زيادة استهلاك الأطعمة من مصدر حيواني سبب أكثر من 90% من الأمراض
د. شريفة بنت محمد العبودي
تناول تفاحة في اليوم فلا تحتاج إلى طبيب. ماذا يحدث عندما يأكل الإنسان تفاحة؟ الإجابة أكثر تعقيداً مما نتخيّل، فكل تفاحة تحتوي على آلاف مضادات الأكسدة التي لا نعرف منها إلا القليل (مثل فيتامين ج)، وهذه الآلاف من المواد الكيميائية محمّلة بإمكانات قوية لتلعب أدواراً مهمة لدعم الصحّة، فهي تؤثر على آلاف التفاعلات الأيضية (الهضمية) داخل الجسم. ومعرفة التأثير المحدد لكل واحد من هذه المواد الكيميائية لا يعتبر كافياً لتوضيح تأثير أكل التفاحة كاملة على الجسم لأن كل تلك الآلاف من المواد الكيميائية لا تؤثر على الجسم فقط إنما تتبادل التأثير فيما بينها أيضاً. وهذا يعني أن هناك عدد يصعب حصره من التفاعلات الحيوية المتوقعة من أكل تفاحة واحدة فقط!!
وهذه المقدمة من كتاب:
Whole: Rethinking the Science of Nutrition” كامل: إعادة النظر في علم التغذية" الذي صدر هذا العام 2013م من تأليف الدكتور تي كولن كامبل المتخصص في التغذية وأستاذها في جامعة كورنيل العريقة منذ أكثر من خمسين عاماً. والكتاب يعيد النظر في علم التغذية ككل وفي طرق البحث العلمي التي يقوم عليها علم التغذية. ويقرّ المؤلف الذي نشر حوالي 300 بحث في دوريات تغذية مرموقة بأن منظوره هو قد تغيّر مؤخرا حيث كان يتعامل سابقاً، مثل غيره من المتخصصين، مع علم التغذية بسطحية لا تتناسب مع مقدار التداخل والتركيب في الأطعمة الطبيعية. والكتاب بحق منجم من المعلومات المدعّمة بالبحوث والدراسات والإحصاءات، ولكن لمحدودية مساحة المقال سأركز اليوم على أهم نقطتين يقوم عليهما الكتاب وهما: 1) طريقة تعامل المتخصصين والباحثين بالتغذية تقوم على عقلية اختزالية تتعامل مع كل عنصر غذائي بمعزل عن غيره من العناصر الغذائية في طعام ما وبمعزل عن تعامل الجسم وحاجاته إلى العناصر الغذائية وقت تناول الطعام. ولذا يقترح نظرة شمولية تضع بالحسبان كل العوامل المؤثرة. ولتبسيط نظرته يورد القصّة التالية: طُلب من ستة أشخاص فاقدي البصر أن يصفوا فيلاً بعد أن يتحسس كل واحد منهم جزأ من جسم الفيل: الساق أو الناب أو الجذع أو الذيل أو الأذن أو البطن. وبالطبع أعطى كل واحد منهم وصفاً دقيقاُ وافياً لما تحسس فجاء الوصف مختلفا تماماً لأن لا أحد منهم خبِر الفيل كاملاً.. وتجادل الأشخاص بشدّة حيث ظل كل واحد منهم يتمسك برأيه عما تحسس ويؤكد أن منظوره هو الأصح. وحالهم، كما يذكر المؤلف، كحال عشرات الآلاف من المتخصصين والباحثين في التغذية الذين يدرسون العناصر الغذائية بمعزل عن بعضها، ولا يدركون مقدار التداخل والتركيب في مكونات الأطعمة الطبيعية الكاملة، وتميّز كل مادة غذائية بخصائص متفردة يحتاجها الجسم. 2) يدعو المؤلف، للوصول إلى الصحة والابتعاد عن الأمراض، إلى التركيز على تناول أطعمة نباتية كاملة (حبوب بنخالتها وأليافها، وبقول وبذور وخضروات وفواكه غير مقشورة) وعلى أن لا يتجاوز ما يتناوله الإنسان من أطعمة ذات مصدر حيواني (لحوم ومنتجات ألبان) 10% فقط من غذائه اليومي لأن زيادة استهلاك الأطعمة من مصدر حيواني هي حسب رأيه سبب أكثر من 90% من الأمراض. وفي مقالات لاحقة إن شاء الله سأورد المزيد من المعلومات المنطقيّة القيّمة التي يزخر بها الكتاب الذي أتمنى أن يطلع عليه كل مختص بالتغذية وكل مسئول عن الأمن الغذائي في بلادنا الناهضة.
منقول