) وهو فعال لعلاج بعض المبيدات الحشرية ومتوفر في المملكة ويؤخذ على الأغلب مع الأتروبين في ذات الوقت، ويشتهر هذا الترياق بين الجيوش، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعطي الجيش الأمريكي جنوده حقنة ذاتية من هذا الدواء ليحقنوا أنفسهم به في حال تعرضهم لهجوم كيميائي بمركبات الفسفور.
وللمبيدات الحشرية أضرار جانبية أخرى كنوبات الصرع وتعالج بأدوية البنزوديازابين (Benzodiazipines).
وقد يستخدم بعض المعالجين الأسبرين كنوع من الوقاية ضد أي تطورات قلبية ولا ينصح بغسيل المعدة إلا إن كانت عملية تناول المبيد الحشري تمت خلال ساعة، ولا ينصح بإعطاء أدوية مستحثات القيء للمريض نظرًا لأعراضها الجانبية في هذه الحالة الخاصة كحدوث نوبات صرع للمتسمم.