امتصاص الزنك من الأطعمة الحيوانية يزيد بأربع مرات عن امتصاصه من المصادر النباتية

د. شريفة بنت محمد العبودي
    التفت العلماء مؤخراً إلى أهمية وجود موازين لكل شيء في الجسم كميزان السوائل وميزان الدهون وميزان المعادن وميزان الهرمونات.. الخ. وهذه الموازين شديدة الفاعلية لأن انتظام عملها يعزز الأداء المثالي لخلايا الجسم، فنقص أحد المعادن مثل الزنك والنحاس والحديد والمنجنيز والسيلينيوم والكروميوم في الجسم يدفع الجسم إلى امتصاصه من الغذاء بشكل يسد النقص، أي يعيد التوازن إلى الجسم. وإذا زادت كمية أحد تلك المعادن في الدم والخلايا يقوم الكبد بطرح الزيادة إلى خارج الجسم. وقد يؤدي نقص معدن من المعادن إلى ملء فراغه في الجسم بمعدن آخر متوفر في محاولة من الجسم لتحقيق التوازن خاصة في حالات الإصابة بالمرض أو الإجهاد أو التعرض للسموم أو تناول أطعمة فقيرة بالمعادن.
وسنتناول اليوم واحد من أهم جوانب ميزان المعادن في الجسم، وهو نقص الزنك وزيادة النحاس في الجسم. فالنسبة المثلى لهما هي 8-12 جزء زنك، إلى كل جزء واحد من النحاس. أي إذا تناول الإنسان 15 ملغ من الزنك في اليوم يجب ألاّ يزيد ما يستهلكه من النحاس على 1.5 ملغ. ولكن الطعام اليوم لا يحقق هذه النسبة. وهي نسبة ضرورية لتتم عمليات مثل االاستجابة المناعية والعصبية وهضم الطعام بسلاسة. ويعمل الزنك والنحاس في الجسم بتآزر، أي عندما ينقص أحدهما يقوم الآخر بملء فراغه، فكثيرا ما توجد زيادة في النحاس عندما يقلّ الزنك. ويتمثل ذلك في شعور الإنسان بالتعب والاكتئاب والقلق وعدم القدرة على التركيز والصداع واعتلال الذاكرة وتغيّر السلوك ونقص الشهية والرغبة الجنسيّة وحساسية البشرة وتساقط الشعر والإسهال وعدم التئام الجروح.
ونذكر أولاً أهمية الزنك للجسم، فهو يتألف من عدد من الإنظيمات (إنزيمات) التي تجعل التفاعلات الكيميائية في الجسم تتم بشكل طبيعي. ويرتبط الزنك بتصنيع البروتين في الجسم (أي معالجة البروتينات)، وبانقسام الخلايا، وهو أحد مكونات الإنسولين، وله ارتباط بحاسة الشم. وأهم مصادر الزنك اللحوم خاصة الكبدة والبيض والمكسرات والحبوب الكاملة. والغذاء اليوم الذي معظم الحبوب فيه غير كاملة (مزالة نخالتها ومكررة) واللحوم الحمراء والبيض لا ينصح بها بسبب الخوف غير المبرر من ارتفاع الكوليسترول، زاد نقص الزنك لدى الناس وارتفعت مستويات النحاس لديهم. ومن المهم الإشارة إلى ان امتصاص الزنك من الأطعمة الحيوانية يزيد بأربع مرات عن امتصاصه من المصادر النباتية.
والنحاس معدن مهم لتشكيل عدد من الإنظيمات الضرورية ولهضم الطعام ولسير النواقل العصبية وتشكّل كريات الدم الحمراء. ولكن النحاس معدن شديد التفاعليّة، ويجب أن يرتبط استهلاكه بوجود الزنك في الجسم. وإلا فإن النحاس (عند نقص الزنك) يطغي على المعادن الأخرى. وبما ان الحبوب وغيرها من الأطعمة النباتية تحتوي على نسبة معادن يزيد النحاس فيها على الزنك فإنه يتوجب تناول الأطعمة الحيوانية التي توفر نسبة أفضل من توازن الزنك مع النحاس. وهناك مشكلة أخرى ترتبط بهذين المعدنين. وهي زيادة مصادر النحاس (غير العضوي) في البيئة مما يؤدي إلى التسمم بالنحاس. فالمياه التي تجري في المواسير المصنوعة من النحاس، ووجود النحاس في الفيتامينات المصنعة وفي الأدوية وفي حشوات الأسنان وقدور الطبخ وفي مبيدات الفطريات والمبيدات الحشريّة يمتصها الجسم ولو بنسب قليلة.