الوقاية من عدوى السل
د. محمد القذلان *
منذ القدم عرف عنه كداء ضل يفتك بالإنسان، حتى مطلع الخمسينيات الميلادية الماضية عندما اكتشف علاج لهذا المرض، والمسمى بالسل أو الدرن، فيعتبر السل أحد الأمراض التنفسية المعدية والتي تمتلك خاصية الانتقال عن طريق الهواء بسهولة من إفرازات رئة المريض إلى من حوله، فعند إصابة الشخص السليم فإن الإصابة غالباً ما يتم اكتسابها عن طريق المجاري التنفسية، لتستقر الجرثومة بعد ذلك في أعماق الرئة، ويبدأ دور المناعة هنا؛ إما أن تتخلص من السل، أو تبقيه كامناً، وفي حالة نزول المناعة فإن السل ينشط وتكون أعراضه ظاهرة على المريض، ويجب الإشارة إلى أن السل قد ينشط في أماكن أخرى غير الرئة وتكون أعراضه طبقا لمكان الإصابة من التهابات العظام والأمعاء أو التهاب الجهاز العصبي.
لذلك من الضروري معرفة مرضى السل النشط وتشخيصهم لمعرفة طرق الوقاية، وخصوصاً إذا ما كانت الإصابة في الرئة أو المجاري التنفسية، حيث تنتشر جزيئات بكتيريا السل في الهواء المحيط أثناء حديث الشخص المصاب أو سعاله، ويساعدها خفة وزنها في البقاء معلقة في الهواء لفترات أطول نسبيا، مما يجعلها خطراً على الأشخاص الغير مصابين، لهذا السبب تبرز أهمية التوعية بكيفية الوقاية من السل خاصة للأشخاص أكثر عرضة للعدوى.
فالأشخاص الأكثر عرضة للإصابة، هم المصابون بفيروس نقص المناعة، مرضى السكري، مرضى السرطان والذين تتم معالجتهم بالأدوية الكيميائية، والأشخاص الذين خضعوا لعملية زراعة أعضاء ويتم إعطاؤهم أدوية مثبطة للمناعة، أو المسافرين إلى المناطق التي تكثر فيها حالات الإصابة بالدرن مثل: جنوب أفريقيا، الهند، الصين، المكسيك، وبعض دول شرق آسيا، والتواجد بشكل يومي مع شخص مصاب.
فبداية الوقاية تبدأ من التشخيص الصحيح لحالات السعال المزمنة، بوجود الحمى أو بدونها وعدم اهمالها وبحث أسبابها والتأكد من فحص السل، وذلك لعزل المريض وعلاجه قبل أن ينقل العدوى للغير، وكثير من الحالات تشخص في وقت متأخر وتكون العدوى قد انتقلت لأشخاص آخرين.
ثانيا، العزل التنفسي المناسب للمريض؛ فيكون المريض في غرفة مخصصة سالبة الضغط، بحيث أن الهواء لا يتسرب إلى أقسام المستشفى وإنما إلى الخارج بعد تصفيته، ومدة العزل تتراوح من أسبوعين إلى أكثر، ويحددها حالة المريض وسرعة استجابته للعلاج، ولا يلزم المريض البقاء كامل المدة في المستشفى، فعندما يكون قادراً على اتباع التعليمات ووجود بيئة مناسبة في المنزل، واستعداد المخالطين بأخذ الاحتياطات اللازمة، يمكنه الخروج ولكن ينصح المصاب بالدرن النشط بالأمور التالية:
• البقاء في المنزل، وفي غرفة خاصة (خصوصًا في الأسابيع الأولى من العدوى).
• تهوية الغرفة بشكل مستمر.
• تغطية الفم والأنف عند الحديث أوالعطس أوالسعال.
• ارتداء الكمامة عند التجول أو التواجد مع أشخاص آخرين.
• الحرص على أخذ الدواء في أوقاته المحددة ولمدة العلاج الكاملة.
ويجب الإشارة إلى أن السل الكامن أو النشط في مكان غير الرئة أو المجاري التنفسية لا يستوجب العزل التنفسي في أغلب الأحوال إلا إذا قرر الطبيب المختص.
أخيرا ينبغي الحذر عند التعامل مع أي من مصادر العدوى المحتملة؛ كالالتزام بتعليمات وشروط الزيارة لمريض السل المنوم في قسم العزل، وذلك بلبس الكمامات والملابس المخصصة، أيضا الالتزام بتعليمات الوقاية والنظافة العامة عند السفر للبلدان الأجنبية التي يكثر فيها السل والأمراض التنفسية الأخرى، وذلك بتجنب وسائل انتقال العدوى كمشاركة الطعام والشراب، والمصافحة والتقبيل مع الأشخاص الذين يظهر عليهم أعراض مشابهة، بالإضافة إلى تجنب استخدام دورات المياه العامة غير النظيفة.
* قسم الأمراض المعدية
مرض السل.. ونسبة الشفاء العالية
د. جواهر العتيبي *
ينتج مرض السل أو الدرن عن الإصابة ببكتيريا المتفطرة السلية، والتي عادة ما تصيب الجهاز التنفسي للإنسان، وقد تنتقل العدوى عن طريق الدم أو الجهاز الليمفاوي فتصيب أعضاء أخرى من الجسم مثل المخ، الكليتين، الغشاء البريتوني، العمود الفقري والغدد الليمفاوية وغيرها.
ويتنقل المرض عن طريق الاختلاط المباشر مع المصابين، من خلال استنشاق الرذاذ المتطاير في الهواء من الشخص المصاب أثناء الكحة أو العطاس، أو الرذاذ المتطاير أثناء الحديث، وتزداد نسبة الإصابة بالجلوس مع الشخص المصاب عن قرب لفترات طويلة، وفي معظم حالات العدوى، حوالي (70%) من الأشخاص عند تعرضهم لجرثومة الدرن، تستطيع المناعة لديهم السيطرة عليها ومقاومتها دون التسبب بأعراض ظاهرة، وذلك يسمى الدرن الكامن، ويعتبر غير معد في هذه الحالة، إلا أن جرثومة الدرن الكامنة تبقى في جسم الإنسان لسنوات طويلة قد تمتد طيلة الحياة بدون أي نشاط، ولكنها قد تنشط عند ضعف المناعة مع تقدم العمر، أو بسبب سوء التغذية، أو الإصابة بالسكري، أو بسبب تناول التبغ وغيرها من مخفضات المناعة، أو حدوث خلل في الجهاز المناعي، وذلك عند الإصابة بالأورام السرطانية أو تناول أدوية مثبطة للمناعة مثل الكورتيزون أو العلاجات الكيميائية.
أما الدرن النشط فيكون مصحوباً بأعراض ظاهرة وواضحة، وتكون نسبة 60-65% ناتجة عن عدوى في الرئة، أو ما يسمى (الدرن الرئوي المفتوح)، وكما ذكر سابقا يمكن أن يصيب الدرن أي عضو من أعضاء الجسم مثل الدماغ، الغدد الليمفاوية والكبد وأعضاء أخرى منفصلة أو مجتمعة، وتختلف الأعراض بحسب مكان الإصابة.
والأعراض المصاحبة للدرن النشط تتراوح ما بين الشديدة والخفيفة، وتختلف من شخص لآخر بحسب شدة المرض وموضع الإصابة، فعادة ما تكون له أعراض عامة مثل نقص في الوزن، قلة الشهية، التعرق الليلي والحمى، وغالبا ما تكون الإصابة في الجهاز التنفسي، فيصاحب الأعراض السابقة أعراض أخرى، مثل كحة وضيق في التنفس وبلغم، وربما يكون البلغم مصحوبا بالدم أحيانا، ولا يكون الدرن معدياً إلا في حالة الإصابة به في الجهاز التنفسي، أي في الرئتين أو القصبة الهوائية أو الحنجرة، أما إذا كانت الإصابة به في أعضاء أخرى من الجسم فهو غير معد.
ويمكن تشخيص الدرن الكامن عن طريق اختبار الجلد أو اختبار الدم، والمسمى بالكوانتيفيرون، أما الدرن النشط فيمكن تشخيصه عن طريق فحص البلغم في حالات الدرن الرئوي، أو عن طريق فحص الأنسجة المصابة بواسطة المجهر، وأيضا بالقيام بزراعة عينات البلغم والأنسجة عن طريق استخدام تقنيات جديدة مثل تقنية البلمرة الجزيئية (مصطلح كيميائي يرمز لعملية تفاعل جزيئات المواحيد مع بعضها وفق تفاعل كيميائي لتُشكِّل شبكات ثلاثية الأبعاد أو سلاسل بوليمرية، يوجد عدة أشكال للبلمرة وأنظمة مختلفة لتصنيفها..)
وعادة ما يتم عزل المرضى المصابين في المستشفيات في غرف خاصة، ويمكن عزل بعض المرضى في منازلهم شريطة عدم الاختلاط بالمجتمع واتباع الإرشادات الصحية، وتتراوح مدة العزل ما بين أسبوعين منذ بدء العلاج، وقد تطول مدة العزل بحسب حالة المريض وخلو فحص البلغم من بكتيريا السل، ويمكن مخالطة المرضى خلال مدة العزل شريطة الالتزام بلبس الكمامات الخاصة لمرضى العزل.
وبالرغم من سرعة انتشاره وشدة أعراضه عند البعض، إلا أن مرض الدرن يعتبر مرضا يمكن علاجه والشفاء منه بطريقة فعالة عن طريق الأدوية، وتعد نسبة الشفاء منه عالية جدا، تفوق نسبة ال 90% في أغلب الحالات، ويعتبر علاجه من العلاجات السهلة والمتوفرة في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة في أنحاء العالم، وتؤخذ أدويته عن طرق الفم لفترات علاجية مختلفة بحسب نوع الإصابة، وتتراوح الفترة العلاجية بين 6-18 شهرا بحسب نوعية البكتيريا ومقاومتها للأدوية ومكان الإصابة الأولية واستجابتها للأدوية الأولية لعلاج مرض الدرن، وتحدد الاستجابة للعلاج من خلال التزام المريض بأخذ الأدوية بانتظام خلال فترة العلاج، وعدم الانقطاع عنها لأي سبب، لأن الانقطاع عن أدوية الدرن أو عدم المواظبة عليها قد ينتج عنه مقاومة البكتيريا للأدوية الفعالة.
وأخيراً، فإن الوقاية أهم من رحلة العلاج المضنية والشاقة، فمرض الدرن مرض يمكن الوقاية من الإصابة به، والوقاية من انتشاره بأخذ التدابير الوقائية اللازمة من خلال عدم مخالطة المرضى المصابين قبل علاجهم إلا بعد تغطية الفم والأنف بالكمام الخاص، وكذلك عن طريق فحص العمالة المنزلية في مراكز موثوقة عند قدومهم للعمل من مناطق ودول ينتشر فيها الدرن بنسبة كبيرة، وكذلك من خلال فحص جميع المخالطين لمن ثبتت إصابتهم بدرن رئوي مفتوح، وكذلك يعد التشخيص المبكر للسل الكامن وعلاجه بالأدوية الوقائية قبل نشاطه خطوة فعالة جدا للحد من الإصابة به مستقبلاً.
* قسم الأمراض المعدية للكبار
أدوية داء السل
د. صيدلانية أمل ميس العنزي *
مع تقدم الطب وتطوره اكتشفت مجموعة من الأدوية الفعالة في القضاء التام على مرض السل، لتصل نسبة الشفاء من المرض 90% تقريباً، ويعتمد اختيار الخطة العلاجية على نوع البكتيريا الممرضة بشكل رئيسي، إذ قد تكون من النوع الذي يستجيب لخط الدفاع الأول من الأدوية، بالتالي يتم علاج المرض خلال ستة أشهر، وفي حال كانت البكتيريا الممرضة مقاومة لخط الدفاع الأول يتم تغيير الأدوية وكذلك تمديد مدة العلاج إلى ما يقارب 18 شهرا.
وبناء على عدد من الدراسات الدوائية المختصة بعلاج مرض الدرن، وجد أن البكتيريا المسببة للمرض، لديها القدرة على مقاومة المزيج الدوائي الرباعي المستخدم كخط الدفاع الأول للقضاء على هذه البكتيريا، هذا المزيج مكون من: إيزونيازيد، ريفامبين، إيثامبوتول، بيرازيناميد، والهدف من بدئها مجتمعة أن لكل منها آلية عمل مختلفة لغايتين: الأولى القضاء على البكتيريا المسببة للسل الرئوي، وإخراج المريض من مرحلة العزل، وهي المرحلة التي تكون فيها العدوى لمن حوله شديدة من خلال السعال، الثانية: منع تطور البكتيريا ومقاومتها للأدوية، بشرط التزام المريض بأدويته وبتوصيات الطبيب المعالج، ويصبح المريض غير معدٍ عادة بعد أسبوعين من العلاج فيخرج من مرحلة العزل بعد عمل فحوصات تأكيدية.
بالرغم من فعالية الأدوية المستخدمة لعلاج الدرن، إلا أن لديها أعراضا جانبية مؤقتة على سبيل المثال لا الحصر: الغثيان ولكن مع استمرارية المريض عليها تبدأ تلك الأعراض بالتلاشي تدريجياً، وتتم متابعة المريض بشكل مكثف خلال فترة العلاج من أجل متابعة فعالية الأدوية في القضاء على البكتيريا، وأمان هذه الأدوية من خلال معرفة الأعراض التي عانى منها المريض بعد بدئه للعلاج، وفي حال وجود مقاومة بكتيرية للأدوية إما نتيجة لعدم التزام المريض بأخذ أدويته، أو بسبب نوع البكتيريا التي أصيب بها فقد تكون من النوع المقاوم، يقوم الطبيب المعالج بتغيير الخطة العلاجية إلى خط الدفاع الثاني من الأدوية التي بالرغم من أنها أقل فعالية من الأولى إلا أنها ناجحة في مثل هذه الحالة مع زيادة في فترة العلاج.
يظل حجر الأساس في نجاح الأدوية وتغلبها على بكتيريا مرض السل هو المريض ذاته؛ إذ أن خطورة مرض السل لا تتوقف على المريض فحسب، بل تمتد إلى أسرته، فالمجتمع، لذلك يعد التزامه ضرورة لإيقاف الضرر، ابتداء به وبالمقربين منه، وسبب في شفاء المريض بإذن الله.
ولتفادي الإصابة بهذا المرض يجب الالتزام بأخذ اللقاح الطبي ضد مرض الدرن والمجدول في لائحة تطعيم المواليد، بالإضافة إلى أخذ الاحتياطات اللازمة للمصاحبين لمريض السل، وذلك بارتداء الكمام المصمم لعزل البكتيريا عند زيارة المريض، وغسل اليدين قبل الدخول وبعد الخروج من مكان الشخص المصاب.
نخلص إلى أن أدوية مرض السل تنحصر في مساري دفاع، الأول وهو الأهم والمستخدم بشكل رئيسي في علاج المرض، أما المسار الثاني فيعد ثانوياً رغم فعاليته، ويتوقف الأمر في أساسه على وعي وتعاون الشخص المصاب والمجتمع من حوله.