يجب أن يناقش المريض طبيبه في كل دواء لماذا؟ ومتى؟ وكيف؟
خالد النمر
عم ناصر رجل في السبعين من عمره لديه ضعف في عضلة القلب ويعاني من ضيق التنفس ولكن المشكلة التي أتت به الى عيادة القلب هو إصرار ابنته على رؤيته للطبيب رغم ان عم ناصر يعتقد انه "طيب ومافيه شيء"؟ وعند فحص عم ناصر تبين انه يعاني من تدهور حالة قلبه وزيادة السوائل في الرئتين وتورم القدمين .. وعند البحث الدقيق ورؤية ادويته وذلك بعدد حبة الدواء في كل علبة تبين انه لم يتناول منها شيئا خلال الأربعة عشر يوما الماضية!! فسأله الطبيب لماذا لم تأخذ الدواء خلال الأسبوعين الماضيين؟؟ فأجاب بغضب ونبرة صوت عالية " كيسين علاجات يادكتور.. هذا حرام والله"!! فاتضح ان المشكلة عنده في كثرة الأدوية التي يستخدمها فكانت ردة فعله السلبية ان أوقف تناول جميع علاجاته ؟! وعند مراجعة علاجاته التي يحتاجها فعلا اتضح انها خمسة ادويه فقط!!
وهذا السيناريو أعلاه رأيته في عدة حالات حديثة لرجال ونساء من المرضى فقررت ان أسلط الضوء على عدة نقاط مهمة حول هذا الموضوع:
أولا: معظم مرضى القلب الذين يعانون كثرة عدد الأدوية الموصوفة لهم يكونون فوق 60 سنة من العمر ويعانون امراضا متعددة مثل الضغط والسكري والكلسترول وضعف القلب وقصور الكلى واحتكاك المفاصل والاكتئاب والنقرس والربو المزمن وفقدان الذاكرة وهشاشة العظام... الخ.
ثانيا: كثرة العلاجات الموصوفة لأي مريض قلب من عدة تخصصات أخرى قد يكون سببه بالفعل هو ضعف التواصل والتنسيق بين الأطباء في التخصصات المختلفة وعدم وجود طبيب اسرة متمكن ينسق بين هذه التخصصات وملم بحالة المريض.
ثالثا: من الخطأ ان تترك أسرة المريض شخصا في السبعين من عمره يعاني من عدة امراض ومن ضعف الذاكرة والاكتئاب وضعف النظر وتجعل امامه كيسين من العلاجات لتلقي عليه مسؤولية تناول وتنسيق تلك العلاجات بل والانتظام عليها!! بل يجب ان يكون هناك شخص اخر في الأسرة مسؤول عن تلك الأمور الدقيقة وتنظيمها والتأكد من اخذها بانتظام.
رابعا: كثرة علاجات مرضى القلب لا تقتصر على الأدوية الموصوفة فقط وانما مما يزيد الطين بلة وجود كثير من الأدوية غير الموصوفة والتي تؤخذ مباشرة من الصيدليات او المحلات التجارية لأعراض الجسم المختلفة مثل المكملات الغذائية.
خامسا: من المفهوم علميا ان كثرة الأدوية للمريض الواحد تعرف بتعريفات مختلفة ولكن اكثرها توترا في الدراسات الحديثة هو أنه يعتبر عدد الأدوية كثيرا إذا زادت على 4 ادوية للشخص الواحد (هذه الزيادة الصغرى) اما (الزيادة الكبرى) فهي عندما يزداد عدد الأدوية الى أكثر من 10 ادوية للمريض الواحد.
سادسا: كثرة الأدوية للمريض الواحد مشكلة متعددة الجوانب فهي تزيد حدوث الاعراض الجانبية وتزيد تفاعل الدواء مع الأدوية الأخرى وتقلل نسبة التزام المريض بأدويته وتزيد نسبة الخطأ في صرف العلاج وترتيبه.
سابعا: من أخطر أمثلة التفاعلات الدوائية التي تحدث عند كبار السن هي تفاعل الاسبرين مع البلافكس وتأثيره على جدار المعدة مسببا نزيف المعدة وكذلك تقليل تأثير البلافكس مع الأدوية الأخرى مثل ادوية الحموضة النكسيم والرابيبرازول او الكالسيوم مع الديجوكسين او الاوميبرازول مع الديجوكسين.
ثامنا: وهنا لابد من التأكيد على نقطة هامة جدا.. وهي ان كثرة الأدوية اذا كان المريض يحتاجها يجب الا تولد لديه ردة فعل نفسية فيوقف الدواء من تلقاء نفسه او يتجه الى الأعشاب والعطارين فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.. ولذلك لابد من التأكيد ان إيقاف الدواء من دون توجيه الطبيب ظاهرة غير صحية وهي تحدث اما لعدم اعتراف المريض بالمرض وعدم قبوله من بداية التشخيص او من انخفاض مستوى الوعي الصحي للمريض وفي كلتا الحالتين قد تكون المضاعفات خطيرة جدا مثل انغلاق الدعامة فيمن يتناولون مضادات الصفائح الدموية.. ولذلك لابد من التأكد من قناعة المريض ومن حوله بالتشخيص أولا ثم إقناعه بأهمية الدواء المحدد لتللك الحالة ثانيا.. وقد يتأخر كثير من المرضى في القبول بالدواء لأنه يريد ان يجرب بعض الأعشاب او الطرق غير الكيميائية للتعامل مع مرضه كما يصور له من حوله من أصحابه ووظيفة الطبيب ان يبين له خطورة هذا المنحى ولكنه لا يستطيع اجباره على الدواء حتى يقبل بقناعة منه. ثم تأتي الخطوة الثانية وهي اشراك أحد افراد العائلة في الدخول في رعاية هذا المريض ومتابعة علاجه وتناوله للدواء بانتظام ومراقبة ضغطه وفحوصاته لان ذلك يعطي دعما نفسيا للمريض وحاجزا من التردد في اخذ العلاج او التكاسل في الاستمرار عليه.. وهذا الفرد قد يكون أحد الزوجين بالنسبة للزوج الاخر او الأبناء لأحد الوالدين.
والخلاصة ان كثرة الدواء من غير دواعي طبية ملزمة يقلل من التزام المريض بالدواء ويعرضه لتدهور حالته الطبية ولذلك لابد من مناقشة الطبيب في كل دواء يصفه للمريض: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
كثرة العلاجات اليومية يقلل من التزام المريض بتناولها