من المنظور الطبي، يجب فحص جميع المواليد لأن البعض يبدو سليماً بعد الولادة ولكنهم مصابون ببعض الأمراض التي لا تظهر أعراضها بعد الولادة مباشرة، ويوجد مئات من أمراض التمثيل الغذائي الوراثية وعدد قليل منها يمكن معالجته، تتسبب في حالات مرضية شديدة ووفيات كثيرة بين الأطفال حديثي الولادة، هذه الأمراض مسئولة عن بعض من الحالات المرضية لدى الأطفال حديثي الولادة، وتسبب هذه الأمراض مجموعة من حالات التخلف العقلي، والوفاة المفاجئة في بعض حالات المتلازمة، ويمكن الحد من أمراض التمثيل الغذائي الوراثية عندما يتم الكشف عنها مبكرا ويترتب على ذلك فوائد عديدة منها: تقليل الإعاقة في الطفولة المبكرة الناتجة عن أمراض التمثيل الوراثي، وتقليل الأعباء الاقتصادية التي تتحملها الأسرة والمجتمع والدولة، وتأمين العلاج المناسب للأمراض المكتشفة، وتوعية المجتمع بأهمية الكشف المبكر لأمراض الأيض والغدد الصماء.
أما من المنظور الشرعي، فإن معرفة الحكم الشرعي في فحص المواليد ينتج عنها فوائد عديدة منها: حصول المصلحة للخلق وإبعاد المفسدة عنهم حيث ان الشريعة الإسلامية مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد كما قال تعالى
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، فانظر كيف استعمل مصطلح (العالمين) الذي يشمل أهل الإسلام وغيرهم والمتأمل في تعاليم الأحكام يجد أن النصوص الشرعية كثيراً ما تجعل السبب في تشريع الحكم هو حصول المصلحة، وبذلك تعرف كمال هذه الشريعة وشمولها لجميع الحوادث، فما من أمر صغير أو كبير إلا وقد شملته الشريعة الإسلامية بأحكامها كما قال تعالى
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) .
ومن هنا يرجع الفقهاء لنصوص القرآن والسنة من أجل استخراج حكم ما يرد عليهم من مسائل جديدة ومن الوسائل المذكورة إجراء الفحوصات الوراثية للمواليد بحيث يتم فحص الدم والتحقق من خلو المولود من بعض الأمراض الوراثية ومبادرة العلاج المبكر إن وجد والتأكد من عدم حمل الأسرة لأمراض معينة يمكن أن تنتقل لأبنائهم حسب ما توصل إليه الباحثون في علم الوراثة.
وتؤكد الشريعة الإسلامية أن إجراء هذه الفحوصات مستحب ومرغوب فيه ويدل على ذلك العديد من الأدلة في الشريعة ومنها: أن هذه الفحوصات بها المصلحة للخلق، والشريعة جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد، وأن هذه الفحوصات وسائل لتحصيل مقاصد شرعية ومن القواعد المقررة عند الفقهاء أن الوسائل لها أحكام المقاصد، ومن الأدلة الدالة على مشروعية التداوي (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء "، ومشروعية التداوي من أجل دفع الأمراض وإزالتها، وهذه الحكمة موجودة في إجراء الفحوصات حديثي الولادة فيكون هذا الفحص مشروعا.
وقد قرر الفقهاء قاعدة (الدفع أولى من الرفع)، والمراد بالدفع منع حصول الضرر قبل وقوعه، والمراد بالرفع إزالة الضرر (رفع الضرر) بعد حصوله، وإجراء فحص المواليد يتم به منع الأضرار المتوقعة قبل حصولها فيكون أولى من ترك الناس يصابون بهذه الأمراض ثم نقوم بعلاج تلك الأمراض أو التخفيف من أضرارها.
ومن قواعد الشريعة أن (الضرر يزال)، كما في الحديث: (لا ضرر ولا ضرار) وقد دل على هذا القول العديد من الأدلة الشرعية وبواسطة هذه الفحوص نتمكن من منع الضرر قبل وقوعه، ونخلص من هذا كله أن فحص المواليد الجدد له أهمية كبيرة من المنظورين الطبي والشرعي.