أحمد الزبيدي
لجراحة، إلا أن سؤال الجمهور الكريم عنه وعن العمليات التي من الممكن أن تتم به في عالم الجراحة وبالذات في جراحات القولون والمستقيم وأمراض الشرج مازالت تتكرر وبشكل شبه يومي. إذ لا بد أن أسمع هذا السؤال مرتين أو أكثر في كل عيادة من عياداتي. ولما هذا السؤال من أهمية ولأن الإجابة عنه بالإيجاب أو النفي تحدد وجهة المريض الذي قد يتخذ قراراً غير صائب بناءً على إما عدم فهم صحيح لإجابة الطبيب أو عدم إدراك لاستخدامات الليزر الطبية أو لاقتناع المريض بأن عمليات الليزر خالية من الألم كما يروج له بعض المخادعين، فقد رأيت أنه من الواجب علي أن أتحدث مرة أخرى عن ضوء الليزر وعن استخداماته الطبية.
تأتي كلمة ليزر (LASER) من أول حرف من كل كلمة من الجملة التالية
Light Amplification by Stimulated Emission of Radiation
والذي يقصد به تكبير الضوء وتجميعه بواسطة الانبعاث الاستحثائي. فالليزر يتكون من وسط فعال، داخل تجويف عالي الانعكاس الضوئي، ويتم تحفيز وإثارة هذا الوسط، من خلال شحنة كهربائية، أو أشعة ضوئية أو حتى تفاعل كيميائي. وضع العالم البرت اينشتاين في 1917 الأساس النظري لعملية الانبعاث الاستحثاثي والذي تنبأ بالليزر في ذلك الوقت. وبالفعل تم تصميم أول جهاز ليزر في 1960بواسطة العالم ميمان (T.H. Maiman) باستخدام بلورة الياقوت والذي عُرف في حينها بليزر الياقوت (Ruby laser)، حيث يستخدم الليزر أشعة ضوئية احادية الطول الموجي أي لها نفس طول الموجة وهي تتولد في أنواع معينة من البلورات النقية. ويعمل جهاز الليزر على تسوية طور الموجات الضوئية بحيث تكون جميعها في نفس الطور، فتشتد طاقتها. يختلف ضوء الليزر المركز عن ضوء المصباح العادي والذي عادةً ما يكون مبعثراً غير منتظم له اتجاهات مختلفة. فباستخدام بلورات من مواد مناسبة (كالياقوت الأحمر مثلاً) عالية النقاوة يمكن تحفيز إنتاجها لأشعة ضوئية من لون واحد (أي ذو طول موجة واحدة) وكذلك تكون في طور موجي واحد. عندئذ تتطابق الموجات مع بعضها البعض عن طريق انعكاسها عدة مرات بين مرآتين داخل بلورة الليزر فتصبح كالعسكر في الكتيبة - فتنتظم الموجات وتتداخل تداخلا بناء وتخرج من الجهاز بالطاقة الكبيرة المرغوب فيها. هناك عدة مصادر منتجة لإشعاع الليزر، تعود لها الاسم المطلق على الليزر. مما يعني أن هناك عدة أنواع من الليزر أيضاً. فمن أنواعه التالي:
• ليزر الغاز أو ليزر الإكزيمر (CO2 ثاني أكسيد الكربون ,Excimer LASER)
• ليزر السائل (Dye Laser)
• ليزر اشباه الموصلات (Diode Laser)
• ليزر الحالة الصلبة - نيوديميوم ياغ - (Neodymium-YAG LASER)
نجح العلم في استخدام الليزر (هذه الطاقة المفيدة للبشرية بشكل كبير جداً) في عدة مجالات، مثل تصنيع الأقراص المدمجة، وفي صناعة الإلكترونيات، وقياس المسافات بدقة (خاصة أبعاد الأجسام الفضائية)، وفي الاتصالات، وفي الصناعات الحربية، كما ويتم استخدام أشعة الليزر في معالجة بعض أمراض العيون، والعديد من العمليات الجراحية مثل جراحة المخ والقلب والأوعية الدموية والجراحة العامة وإزالة الشعر. مما يميز الليزر ويجعل كثيرا من المرضى يحرصون على أن يكون الحل الجراحي بواسطته ما يلي:
• غالبا ما يكون العلاج بالليزر قليل الألم، وبالتالي فإنه يقلل من الحاجة للتخدير.
• لا يصدر العلاج بالليزر أصواتا كالتي تصدرها باقي التقنيات الطبية التقليدية، وبالتالي فإن المريض يكون أقل توترا.
• يقلل الليزر النزيف الذي يصحب العمليات الجراحية.
• يكون استخدام الليزر في العمليات الطبية محدوداً بالمنطقة المراد علاجها مما يقلل من المضاعفات الجانبية الناتجة عن العمليات الجراحية المختلفة.
إلا أن العلاج بالليزر لا يغني كليا عن التخدير، كما أن تكلفة العلاج بالليزر غالبا ما تكون أعلى. ولتعلم عزيزي القارئ أن أقل من 20% من الأمراض الجراحية تعالج في وقتنا الحالي بهذه الطريقة. وفي الجراحة العامة، لم يقر العلاج بالليزر الا في 3 حالات عموما واحدة منها علاج الناسور العصعصي* (الكيس الشعري) والثانية الناسور الشرجي*، أما الثالثة فهي مرض البواسير. كنت قد تحدثت قبل سنتين في مقال سابق الى زيارة جراح ألماني أجرى عمليات علاج الناسور الشرجي العالي والنواسير المقعدة مستخدما الليزر كمادة أساسية لاجراء الجراحة على أحد عشر مريضا. كانت النتائج الأولية أن التئام الناسور عند تسعة مرضى من أصل أحد عشر مريضاً والذين قام بمتابعتهم لمدة تسعة أشهر (في المتوسط) بعد العملية. أي أن نجاح تجربته بلغ 82%. أما بالنسبة للمريضين الاخرين فإن أحدهما كان ناسوره من النوع خارج العضلة والاخر ملتفاً بشكل نصف دائري حول الشرج على شكل حذوة حصان حصلت مع هذا النوع نسبة خفيفة جدا من التسريب غير المتحكم به وبكمية مقبولة وضئيلة جدا. نشر هذا الجراح نتائج تجربته هذه قبل 4 سنوات. ثم قابلته في أحد المؤتمرات بعدها بسنة وسألته عن مرضاه ونتائج العملية الليزرية فأخبرني أن نسبة النجاح على المدى الطويل انخفضت الى 50%. تبع هذه التجربة تجربة أخرى على يد جراح آخر من إيطاليا قام بنفس العملية على خمسة وثلاثين مريضا ونشرها في نهاية عام 2013. وصلت نسبة التئام الناسور في التجربة الإيطالية 71%. بينما كانت نسبة الفشل 23% وابتلي اثنان من المرضى برجوع المرض مرة أخرى في الستة أشهر التالية للعملية. ولم يسجل الجراح اي نسبة عدم تحكم في مرضى هذه التجربة. لم أقم شخصيا بأداء هذه العملية الا على اثنين من المرضى الناسور الشرجي، نجحت على أحدهما ولم يحالف الحظ الآخر. بينما قمت بعملية الليزر على خمسة عشر مريضا ممن يعانون من الناسور العصعصي. فاقت نسبة النجاح 85%. بينما بقي 15% يعانون من الصديد والدم بشكل متقطع ولكن بكميات أخف وأقل من ذلك. أما مرض البواسير ففي رأي أنها لا تصلح للمراحل المتقدمة من البواسير (المرحلة الثالثة والرابعة). فالتقنية الحالية للجهاز لا تستطيع القضاء على البواسير الكبيرة ولا أعلم أن أحدا من أطباء جراحة القولون والمستقيم يقوم بذلك حالياً. دمتم صحيحين معافين خالين من الوهن والمرض والألم.
الليزر تقنية متطورة