تحدّب الظهر حالات حميدة تؤدي إلى خلل في قوام الشخص
تحدب متقدم في أعلى الظهر
إن الحدبة أو تحدب الظهر هو عبارة عن اعوجاج في العمود الفقري والظهر يظهر عندما ننظر إلى الشخص من الناحية الجانبية. ويجب هنا تفريقه من الجنف الذي هو عبارة عن اعوجاج في العمود الفقري حيث يأخذ العامود الفقري شكل S وذلك عندما ننظر للشخص من الأمام أو من الخلف. أما مرض التحدب أو ظهور الحدبة فهو كما ذكرنا يظهر عندما ننظر إلى الشخص من الجانب وفي الغالبية العظمى أنه يصيب منطقة أعلى الظهر أو الفقرات الصدرية ويظهر كتحدب يشبه سنام الجمل ولكن على شكل أصغر بكثير في هذه المنطقة. ويؤدي هذا التحدب إلى خلل في قوام الشخص بحيث يضطر إلى أن يضع رأسه مائلاً إلى الأمام وكذلك الأكتاف التي تميل إلى الأمام وهو بالتالي يؤدي إلى تفاقم المشكلة الشكلية وجعل هذه الحدبة تظهر بشكل أوضح وأكبر. وعلى الرغم من أن الحدبة قد تصاحب مرض الجنف إلا أننا في هذه المقالة سوف نركز على الحدبة بحد ذاتها والتي تظهر بدون وجود جنف وسنذكر أهم الأسباب التي تؤدي إلى ظهور التحدب وكيفية التشخيص والوقاية والعلاج.
التحدب الحميد
(postural kybhosis)
وهذا النوع من التحدب هو نوع حميد لأنه ينتج عن أسباب لها علاقة بالجلوس الخاطئ أو الجلوس بشكل مائل أو الانكفاء عند القراءة والكتابة مما يؤدي إلى ترهل عضلات منطقة أعلى الظهر وظهور الحدبة فيها. وهذا النوع عادةً ما يظهر في المراهقين وفي الأولاد والبنات حيث يأتون إلى العيادة مصحوبين بآبائهم وأمهاتهم الذين يشتكون من ظهور الحدبة وأن المراهق والمراهقة يجلسون أمام الكمبيوتر أو الأجهزة الإلكترونية الأخرى لفترات طويلة في وضعية خاطئة إما على السرير أو على الكنب ويشتكون من هذا التشوه في منطقة أعلى الظهر. وهذا التحدب ينتج نتيجة ترهل العضلات والجلوس لساعات طويلة لفترة خاطئة وعادةً ما يبين الفحص السريري وجود الميلان والقوام الخاطئ لدى الطفل أو الطفلة قابلية هذا التحدب للتعدل بشكل كامل عندما نطلب من الطفل أوالطفلة أن يصلب قوامه ويجلس في شكل مستقيم. وهذا في الواقع أهم فحص حيث إن إمكانية تعديل التحدب إلى الوضع الطبيعي هو دليل على أنه ليس هناك مرض بإذن الله. وقد يتم اللجوء للأشعة السينية فقط للتأكد من عدم وجود أي خلل في فقرات المنطقة الصدرية. أما بالنسبة للخطة العلاجية فهي تتكون من نصح الطفل أو الطفلة والأهل عن طريقة وأهمية الجلوس باستقامة وأيضا عمل برنامج تمريني مكثف بالعلاج الطبيعي لعمل جلسات تقوية وتمارين لمنطقة أعلى الظهر والكتفين بحيث تستطيع هذه العضلات لاحقاً القيام بهمة إسناد القوام ووضعه بشكل سليم. كما يتم إرشاد المريض أو المريضة إلى طريقة الجلوس الصحيحة خصوصاً عند الدراسة والمذاكرة أو عند استخدام الأجهزة الإلكترونية. أما الحزام الطبي الذي يسند منطقة أعلى الظهر ويشد الأكتاف إلى وضعها الطبيعي فنحن لا ننصح به بتاتاً لأنه يؤدي إلى تعديل القوام بشكل فوري ولكن على المدى الطويل فإن العضلات المحيطة في المنطقة والتي وظيفتها تعديل القوام سوف تترهل وبعد ذلك وبعد أن تتم إزالة الحزام فإن الحالة سوف تزداد سوءاً ولذلك فإنه دائماً ما أنبه الآباء والأمهات بأن الحزام سوف يضر أبناءهم على المدى الطويل لأنه يؤدي إلى ترهل العضلات وضعفها وهو عكس مايحاول عمله. وفي الغالبية العظمى من الحالات فإن التحسن يكون سريعا إذا ماتم تطبيق الخطة التي ذكرناها سابقاً. أما في حال إهمال هذه الخطة فإن ذلك قد يؤدي أن تصبح الحدبة دائمة بل وقد تؤدي إلى آلام في هذه المناطق لاسمح الله.
التحدب الغير معروف السبب
(idiobathic kybhosis)
في هذا النوع من التحدب يكون هناك فعلاً خلل في قوام الفقرات الصدرية المتراصة فوق بعضها بحيث تزداد درجة الميلان الطبيعي الذي يتراوح عادةً مابين 35 درجة إلى 45 درجة وقد تصل إلى 60 أو70 درجة. وفي هذا النوع لا يكون هناك سبب معروف وواضح لظهور الحدب ولكن هناك الكثير من النظريات التي تحاول تفسير ظهور هذه الحدبة ومنها الخلل في نمو الفقرات أو في نمو الغضاريف التي بين هذه الفقرات. وعلى أي حال فإن الحدبة في هذا النوع تكون أكبر وتكون غير قابلة للتعديل بشكل كامل عند الطلب من الطفل أن يجلس أو يقف بشكل سليم أما الأشعة السينية فإنها عادةً ما تبين وجود هذه الحدبة والتي قد تصل درجتها إلى 70 أو80 درجة. وبالنسبة للعلاج فإنه يعتمد على درجة التحدب ومدى تأثر الشكل الخارجي للمريض أو المريضة فإذا كان التحدب بسيطاً ولا يؤثر على شكل المريض الخارجي فإنه يتم الاكتفاء بكامل لجلسات الطبيعي ونصح الطفل أو الطفلة بالجلوس بالطريقة الصحيحة وعمل فحص دوري كل ستة أشهر للتأكد لعدم ازدياد درجة التحدب. أما إذا كان التحدب كبيراً ويبلغ 70 أو 80 درجة فإنه في هذه الحالة يتم اللجوء إلى التدخل الجراحي بهدف تعديل التقوس والتحدب وإعادته إلى الميلان الطبيعي ومنع زيادته وتحسين شكل قوام المريض. وعادةً مايتم التدخل الجراحي عن طريق عملية جراحية تستغرق حوالي الساعتين أو الثلاث ساعات يتم من خلالها وعن طريق استخدام براغيّ وأسياخ طبية لتعديل الجزء المريض من العامود الفقري وإعادته إلى شكله الطبيعي. وهذه العملية تعتبر عملية روتينية وذات نسبة نجاح كبيرة بإذن الله في إعادة الشكل الطبيعي للقوام ومنع زيادة التحدب في المستقبل لا سمح الله. أما في الحالات التي يتم إهمالها وتزداد لتصبح فوق 100 درجة أو تصبح قاسية فإن العملية تصبح أصعب ونسبة نجاحها أقل ويصعب تعدل التقوس بشكل طبيعي.
التحدب الناتج عن مرض هشاشة العظام
وهو تحدب مكتوب على الجميع وخصوصاً الذين يبلغون من العمر عتياً حيث إنه جزء من التطور الطبيعي للشيخوخة. وهذا النوع من التحدب سببه هو حدوث مرض هشاشة العظام وضعف في الفقرات الصدرية والقطنية مما يؤدي إلى انضغاط تدريجي وبطيء فيها عبر مرور السنين يؤدي إلى ظهور التحدب وأن يمشي الشيخ الكبير بمظهر الحدبة منحنياً إلى الأمام. ومع التطور الحديث للطب والعلم ومع الاكتشاف المبكر لمرض هشاشة العظام ووضع الخطة العلاجية فإنه يمكن تقليل نسبة حدوث هذا النوع من التحدب بشكل كبير. وفي بعض الحالات التي تكون فيها هشاشة العظام شديدة فإن التحدب قد يكون نتيجة كسور انضغاطية في فقرة أو فقرتين أو ثلاث فقرات من فقرات العامود الفقري مما يؤدي إلى ظهور التحدب ويصاحبه في هذه الحالات وجود آلام شديدة في المنطقة المريضة. وفي هذه الحالات يكون التشخيص بطريقة الأشعة السينية والأشعة المقطعية وأشعة الرنين المغناطيسي. أما بالنسبة للعلاج فإنه قد يتطلب استخدام الحقن الإسمنتية داخل الفقرات أو حتى عمل جراحة لتثبيت الفقرات في بعض الحالات.
التحدب الناتج عن أمراض العضلات والأعصاب
(neuromuscular kybhosis)
وهذا التحدب يظهر لدى المرضى الذين لديهم أمراض شديدة في العضلات أو في الأعصاب أو في النخاع الشوكي مما يؤدي إلى خلل أو انعدام لوظائف العضلات والأربطة المحيطة والساندة للعامود الفقري. هذا الخلل يؤدي إلى عدم قدرة هذه العضلات على وضع والمحافظة على استقامة العامود الفقري مما يؤدي إلى ظهور التحدب تدريجياً لدى هؤلاء المرضى وخصوصاً مع التقدم في السن والنمو. وهذا المرض يظهر لدى المرضى الذين يصابون مثلاً بمرض الصلب المشقوق أو مرض الشلل الدماغي أو أمراض الشلل النصفي أو الشلل الرباعي عفانا الله وإياكم. وفي هذه الحالات قد يزداد التحدب والتقوس عند مرحلة النمو والبلوغ ويؤدي إلى زيادة الحدبة ويؤدي إلى ضغط على الرئتين نتيجة التقوس. وفي هذه الحالات بالذات عادةً مايكون التدخل الجراحي ضرورياً لأن المرض يزداد مع الوقت ولا يمكن علاجه عن طريق العلاج الطبيعي أو الأحزمة وإنما يستدعي التدخل الجراحي لتثبيت الفقرات المريضة وتعديل الحدبة لتفادي زيادة التقوس ولتفادي المشاكل المحتملة نتيجة الضغط على الأحشاء وعلى الرئتين في المستقبل لا سمح الله.
التحدب الناتج عن الكسور والالتهابات
كما هو معرف فإن العامود الفقري هو عرضة لكثير من الإصابات والأمراض التي تؤدي إلى نخر في أجزاء الفقرات أو حدوث كسور فيها وبالتالي إلى خلل في عمل هذه الفقرات وعدم الثبات فيها وانعدام قدرتها على تحمل وزن الجسم الواقع فوقها نتيجة الكسر أو الإصابة أو نتيجة التهابات جرثومية أو أورام أو هشاشة شديدة فيها. هذا النخر أو الكسر يؤدي إلى أن تفقد الفقرة المريضة توازنها وقوتها وتنضغط تحت وزن أجزاء الجسم الواقعة فوقها مما يؤدي إلى ظهور تحدب في الجزء المريض أو المصاب من العامود الفقري. ومع مرور الوقت فإن الكسر أو الالتهاب الجرثوي قد يتم علاجه أو قد يلتئم في وضع معيب مما يؤدي إلى دوام هذا التحدب في الفقرات. وعادةً مايشتكي المريض أو المريضة من وجود تشوه أو تحدب في منطقة منتصف الظهر مع وجود آلام مزمنة في هذه المنطقة تزداد مع الوقوف ومع المشي وقد تصاحبها أعراض ضعف في الفخذين أو الساقين عندما يكون هناك ضغط على الأعصاب نتيجة هذا التحدب. وفي هذه الحالات يكون التشخيص عن طريق أخذ التاريخ المرضي الذي قد يبين وجود إصابة قديمة للفقرات أو حادث قديم أو وجود مرض سل أو مرض حمى مالطية أو أي أمراض أخرى أصابت العامود الفقري في السابق وتم علاجها. كما أن المريض يشتكي من آلام مزمنة تزداد شدتها مع المجهود ويشتكي بالإضافة إلى ذلك من وجود تغير في شكل الظهر. وبالنسبة للتشخيص فإنه يتم عبر الأشعات السينية أو المقطيعة والمغناطيسية التي تبين وجود الفقرة المريضة ووجود التحدب في منطقتها وأيضاً وجود الضغط على النخاع الشوكي إذا ما كان هناك ضغط عليه. أما بالنسبة للعلاج فإنه يعتمد على السبب الأصلي لحدوث هذا التحدب وعلى درجة التحدب الحالية ومدى تأثيره على حياة المريض أو المريضة. فمثلاً يجب التأكد من أن الالتهاب الجرثومي الذي أدى إلى تسوس الفقرة ونخرها وانكسارها قديماً قد تم علاجه بشكل كامل بحيث لا توجد آثار التهاب في الحاضر. وإذا ماكانت الأعراض بسيطة فإنه يمكن علاج المريض أو المريضة عن طريق الأدوية المسكنة والأدوية المضادة لالتهابات العضلات وجلسات العلاج الطبيعي والأحزمة الطبية بمختلف أنواعها. أما إذا كان التحدب شديداً فإن في هذه الحالة يستدعي التدخل الجراحي لإعادة العامود الفقري إلى شكله الطبيعي وتثبيته وإعادة بناء الفقرة المصابة. والحقيقة أن هذه الفئة من الحدبة هي أصعب فئة من ناحية التدخل الجراحي حيث ان العمليات الجراحية لتعديل هذه الحدبة تستدعي تخطيطاً مسبقاً وقد يستلزم الأمر أكثر من عملية جراحية من الأمام ومن الخلف يتم من خلالها إزالة الأجزاء المريضة من الفقرة المتفتتة وإعادة بناء الفقرة وتعديل قوام العامود الفقري وتثبيته ببراغيّ وأسياخ طبية عالية الجودة. هذه العمليات الجراحية هي ذات تكلفة عالية وتستدعي عملها في مراكز متخصصة لجراحة العامود الفقري. وعلى الرغم من صعوبة هذه العمليات الجراحية إلا أن الفئة من المرضى الذين يحتاجون إليها هي فئة قليلة والحمد الله.
النصائح والتوصيات
هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى ظهور التحدب في الظهر. وعلى الرغم من أن التحدب هو حالات حميدة ويمكن علاجها بطرق تحفظية إلا أنه من الواجب على المريض وعلى الطبيب المعالج التوصل إلى تشخيص دقيق ووضع الخطة العلاجية المناسبة والمتابعة المستمرة لكي يتم تفادي ازدياد هذه الحدبة ولكي يتم تفادي الحاجة إلى التدخل الجراحي.
الجلوس بطريقة غير صحيحة يؤدي إلى ظهور الحدبة