التوحد
اضطراب التوحد يعتبر من الاضطرابات العصبية النمائية التي تؤثر بشكل مباشر على قدرة الطفل على التواصل والتفاعل مع الآخرين وعدم القدرة على التكيف مع البيئة التي يعيش فيها.
إن تاريخ ظهور التوحد يعطينا فهماً أكثر شمولية لبداية ظهوره واكتشافه والمراحل التى مر بها، وكذلك ما توصلت إليه البحوث والدراسات في محاولة للإلمام بكافة جوانب هذا الاضطراب، لقد وردت قصص كثيرة فى الآداب القديمة عن أفراد كان يبدو أنهم عانوا من التوحد نوعا ما، وعلى الرغم من عدم ثبوت تشخيص حالة أولئك الأشخاص بالتوحد آنذاك، إلا أنه عند مقارنة أعراض التوحد المعروفة حاليا مع وصف حالات الأفراد في بعض القصص الأدبية القديمة نرى أنها تتطابق إلى حد كبير.
بدأ عدد من العلماء بالتعرف على خصائص التوحد بالقرن الماضي، حيث قام «ليو كانر» بدراسة عدد من الأطفال اشتركوا في سلوكيات لا تتشابه مع أي اضطرابات معروفة آنذاك، حيث اقترح ادراج هذه السلوكيات تحت «التوحد الطفولي» وشملت الأعراض: المصاداة، انعزالية مفرطة، تأخر في اللغة، حساسية مفرطة إزاء المؤثرات الخارجية، والرفض الشديد للتغيير، وتجدر الإشارة هنا إلى أن أهم ملاحظة ل «كانر» كانت أن آباء وأمهات هؤلاء الأطفال يتسمون بالبرود العاطفي، معتقدا أن ذلك هو السبب الرئيسي لإصابة الطفل بهذا الاضطراب، وفي الوقت نفسه أطلق «هانز اسبرجر» اسم «التوحد الطفولي» على مجموعة من الأطفال وجد لديهم مهارات إدراكية عالية، تواصل بصري غير طبيعي، انحراف اجتماعي واضح، ارتباط شديد بالأعمال الروتينية، تمسك استبدادي بالأشياء، مهارات حركية غير متقنة، استخدام غير صحيح للغة.
استمرت الأبحاث والدراسات فيما بعد، وتم وضع معايير لتشخيص التوحد تم تعديلها مع التقدم في تلك الأبحاث، ولعل أهم ما نشر في هذا المجال هو النشرات المتعاقبة للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الصادرة عن المنظمة النفسية الأميركية، لا سيما الإصدار الخامس حيث بيّن معايير التشخيص الجديدة لاضطراب طيف التوحد، وحسب هذا الإصدار فإن الطفل يمكن تشخيصه كمصاب باضطراب طيف التوحد، إذا توفرت فيه السمات التالية: ضعف مستمر في التواصل والتفاعل الاجتماعي في مجالات التبادلية العاطفية والاجتماعية وتكوين العلاقات مع الآخرين وضعف التواصل غير اللفظي، السلوكيات النمطية والتكرارية والأنشطة غير الاعتيادية والاستجابة غير العادية للمثيرات الحسية، وأن تلك الأعراض يجب أن تظهر خلال مرحلة الطفولة المبكرة وتؤثر على وظائفه اليومية وبشكل مستمر.
إن أسباب التوحد ما زالت قيد الدراسة حتى الآن، إلا أنه تم استنتاج أن هذا الاضطراب يتعلق بعوامل جينية أو عوامل بيئية، مثل ظروف الحمل للأم والولادة للجنين والكيماويات السامة واضطرابات التمثيل الأيضي والمناعة، كما أنه يصيب الذكور أكثر من الإناث.
ينتج عن اضطراب التوحد الكثير من المشكلات السلوكية والتي تكون مرتبطة بعوارض وسمات الاضطراب مثل الغضب والعصبية، وعدم القدرة على القيام بالنشاطات الحياتية والاعتناء بالذات كاستخدام الحمام، ومشاكل النوم وتناول الطعام وغيرها من المشاكل الأخرى.
يرتكز علاج التوحد على عدة مرتكزات أساسية، مثل استشارة الطبيب وتقديم التدخل المناسب في مجالات العلاج السلوكي والنفسي والأكاديمي والاجتماعي والحسي وغيرها من المجالات التي قد تكون ضرورية للتقليل من آثار الاضطراب وتحسين مدى تكيف المصاب مع البيئة المحيطة به.
لقد أثبتت الدراسات والأبحاث أهمية تحليل السلوك التطبيقي كعلم يمكن تطبيق مبادئه في عملية العلاج، لا سيما التدخل المبكر وإدارة وعلاج السلوكيات المرغوبة وغير المرغوبة، حيث تمت الاستفادة من هذه المبادئ في طرق علاجية ثبت نجاحها، مثل طريقة تبادل الصور للتواصل مع الآخرين، تعليم المهارات الجديدة، السيطرة على السلوكيات غير المرغوبة، وتحسين المهارات الأكاديمية والاجتماعية.
* مركز أبحاث التوحد