تعد الأولى من نوعها وتستمر لمدة ثلاثة أشهر
تجربة «الحلم».. تنجح في معالجة مرضى السكري بالبنكرياس الصناعي
صورة توضح تطور علاج مرض السكري منذ بداية استخدام حقن الإنسولين إلى مرحلة التوصل إلى البنكرياس الصناعي
د.بسام صالح بن عباس
نشرت المجلة الأمريكية الشهيرة (نيو إنجلاند) في نهاية شهر نوفمبر الماضي أول تجربة من نوعها عن البنكرياس الصناعي واستخدامه في مرضى السكري النوع الأول المستخدمين للإنسولين ولمدة ثلاثة أشهر متتالية مستغنين بذلك عن حقن الإنسولين. سميت هذه التجربة لأهميتها البالغة باسم (الحلم) (DREAM)، لكونها بالفعل حلم كل مريض سكري أن يتخلص من حقن الإنسولين.
نظرة على تجارب
(الحلم) الستة المتعاقبة:
تجربة الحلم (DREAM) هذه ليست هي تجربة منعزلة عن تجارب عدة متعاقبة ناجحة سابقة. في واقع الأمر سبقت هذه التجربة خمس تجارب (حلم) (DREAM) سابقة. بدأت تجربة (الحلم الأولى) قبل خمس سنوات تقريبا وكانت تجربة (الحلم الأولى) مجرد حلم فقط. وهكذا تبدأ التجارب العلمية على شكل فكرة. فكانت الفكرة أن يكون هناك جهاز يضخ الإنسولين على مدار الساعة ويشبه بذلك البنكرياس الطبيعي في الإنسان الطبيعي. ليس ذلك فقط، بل لابد لهذا الجهاز شيئا من القدرة على ضخ الإنسولين بصورة تلقائية وبصورة أكبر في حالة تناول الشخص كميات أكل إضافية. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل لابد لهذا الجهاز القدرة على حساب مستوى السكر في الدم بصفة مستمرة وابلاغ جهاز البنكرياس الصناعي بهذه المستويات حتى يتحكم في ضخ الإنسولين على ضوء هذه القراءات.
* تجربة (الحلم) الأولى:
في تجربة الحلم الأولى تم وضع فكرة جهاز يقوم بضخ الإنسولين على مدار الساعة و يزداد ضخه بصورة مفاجئة حين تناول الشخص سعرات حرارية إضافية. هذه الفكرة تتضمن العديد من المعادلات الكيميائية الصعبة والمعقدة بحيث يقوم الجهاز بضخ كميات إنسولين مقننة، ويتنبأ الجهاز بهذه الارتفاعات في مستوى السكر في الدم قبل حدوثها وأثناء حدوثها. ويعود لطبيعته بعد انتهاء تناول الطعام وعودة مستوى السكر إلى طبيعته. تبدو الفكرة من الناحية النظرية سهلة ولكنها في واقع الأمر معقدة بشكل كبير. فلو نظرنا إلى الإنسولين الطبيعي الذي يفرزه البنكرياس الطبيعي، فإنه يفرز بكميات بسيطة قبل تناول الإنسان الطعام وليس بعد تناوله الطعام فقط. فالبنكرياس الطبيعي يتنبأ بتناول الشخص لطعام ويبدأ بالإفراز. فكيف يمكن للعلماء صناعة جهاز بهذا التعقيد. الأمر في غاية الصعوبة والتعقيد. في تجربة الحلم الأولى تم وضع النظريات الخاصة بذلك بواسطة تقنيين بارعين وتم تجربتها نظريا وحسابيا.
* تجربة (الحلم) الثانية:
تجربة الحلم الثانية تضمنت تجربة النظريات الحسابية التي تمخضت عنها تجربة الحلم الأولى عمليا ولأول مرة على البشر أي على الإنسان. ونظرا لخطورة الأمر، فقد تم تجربتها على مرضى السكري النوع الأول بعد مراقبتهم في المستشفى منومين فيها. كانت مجموعة محدودة من مرضى السكري النوع الأول وكانت المراقبة لصيقة وعلى مدار الأربعة والعشرين ساعة ولمدة ثلاثة أيام فقط، امتدت بعد ذلك إلى أسبوع واحد فقط. التجربة كانت فقط ليلية ويعنى ذلك أن البنكرياس الصناعي يعمل فقط أثناء الليل وليس أثناء الصباح. وسبب ذلك أن التحكم بالبنكرياس الصناعي وضخه يكون أسهل أثناء نوم المريض وأكثر صعوبة أثناء الاستيقاظ وتناول الطعام والحركة. أذن نجحت التجربة الليلية للبنكرياس الصناعي وكانت منطلقا للبدء للتجربة النهارية وللتحدي الأكبر أثناء النهار وقت الحركة ووقت تناول الطعام ووقت التمرين الرياضي، فهل تنجح التجربة. هذا ما سنعرفه بعد قليل.
* تجربة (الحلم) الثالثة:
تجربة الخروج للمخيم الطبي لمرضى السكري. ولكن ما هو المخيم الطبي. هو رحلة يمكن أن نطلق عليها رحلة مدرسية في مكان شارح للصدر مثل المنتزهات العامة. وقد شاركت شخصيا في أحد المخيمات الطبية لمرضى السكري في ولاية كاليفورنيا وفي أحد أجمل منتزهاتها وهو منتزه (يوسيماتي) وبالرغم من جماله، فلم تكن الرحلة بأجمل من رحلاتنا المدرسية ل (ديراب) أيام الصبا. عموما تجربة الحلم الثالثة كانت في المخيم الطبي في مدينة بوسطن في أمريكا. وكان التركيز على متابعة المرضى اللصيقة اثناء الليل وبعض من أوقات الصباح. نجحت التجربة في التحكم التام في مستوى السكر في الدم. يجب الملاحظة هنا أن التجربة تمت تحت رعاية لصيقة من الفريق الطبي والذي سمي مؤخرا (بفريق الأحلام). كان (فريق الأحلام) يحملون كمبيوترات خاصة يتابعون من خلالها مستويات السكر لدى مرضى السكري المشاركين وهم من المراهقين. تخللت هذه التجربة بعض المشكلات أثناء ممارسة الرياضة في المخيم الطبي ولكن سرعان ما تم معالجة المشكلة لهؤلاء المراهقين. يقال أنه سمح لبعض المرضى بالمشي لمسافة ثلاثة كيلومترات وكان فريق الأحلام الطبي مرافق لهم ومتابع لهم. كان لفريق الأحلام المتابع لمجموعة المراهقين المحملين بأجهزة البنكرياس الصناعي بعض الوقفات عند المحلات التجارية وعند مخارج ومداخل بعض الحدائق. كان لهم بعض المقابلات واللقاءات مع بعض القنوات الفضائية والصحف المحلية، كونها تعتبر تجربة نادرة وفريدة من نوعها. والآن ننتقل إلى التجربة الرابعة وهي تجربة الحلم الرابعة.
تجربة (الحلم) الرابعة:
ويمكن اعتبار هذه التجربة هي تجربة فك الارتباط أي التجربة المنزلية لهؤلاء المرضى. فبعدما كانت المتابعة لصيقة كما ذكرنا من قبل، أصبحت الآن أقل متابعة وملاصقة بعد أن أطمأن فريق الأحلام أن الأمور تسير في مسارها الصحيح وأن المتابعة يمكن تخفيفها. إذن حان الآن تجربة المحاولة في البيت. البيت ماذا يعني. يعني الأكل والشرب والحركة من غير رقيب لصيق. ولكن لم يجرؤ الفريق الطبي فريق الأحلام على المجازفة دفعة واحدة ولذا اخبر مجوعة المراهقين التجربة الرابعة للحلم ستكون مركزة على فترة النوم بداية. نجحت التجربة. نعم نجحت التجربة وسارت الأمور على ما يرام. كان نجاح تجربة الحلم الرابعة مواتية للانتقال لتجربة الحلم الخامسة وهي تجربة فكرة البنكرياس الصناعي في النهار حيث الأكل والشرب من غير رقابة.
* تجربة (الحلم) الخامسة:
منحنى يوضح مستوى السكر لدى مرضى السكري المستخدمين للبنكرياس الصناعي
نعم، تمت بنجاح تجربة الحلم الخامسة في النهار وكان القراءات إلى حد كبير في الحدود المقبولة حيث أوضحت الدراسة الجديدة التي طبعت في المجلة الأمريكية الشهيرة (نيو إنجلاند) أن مستوى السكر تراوح بين 80 و140 تقريبا بالنسبة للأطفال. وأصبح الآن الأمر ميسرا للانتقال إلى المرحلة السادسة والأخيرة وهي بقاء المشاركين في تجربة البنكرياس الصناعي أشهر على البنكرياس الصناعي.
* تجربة (الحلم) السادسة:
ضمت التجربة السادسة للحلم 58 مريضا من مرضى السكري النوع الأول كبار و صغارا أيضا. ولمدة ثلاثة أشهر متواصلة وكانت نسب ومستويات السكر جيدة لدى هؤلاء المرضى. وهذه هي الدراسة التي أشرنا إليها في بداية المقالة والتي لاقت رواجا واسعا في الأوساط العلمية والأوساط لإعلامية أيضا.
نبذة عن التجارب الستة الماضية:
ضمت تجربة الحلم الأولى 12 مريضا وضمت تجربة الحلم الثانية 15 مريضا وضمت تجربة الحلم الثالثة 54 مريضا وضمت تجربة الحلم الرابعة 150 مريضا وضمت تجربة الحلم السادسة والأخيرة هذه. وكانت هذه التجارب وهذه الدراسات في عدة دول منها سلوفينيا ومنها ألمانيا ومنها أمريكا.
أين نحن من هذه الدراسات في المملكة العربية السعودية:
نترقب بشغف نتائج هذه الدراسات وقد قام في الآونة الأخيرة الدكتور توماس دان من ألمانيا والدكتور تادج بتلينو من دولة سلوفينيا والدكتور بتروفسكي من دولة مقدونيا بزيارة المملكة العربية السعودية والتحدث عن قرب توفر البنكرياس الصناعي عالميا وقد يكون ذلك في مطلع عام 2018 ميلادية. ويتوقع المتخصصون أن توفر البنكرياس الصناعي سيحل مشكلة مرض السكر النوع الأول ولكن يبدو أن البنكرياس الصناعي لن يكون في متناول الجميع لكونه سيكون مرتفع الثمن بداية وقد تنخفض قيمته مع تقدم السنين كما هو الحال مع أي تقنية جديدة. ونحن في المملكة العربية السعودية نستخدم مضخة إنسولين يمكنها تحليل السكر بصفة مستمرة وأيضا يمكنها التوقف عن الضخ تلقائيا في حالة انخفاض السكر. ولكن لارتفاع سعرها فهي لم تكن في متناول الجميع أيضا.
البنكرياس الصناعي هو أحد طرق العلاج الجذرية لمرض السكري النوع الأول وهناك محاولات من طرق أخرى لعلاج هذا المرض منها زراعة الخلايا الجذعية والتي تم تجربتها في عدة دول وقد لاقت نجاحات محدودة ومشجعة نوعا ما. وبالرغم من عدم اعتماد هذه الوسيلة العلاجية من قبل المنظمات العلمية المختصة. إلا التجارب المتفرقة توضح فعالية هذه الوسيلة في المستقبل إن شاء الله. وبخصوص مرضى السكري النوع الثاني، فإن زراعة الخلايا الجذعية تبدو اكثر نجاحا من زراعة الخلايا الجذعية في النوع الأول من السكري وذلك لأن مرض السكر النوع الثاني ليس مرضا مناعيا كما هو الحال في مرض السكري النوع الأول.
مجموعة الأطفال المستخدمين للبنكرياس الصناعي ومراقبة مستوى السكر من قبل الفريق الطبي
قدرة البنكرياس الصناعي في التوصل لمعدل سكر تراكمي أفضل من مضخة الإنسولين
المراحل الست لتجربة الحلم الشهيرة