«الشك» في كل شيء يحول حياة الشخص إلى جحيم ويفقده الثقة في نفسه وفيمن حوله
شك الزوج في تصرفات زوجته قد يقوده لارتكاب الجريمة
تحقيق - سعيد المبارك
يعتبر مرض الشك والوسوسة أحد الأمراض النفسية المنتشرة في العصر الحديث والتي تصيب فئة من الناس وتحديداً فوق سن العشرين حيث يجهل الكثير من المصابين بالمرض طبيعة حالتهم المرضية ويتصرفون كأنهم أسوياء أصحاء لا يشكون من أي مرض، وعلى الطرف الآخر يجهل الكثير من الناس الأصحاء كيفية التعامل السليم مع الأشخاص المصابين بمرض الوسوسة والشك حيث يتجنب البعض منهم مخالطة الإنسان المصاب بهذا المرض خوفاً من الدخول في العديد من المشاكل والتي هم في غنى عنها، بينما يفضل فئة أخرى من الناس التعامل مع المريض بحيطة وحذر مقدرين الحالة المرضية التي تدفع المصاب بهذا المرض إلى فعل سلوكيات وأفعال مرضية خارجة عن إرادته.
طريق الى الشك
ويعرف الشيخ زيد البحري -إمام وخطيب جامع السبعان بالرياض ومشرف تربوي وباحث شرعي- الوسوسة حسب موقعه الالكتروني بأنها "إلقاء خفي من الشيطان في نفس ابن آدم من خواطر وشرٍ ومما لا خير فيه، مضيفاً بأن ابن القيم رحمه الله قسم الوسواس إلى الوسواس نوعان إنسي وجني، فوسوسة الجني هو ما يلقيه في نفس ابن آدم من غير صوت، بينما وسوسة الإنسي في بني جنسه الإنسي لابد أن يكون عن طريق الأذن بالصوت". ويضيف: بأن خطر الشيطان خطر عظيم ولذا أُمِرنا بالتعوذ من شره في قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ"1" مَلِكِ النَّاسِ"2" إِلَهِ النَّاسِ"3" مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ"4" الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ"5" مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) كما أمر الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو أمر لجميع الأمة أن يستعيذوا بالله عز وجل الذي هو رب الناس ومالكهم ومعبودهم أن يستعيذوا به عز وجل من شر الوسواس الخناس حيث أن الْوَسْوَاسِ يوسوس إذا غفل ابن آدم عن ذكر الله، و(الْخَنَّاس )صفة أخرى للشيطان وهو أنه يخنس ويبتعد إذا ذكر العبد ربه عز وجل، ثم ذكر عز وجل نوعي الموسوس من الجن والإنس وقال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ) قال القرطبي رحمه الله: (قيل إن وسوسة الشيطان لآدم وحواء وهما في الجنة من خارج الجنة بما أعطي من السلطة التي جعلت له، وقيل إن وسوسته لآدم وحواء إنما هو بدخوله إلى الجنة) قال تعالى
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) ولقد أعطى الله عز وجل هذا الشيطان من القدرة العظيمة التي بها يغوي بني آدم قال عز وجل عنه انه قال
ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)، وقال عز وجل عنه (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً).
ويذكر الشيخ البحري أن الوسوسة لا يسلم منها أحد أبدا قال عز وجل (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)، لكن ما الذي يؤاخذ عليه ابن آدم؟ ما ذكره الله عز وجل بعد ذلك قال تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ)، فإذا أحدثت هذه الوسوسة شرا في جوارح ابن آدم يؤاخذ عليها، وإلا فقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين (إن الله تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) إذا عجز الشيطان عن إغواء بني آدم عن طريق إيقاعه في الذنب أتاه عن طريق العبادة، ولعلاج الوسوسة يوضح البحري أن واجب على المسلم أن يدع الوساوس لأن الوساوس طريق إلى الشك والشك طريقه إلى الكفر بالله عز وجل، ولا نرى المُوسوس إلا وقد فقد ثقته بنفسه وبغيره، حتى إن الناس إذا رأوا هذا الموسوس اجتنبوا مجالسته لأنهم لا يعدونه من الأصحاء فلا يعدونه إلا من المرضى.
تفكير خاطئ
ويرى خالد العصيمي أن بعض المصابين بالشك والوسواس خصوصاً إذا وصل إلى مرحلة مرضية متقدمة يعانون من عدم استقرار اسري إذا كان المريض متزوج ولديه أسرة حيث تظهر بعض الأعراض القوية التي تهز كيان الأسرة مثل شك المريض في زوجته عندما تخرج من المنزل، أو اتهام الزوجة بعمل تصرفات أو سلوكيات تهدد الزوج وتضر به من خلال السحر أو عدم محبته والرغبة في التخلص منه، أو معاناة أبناء وبنات المريض من خلال الشك في تصرفاتهم ومنعهم من الاختلاط بالآخرين حتى لو كان من الأقارب والأصدقاء ومنعهم من الخروج من المنزل إلا برفقته أو رفض الأب المريض من وجود أجهزة المحمول لكافة الأسرة خوفاً من الاستخدام السيئ لهذه الأجهزة، مرجعاً ذلك إلى عزوف المصابين بهذا المرض عن مراجعة الطبيب والاستسلام للوساوس والشك والذي تسبب في انهيار الكثير من الأسر وتفككها.
مشكلة المخدرات
ويقول علي الزهراني أن الكثير من الناس تتحاشى الشخص المريض بالوسوسة خوفاً من الدخول في مشاكل هم في غنى عنها، نظراً لشك المريض في بعض التصرفات التي تصدر من الآخرين وأن كانت عفوية ليس المقصود بها أحد مضيفاً بأن الشخص الذي وقع في براثن المخدرات لديه نسبة عالية من الشك والوسوسة في كافة المحيطين به حتى ولو كانوا من أسرته أو أصدقائه حيث يعتقد أن الجميع ضده ويسعون للقضاء عليه وتدميره، متمنياً من الجميع وخصوصاً فئة الشباب الابتعاد عن كل ما يضر صحتهم أو حياتهم مثل المخدرات والتي تسبب الهلوسة وتغييب العقل والهروب من الواقع والذي بلا شك أفضل من المواد المخدرة والتي تدمر الصحة وتهدر المال وتقضي على المستقبل.
دعم المريض
ويطالب عبدالله النمشان بدعم المريض المصاب بالوسوسة لأنه من وجهة نظره يفتقد إلى الثقة بنفسه، ويرى أنه شخص سوي مثل بقية الاشخاص الأسوياء مخالفاً لواقع المرض الذي يعاني منه، مضيفاً بأنه يجب مساعدة المريض ومعاملته معاملة طبية وحسنة وعدم السخرية منه أو توبيخه، بل يجب أن يتعامل معه الجميع بكل لطف وأدب ويوضح له بأسلوب خاص ومناسب بأنه يعاني من مشكلة بسيطة وموجودة عند كثير من الناس وأن الانسان مبتلى ولا يوجد إنسان لا يعاني من الأمراض ويجب أن يذهب للطبيب ويشرح حالته بشكل دقيق حتى يستطيع أن يحل المشكلة التي يعاني منها وأن يتقبل العلاج ويواظب عليه حتى يستطيع أن يتجاوز الحالة المرضية التي يعاني منها.
انتحار
ويرى عبدالرحمن الحارثي أن المرضى المصابين بالوساوس القهرية يعانون معاناة دائمة بسبب هذه الوساوس حيث تؤثر على حياتهم ومستقبلهم وكافة شؤون حياتهم، على الرغم من أن بعض المرضى لديهم تعليم عال وناجحون في حياتهم، مستدركا إلا أن بعضهم تظهر عليه بعض أعراض هذه الوساوس وتدفعهم للأسف إلى الانعزال عن الناس والخوف منهم حيث يصل المريض إلى مرحلة من الضعف وعدم التوكل على الله والاستماع إلى نصائح العلماء من كيفية مواجهة المرض، مضيفاً ومع الأسف يرى المريض أن الطريق الوحيد للراحة من المرض الذي يعاني منه هو الانتحار والموت رافضاً مواجهة المرض والعلاج والصبر على المرض.
ويقول فيصل الدوسري بأن الكثير من العلماء الشرعيين يرد إليهم دائماً الكثير من الاسئلة والاستفسارات من البعض سواء رجال أو نساء، حيث يشكون من الشك والوسوسة في العبادات في الصلاة والوضوء والعمرة والحج نظراً لمعاناتهم من هذا المرض مرجعاً ذلك إلى الشيطان الذي يوسوس للإنسان في عباداته وطاعته ليصرفه عن أداء الأعمال الصالحة مضيفاً بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يشتكون من الوسوسة.
تشخيص الحالة
ويبين د. مصطفى حسين - استشاري الطب النفسي- أن الوساوس القهرية تظهر على عدة أشكال وأنماط حيث إن بعض المرضى يعاني من وسواس قهري واحد مثل الخوف من الموت أو بعض المرضى الذي يعاني من عدة وساوس قهرية متعددة قد تستمر لسنوات طويلة في حال لم يتجاوب المريض مع نصائح وإرشادات الطبيب المعالج حيث لا يستطيع بعض المرضى من التغلب على هذه الوساوس ويحسون بعدم مقدرتهم من التغلب عليها بسبب الضعف الداخلي لدى المريض وضعف العزيمة والهمة في التغلب على المرض.
ويوضح د. مصطفى حسين أن من الأمثلة على الوساوس القهرية التي تصيب المريض هي: الخوف من السقوط من الأماكن المرتفعة، والخوف من التعرض للاغتصاب أو القتل للمريض أو أفراد أسرته، وكذلك الاهتمام المبالغ فيه بالنظافة الشخصية حيث يرى المريض بأن هناك روائح كريهة تنبعث من داخله، أو الخوف من أن الأكل قد يكون خطيراً أو متعفناً وقد يقتله، وأيضاً الإحساس بأن الناس تكرهه أو قد تسبب له الأذى أو الخوف من السحر أو الحسد بدون وجود سبب حيث قد يطال الاتهام لأقرب الناس.
الشك يقود لتصرفات سلبية نتائجها معقدة
علاج مريض الوسواس يحتاج لطبيب متخصص