أعراضه ومستواه تختلف من شخص لآخر وقد تكون أقل ظهوراً عند الأطفال والمواليد
الأمراض الوراثية قد تسبب زيادة الإنسولين ونقص السكر
د.بسام صالح بن عباس
تعاني شريحة لست بالصغيرة من مجتمعنا السعودي من مرض السكري، ومن ارتفاع نسبة السكر في الدم. ويعلم الجميع ما لهذا الارتفاع في سكر الدم من مضاعفات مختلفة على الجسم، كتأثيرة على العين وشبكية العين والقلب وأوعية القلب والشرايين والأعصاب والكلى وغير ذلك من العواقب المعروفة. ولكن قد يخفى على الكثير ويجهل البعض منا ما لنقص السكر في الدم من آثار سلبية قد تفوق في خطورتها زيادة مستوى السكر في الدم، بل إن لنقص السكر الحاد والسريع انعكاسات وخيمة على الجهاز العصبي خاصة عند الأطفال وكبار السن. وقد تؤدي إلى إعاقات عصبية مزمنة لا يحمد عقباها. وسنتطرق هنا عن الأسباب الوراثية لنقص سكر الدم، وليس نقص سكر الدم المصاحب لمرض السكري النوع الأول أوالنوع الثاني. فقد تحدثنا عن هذا الموضوع من قبل وأيضاً تحدثنا المرة الماضية عن زيادة السكر الوراثية والتي تصيب المواليد. وسنتحدث اليوم عن نقص السكر الوراثي والذي يصيب المواليد خاصة أو الأطفال منذ بداية حياتهم.
تعريف نقص السكر في الدم:
بالرغم من أن الكثير منا يتحدث عن موضوع نقص السكر في الدم، إلا أنه لا يوجد تعريف محدد لهذا النقص. والمقصود أن مستوى السكر الذي يعرف مستواه بأنه ناقص لم يحدده الأطباء بعد ولم يتعرف عليه المختصون بعد. ولكن تجاوزاً يمكننا القول إنه يمكن أن نعرف نقص السكر في الدم بانخفاض مستواه عن أربعين ملجرام في الديسليتر. وهذا النقص مرتبط بالتأثير السلبي على الجهاز العصبي نتيجة نقص الجلوكوز في الدماغ، والذي يعتبر الوقود الأساسي لخلايا المخ الذي لا تستطيع خلاياه تخزين الجلوكوز كما هو الحال في العضلات والخلايا الدهنية وغيرها من الخلايا التي تستطيع تخزين الجلوكوز لفترات طويلة. إن هذا النقص للسكر في الدماغ يؤدي إلى تلك الغيبوبة المفاجئة والتشنج العضلي.
أعراض نقص السكر الوراثي وغير الوراثي:
الأعراض الناجمة عن انخفاض السكر تختلف من شخص لآخر وتختلف من مستوى لسكر الدم عند شخص معين مقارنة بشخص آخر. وقد تكون هذه الأعراض أقل ظهوراً عند الأطفال وعند المواليد وصغار السن، وبالتالي لا يتنبه الطفل أو القائمون على رعايته لهذه الأعراض، ويفاجأ الجميع بحدوث الغيبوبة أو التشنج دون علامات تحذيرية مسبقة. ولهذا السبب يكون نقص السكر عند الأطفال أكثر خطورة منه عند الكبار. ومن الأعراض الناجمة عن نقص السكر تلك التي تكون بسبب تأثير نقص السكر على الجهاز العصبي كالإحساس بالجوع ورعشة العضلات والعرق الغزير والإحساس بما يشبه وخز الإبر وخفقان القلب والصداع أحياناً. وإذا لم يعالج انخفاض السكر فإنه يؤدي إلى نقص السكر في الدماغ وأعراضه أكثر حدة وشدة كازدواج الرؤية وصعوبة التركيز وثقل اللسان وصعوبة الكلام والتهيج والصرع وقد يؤدي إلى الشلل.
أقسام أعراض نقص السكر:
الأعراض والعلامات السريرية لانخفاض السكر نوعان. النوع الأول من هذه الأعراض تكون نابعة من زيادة هرمون الأدرينالين وهو أحد الهرمونات التي تزيد وترتفع في حالة انخفاض مستوى السكر في الدم. وتسمى هذه الأعراض بالأعراض الأدرينالية. أما النوع الثاني فهي الأعراض العصبية، وهي تلك الأعراض التي تظهر على المريض بسبب نقص مستوى سكر الدم في الدماغ. وسنبدأ بذكر الأعراض من النوع الأول، وهذه بعض الأعراض الأدرينالينية المعروفة.
الأعراض الأدرينالينية:
وتشمل هذه الأعراض الأدرينالية العرق والرعشة والقلق. كما تشمل هذه الأعراض الأدرينالية الخفقان والاحساس بالجوع. ومن أعراضها أيضاً الشحوب والتنميل في الفم والأصابع. وهناك أيضاً أعراض أخرى لا يسع المكان لذكرها.
الأعراض العصبية:
وتشمل هذه الأعراض وجع الرأس وزغللة البصر وضعف الذاكرة. وقد يتطور الأمر فتحدث التشنجات العصبية وخاصة في الأطفال وأيضاً الغيبوبة. كما تشمل الأعراض العصبية أعراض أخرى لا يمكن إدراكها بسهولة وهي من أعراض انخفاض سكر الدم، ومنها تغيير السلوك فيصبح الشخص الهادئ كثير الحركة، أو يضبح سريع الغضب أي يصبح وكأن له شخصيتين متناقضتين وقد تشخص وكأنها حالة نفسية.
كما قد تشمل الأعراض العصبية نوبات الاغشاء المفاجئ أو الصداع أو الدوخة، وخاصة في الصباح الباكر وتختفي بعد الإفطار. وقد ذكرت بعض الدراسات أن بعض الأعراض العصبية قد تشمل عدم الاستقرار النفسي أو الاضطراب الشديد. كما أن العرق المفرط أوالكوابيس الليلية من هذه الأعراض. وقد يتطور الأمر فيشمل المشي في الليل، وقد ينتقل المريض من مكان إلى آخر دون أن علم أو وعي بذلك. وفي حالات نادرة قد يحصل الشلل النصفي العابر أو الضعف العضلي والذي قد يختفي بعد دقائق من تعاطي السكريات.
أسباب انخفاض السكر الوراثية وغير الوراثية:
هناك أسباب وراثية وغير وراثية لانخفاض سكر الدم، ولكن سنتحدث هنا عن أسباب انخفاض سكر الدم الوراثية فقط والتي تصيب المواليد وصغار الأطفال. ومن هذه الأسباب ما يلي:
زيادة إفراز الإنسولين بسبب خلل وراثي في مستقبلات السلفونايل يوريا:
هذه المشكلة الصحية من الأمراض النادرة نوعاً ما. وتتصف بزيادة إفراز الأنسولين من البنكرياس. ويعتبر هذا المرض النادر من المسببات المؤدية لانخفاض شديد جدا في مستوى السكر في الدم. ويكون هذا المرض عادة بسبب خلل في مستقبلات السلفونايل التي تلعب دوراً هاماً في إفراز الأنسولين. ويشكو عدد كبير من الأطفال من هذه المشكلة في منطقتنا العربية نتيجة لزواج الأقارب وتبلغ نسبة الأطفال المصابين بهذا المرض حوالي مريض لكل 2500 طفل في المملكة وهي نسبة عالية جداً إذا ما قورنت بنسبة الإصابة بهذا المرض في الدول الأوروبية مثلاً، حيث تبلغ نسبة الإصابة طفل واحد لكل 50000 طفل.
زيادة إفراز الإنسولين بسبب خلل وراثي في مستقبلات البوتاسيوم الخاصة بإفراز الإنسولين:
وهذاالمرض النادر أيضاً من الأسباب الوراثية لنقص السكر في الدم. وقد سجلت وراثيا هذه الحالات لدينا في المملكة العربية السعودية وهو أقل حدوثاً من السبب الأول المذكور أعلاه. وليس لهذا السبب علاقة بملح البوتاسيوم كما يتصور البعض. ويتصف أيضا بزيادة هرمون الإنسولين المبالغ فيه مما يؤدي إلى انخفاض السكر غير المبرر.
زيادة إفراز الإنسولين بسبب خلل وراثي في الإنزيمات الخاصة بإفراز الإنسولين من خلايا بيتا:
هناك على الأقل إنزيمان ذوا علاقة بإفراز الإنسولين من خلايا بيتا في البنكرياس. إن الخلل الجيني لهذين الإنزيمين قد يسبب زيادة إفراز الإنسولين وبالتالي انخفاض السكر. وهذه الجينات المعتلة من الأمراض الوراثية النادرة ولكن قد تسبب نقصاً شديداً في مستوى سكر الدم.
الخلل في تفاعلات التفاعلات الدهنية والتي تسبب نقص السكر:
تكثر نسبياً هذه الأمراض الوراثية في مجتمعنا، وهو الخلل في تفاعلات الأحماض الدهنية ولا تقتصر هذه الحالات على تأثيرها على السكر بل قد تؤدي إلى ضعف في عضلة القلب والعضلات الأخرى وزيادة الحموضة في الدم.
أمراض الجهاز الكبدي وتخزين السكر في الكبد:
البعض من أمراض الكبد الوراثية التي تصيب الأطفال، قد تؤثر على تخزين السكر في الكبد. وهذه الأمراض تؤثر على إنزيمات تفاعلات الجلوكاجون وهو السكر المخزن في الكبد. الجدير بالذكر أن هناك أكثر من 12 إنزيما في الكبد يعمل على تحويل مخزون السكر إلى سكر بسيط، ويمكن للجسم استخدامه كمصدر للطاقة ويشكو هؤلاء الأطفال من انخفاض السكر بنسب متفاوتة وتضخم في الكبد وألم في العضلات وغير ذلك من الأعراض. ومن صفات هذه الأمراض التي أنها قد تؤثر على وظائف الكبد.
أمراض وراثية أخرى:
هناك بعض الأمراض التي تؤثر على تفاعلات سكر الفركتوز والجالاكتوز التي تسبب نقص السكر من ناحية وتؤثر على أعضاء الجسم من ناحية أخرى كالعين والكبد.
نقص إفراز الغدة النخامية أو الكضرية:
تشكل نقص الهرمونات أحد أسباب نقص مستوى السكر في الدم مثل نقص هرمون النمو وهرمون الكورتيزون وهناك أيضا أسباب وراثية لذلك ويشكو العديد من الأطفال من نقص الهرمونات كسبب لنقص السكر في الدم.
تشخيص نقص السكر الوراثي:
يجب بداية أن نذكر أنه بالرغم من أن الأسباب الوراثية السابقة ممكنة الحدوث إلا أن حالات نقص السكر في مرضى السكري بسبب خطأ مقصود أو غير مقصود في جرعة الأنسولين تشكل النسبة الأكبر من أسباب نقص السكر في الدم. وأيضا عند تأخير أو عدم تناول وجبات الطعام بعد أخذ جرعة الأنسولين أو عند ممارسة الرياضة البدنية الشديدة قد تكون أحد أسباب انخفاض السكر. وقد تحدث حالات انخفاض في السكر في مرضى السكري عند إصابة المريض بمرض حاد في المعدة يؤدي للتقيؤ المستمر أو عند حصول التهاب أو خمج ما. عموما تشخيص نقصان السكر سهل في حالة وجود الأعراض النموذجية، ويعتمد على التحليل الهرموني والتحليل الجيني أيضا.
علاج نقصان سكر الدم الوراثي:
كما ذكرنا سابقا أن أهم أسباب نقص السكر ليس وراثيا، ولكن بسبب أخذ جرعة زائدة من الأنسولين، لذا فإن العلاج يكون بإعطاء المريض قطعة سكر بالفم أو عصيرا محلى، ولذا ينصح جميع المرضى المستخدمين للأنسولين بحمل قطع من السكر أو الحلاوة أو أقراص دكستروز أو حقن جلوكاجون توضع في الثلاجة في منزل المريض. أما بخصوص الأسباب الوراثية ذات العلاقة بزيادة الإنسولين فيكون استخدام علاجات خاصة منها الدايزأوكسايد أو الأكتروتايد أو في حالات خاصة استئصال البنكرياس.
خلل إنزيمات البنكرياس يسبب نقص السكر الوراثي