الفواكه والخضار تخلصانك من الإمساك
د.أحمد الزبيدي
من منا لم يعانِ في يوم من الأيام من ألم أثناء الإخراج أجلكم الله. لا تخلو عيادة من عياداتي من مريض(ة) أو مريضين (مريضتين) يشكون من هذه الآلام التي تنغص عليهم حياتهم، متفاوتة حدتها من شخص لآخر وبين الفينة والأخرى. كما أن أغلب المرضى تتطابق شكواهم حتى كأنها سيناريو وحوار تلفزيوني يحفظه معظم المرضى. وعادة عندما أسمع هذه القصة وأخوض مع المريض ذلك الحوار وقبل أن أفحصه أكون على يقين شبه تام أن ما يعاني منه المريض هو شرخ شرجي وعلى مقدار شكوى المريض ومعاناته ومدة هذه المعاناة.. أستطيع أن أخلص الى: إذا ما كان هذا الشرخ حاداً أم مزمناً. الشرخ الشرجي الحاد هو جرح او قطع في الغشاء المبطن للقناة الشرجية وينتج عن مرور براز جاف وصلب نتيجة امساك شديد مما يسبب هذا القطع وينتج عنه ألم شديد ونزيف بسيط. يسبب الألم تقلصا وانقباضا شديدا في العضلة الداخلية للشرج مما يمنع وصول وتدفق الدم للجرح وهذا يمنع شفاءه ويحوله الى شرخ مزمن. تقع القناة الشرجية في نهاية الامعاء الغليظة قبل المستقيم الذي وظيفته تخزين البراز قبل خروجه وينتهي بهذه القناة التي يبلغ طولها أربعة سم. تتكون القناة الشرجية من نوعين من العضلات، العضلة الداخلية وهي عضلة غير ارادية وهي امتداد للعضلات اللاإرادية الموجودة على طول القناة الهضمية والعضلات الخارجية وهي عضلات إرادية يتحكم بها الانسان ويمكنه من خلالها من منع مرور الفضلات للخارج (حدوث عملية التبرز) ويبسطها اراديا للسماح بعملية التبرز. يُغطي القناة الشرجية من الداخل غشاء مبطن خاص يتميز بحساسية عالية جدا. فهو مزود بكميات هائلة من أعصاب الإحساس تجعله يستطيع التفرقة بين الغازات والبراز. لذلك أي جرح به يسبب آلاماً حادة للإنسان (عكس المستقيم الذي لا يوجد به أي احساس ويمكن اخذ عينات من المستقيم بدون تخدير أثناء أداء المنظار).
يعتبر الامساك المزمن (وهو عبارة عن مرور براز صلب او جاف تماما) سبب رئيسي لحدوث الشرخ الشرجي. وكذلك الإسهال الشديد من أحد الأسباب أيضاً لحدوث الشرخ. هنالك أسباب أخرى لحدوث الشرخ الشرجي مثل مرض كرونز (التهاب الامعاء المزمن) والحمل والولادة وأحيانا قد تؤدي بعض التدخلات الطبية لإصابة المريض بالشرخ -مثل المنظار الشرجي - الترمومتر - فحص الشرج بالموجات الصوتية للبروستاتا عن طريق الشرج. عندما يتم تشخيص المريض بأنه مصاب بالشرخ الشرجي فإننا (الأطباء) ننصح المريض بالتخلص من الإمساك وذلك بالإكثار من تناول الأغذية الغنية بالألياف وبالإكثار من شرب المياه وبالذهاب الى دورة المياه بانتظام (لان عدم الذهاب في الوقت المناسب وكبت الرغبة يجعل الفضلات تمكث فترة اطول في الامعاء الغليظة والمستقيم وهو ما يفقدها المزيد من المياه مما يعني جعلها أكثر جفافا وصلابة ويزيد فرصة جرحها للقناة الشرجية). كما ننصح المريض بالمشي مدة لا تقل عن ساعة يوميا، مع توصية المريض بالجلوس في مغاطس ماء دافئ وبأخذ الملينات سواء كانت اشربة مثل الدوفلاك او نقطاً مثل البيكولاس او اقراص (ولكن حاول عزيزي المريض ألا تستعملها لفترة طويلة لأنها تؤدي الى ادمان القولون عليهم). كما يصف الطبيب المراهم المسكنة التي تحتوى على مخدرات موضعية (لجنوكايين) والتحاميل المضادة للالتهاب والتي تحتوى على كورتيزون (انيوسول -سيدى بروكت -بروكتوجليفينول او بدائلها وكلها تقريبا متشابهة).
يلجأ الطبيب للحل الجراحي عند المرضى الذين يعانون من آلام مبرحة بسبب الشرخ الحاد والذين لم يستجيبوا للحلول العلاجية المختلفة. حيث يقوم الجراح بعمل قطع صغير في العضلة الداخلية وتظهر نتيجته مباشرة بعد العملية التي تكون بدون ألم مع آثار متفاوتة على التحكم في البراز وإخراج الغاز تختلف من مريض (ة) لآخر(ى). تُجرى الجراحة عادة تحت مخدر عام وتكون بدون ألم ويأكل المريض ويشرب بعد الجراحة مباشرة ويغادر المستشفى بعد ساعتين من الافاقة من التخدير الذي يكون بطرق حديثة يتم الافاقة منه بسرعة وسهولة ولا يحدث قيء او ألم او دوخة.
عندما يذكر الطبيب احتمال ضعف التحكم الموقت (والذي هو احتمال صغير جدا لا يتجاوز 10% وان أقل عند 1% من المرضى يصبح عدم التحكم لديهم دائما) ينزعج الكثير من المرضى من هذا الاحتمال مما يجعلهم يبتعدون عن الجراحة ويكملون معاناتهم مع هذا المرض. فهل هذا هو الحل الوحيد..؟!
في عام 1820، قام الطبيب الألماني والشاعر الرومنسي جستينس كيرنر بتقديم أول وصف كامل عن التسمم السريري بناء على ملاحظات سريرية واسعة على مرض التسمم الغذائي الناتج عن تناول لحم النقانق المتسمم والمتعفن. وبعد التجارب على الحيوانات وعلى نفسه، خلص إلى أن السم يعمل عن شلل العضلات وطريق قطع نقل الإشارات العصبية في أنظمة العضلات الإرادية والعضلات الحركية اللاإرادية، دون أن يؤثر ذلك على الإشارات الحسية أو الوظائف العقلية. وأشار إلى أن السم يتطور في ظل ظروف التعفن الذي ينقصه التهوية الجيدة (أي البيئة اللاهوائية)، ووجد أن جرعات صغيرة جدا جدا يمكن أن تكون قاتلة. كان وصفه الدقيق لهذا السم العفني وتوقعه أن هذا السم سلاح ذو حدن يمكن أن يستخدم كقاتل وفي نفس الوقت يمكن أن يستخدم كترياق (علاج) لبعض الحالات المرضية المعينة وجعله مؤسسا لعلم دوائي معروف بالعلاج بسم البوتولينوم أو ما يعرف بالبوتكس.
في وقت لاحق وبعد خمسة وسبعين عاما، توصل العالم وأستاذ علم الجراثيم إميل فان إرمينجم مع أحد طلابه روبرت كوخ، الى اكتشاف البكتيريا المسببة لذلك والتي تعرف باسم كلوستريديوم بوتولينوم كمصدر جرثومي لهذا السم. حدث هذا الاكتشاف عندما قاموا بتحليل لحم خنزير مملح جزئيا توفي بعد ان تناوله أربعة وثلاثون شخصا حضور جنازة أحد أعيان المدينة. تم العثور على مستخلص من هذه اللحوم يسبب الشلل تماما مثل التسمم الغذائي الذي يحدث لحيوانات تجارب المختبر. قام الدكتور إميل فان إرمينجم بعزل البكتيريا المنتجة لهذا السم، كما قام بوصف جيد وواضح لسمها. قام بعد ذلك كل من دكتور تسمر سنايب والدكتور هيرمان سومر بتنقيته لاحقا. كان هذا السم البكتيري وعلى مدى ثلاثة عقود متتالية هاجس شركات صنع الغذاء المعلب. فقد أصبح يشكل خطرا على الصحة العامة في تجارة قاربت المليار دولار سنوياً، الى أن قام كارل فريدريش ماير، وهو عالم بيطري سويسري عاش في سان فرانسيسكو بالولايات الأميركية المتحدة بوضع وتطوير تقنيات صناعية لزراعة بكتيريا الكلوستريديوم بوتولينوم واستخراج سمها، وعلى العكس، طور تقنيات لمنع نمو هذه البكتيريا ومنع إنتاج سمها، وتعطيل مفعول السم عن طريق التسخين، وبالتالي الحفاظ على صناعة الغذاء المعلب في كاليفورنيا. وقد كانت هناك أفكار لاستخدام هذا السم كسلاح بيولوجي في الحرب العالمية الثانية. وعندما وضعت الحرب أوزارها وتم حل سرية الأسلحة البيولوجية في معظم الجيوش وبالذات الجيش الأميركي ومع قيام الأمم المتحدة بإيجاد المعاهدات الدولية التي تحرم استخدام الأسلحة البيولوجية تم توجيه هذه الأبحاث والاستفادة منها في مجال البحث الطبي السريري والنظر في إمكانية استخدامه كعلاج. صنع السم للاستخدام التجريبي، وقدم الجيش وبسخاء هذا المنتج إلى المجتمع الأكاديمي. تم التوصل لطريقة عمل سم البوتكس في منتصف القرن العشرين حيث وجد أن آلية عمل سم البوتولينوم – تتم من خلال عرقلة فرز المادة العصبية المحفزة (الأستيل كولين) من النهايات العصبية. البوتكس عبارة عن بروتين نقي جداً مستخرج من بكتيريا الكلوستريديوم بوتولينوم وهذه المادة تعمل على إرخاء العضلات المسؤولة عن ألم الشرخ. أدرج استخدام البوتكس منذ السبعينات من القرن المنصرم في حالات مرضية كثيرة كالحول وتشنج الأجفان والرأرأة، إضافة للكثير من الأمراض الأخرى كالشقيقة وغيرها ومنها الشرخ الشرجي. وهو سليم وآمن طالما استخدم بيد الطبيب ذي الخبرة وضمن الجرعة الموصّى بها. تحقن هذه المادة على طرفي الشرخ الشرجي في العضلة الداخلية. يتم الحقن في العيادة ولا تستغرق عملية الحقن بالبوتكس سوى 15 دقيقة تقريبا ويمكن عملها بدون تخدير، إلا أنني أفضل أن يحقن في غرفة العمليات أو المناظير والتي يوجد بها مواد مخدرة تزيل ألم وخز الإبرة في عضلات الشرج، فالبوتكس كمادة في حد ذاتها غير مؤلم وإنما يأتي الألم من وخز الإبر. يحصل المريض على نتيجة ابتدائية خلال 3-4 أيام من الحقن والنتيجة النهائية تكون خلال 10-14 يوما بعد الحقن. وبعد حقن البوتكس يمكن مزاولة النشاط المعتاد مباشرة. نتائج البوتكس ليست دائمة. تستهلك العضلة البوتكس مع الوقت لينفذ تدريجيّاً وتتمكن المادّة الطبيعيّة في الجسم (الأستيل كولين) من أن تأخذ مكانها مجدداً على سطح العضلات. يستمر مفعول البوتكس لمدة تتراوح من شهرين إلى ثلاثة أشهر تقريباً، ويمكن إعادة الحقن مرات عديدة. يمنع استخدامه في حالة الحمل والرضاعة وعند المرضى المصابين بأمراض الجهاز العصبي الحركي والذين يتناولون موانع التجلط كالأسبيرين. وختاما"حقن البوتكس هي علاج آمن وفعّال جداً في علاج الشرخ الشرجي. جميع المضاعفات التي قد تتلو الحقن هي مضاعفات بسيطة وعابرة وغير خطيرة. يمكن تكرار الحقن كلما اقتضت الحاجة.
ألم الإخراج حالة يعاني منها العديد من الناس
شرب الماء بكثرة من العادات الحسنة التي تعود بالنفع الكبير على الإنسان