يجدر بنا الحديث عن التوتر الحاد أو حالات التوتر ما بعد الصدمات لوجود نسبة كبيرة جدًا تتراوح ما بين 5 - 15 % غير معلومة عند الأطباء النفسيين ، بينما تصل نسبة الإصابة 9 – 15 % .
وتسجل النساء معدلات المعاناة من هذا المرض أكثر من الرجال بحيث تصل نسبة الإصابة بين النساء من 10 – 12 % بينما تصل النسبة فى الرجال إلى 5 – 6%.
و يتصف هذا النوع من المرض باستمرار الأعراض بالرغم من شدة حدتها لأكثر من شهر مما يؤثر سلبًا على طبيعة حياة الإنسان المصاب وظيفيًا وإجتماعيًا متفاعلاً هو مع الأعراض بشىء من الخوف والقلق واليأس محاولاً بجدية عدم التعرض إلى أى موقف أو مكان أو حدث يذكره بمثل هذه الصدمات .
وعادًة فالسبب الرئيسى لمثل هذا النوع من القلق هو وجود ضغط شديد مصحوبًا بطبيعة استجابة الشخص لهذا الضغط ومدى مشاركة المجاورين له فى كيفية التعامل مع هذا الحدث ولذلك فليس كل شخص يتعرض لضغط نفسى شديد يصاب بمثل هذا النوع من القلق ولكن نسبة قليلة جدًا فقط هى التى تعاني من الصدمات معتمدة على طبيعة الإستجابة ومدى تكيف الشخص مع هذه المواقف.
فبالرغم من أن أكثر من 60 % من الرجال و50 % من النساء يتعرضون لضغوط عصبية شديدة بصفة متكررة يوميًا إلا أن نسبة ضئيلة جدًا ( 6,7 % تقريباً) منهم يعانون من هذا النوع من القلق.
وتزيد نسبة الإصابة فى مرحلة الشباب نظرًا لكثرة فرص التعرض إلى مواقف و أحداث من الممكن أن تنتج عنها الإصابة بتوتر ما بعد الحوادث أو الصدمات
توتر ما بعد الصدمات في الأطفال والمراهقينإن معظم الدراسات قد ركزت على حدوث المرض في مراحل البلوغ إلا أن نسبة حدوث المرض في الأطفال و المراهقين في زيادة، فالأطفال الذين تعرضوا إلى صدمات بكونها تشكل تهديدًا لحياتهم من صراعات أو حوادث أثناء الحروب أو الحروق، أو أمراض خطيرة أو الكوارث الطبيعية أو صدمات غير مباشرة مثل إصابة أو فقدان شخص عزيز لهم في حروب أو كوارث أو بتعرض الطفل إلى إعتداء جنسي أو جسدي.
و تزيد نسبة حدوث توتر ما بعد الحوادث أو الصدمات في الأطفال الذين تعرضوا لمثل هذه الصدمات النفسية عنه في البالغين الذين تعرضوا لمثل هذه الصدمات بحيث تصل نسبة الأطفال المصابين إلى أكثر من 90%.
و تتأثر هذه النسبة من الأطفال التي تعاني من توتر ما بعد الحوادث أو الصدمات من عدة عوامل مثل العمر، الجنس، المستوى الإجتماعي، المستوى المعيشي، المستوى الثقافي، و الأسرة من درجة التعليم ، طبيعة فهم الأسرة إلى كيفية حدوث المرض أو إلى كيفية حماية الإبن من مدى تأثير تلك الصدمات
و لعل من أشهر الحروب القريبة العهد و التي تسببت في إصابة الكثير من الجنود بتوتر ما بعد الحوادث أو الصدمات هى حروب الخليج وسقوط برجي التجارة العالمي و غزو العراق و أفغانستان.
و حسب الإحصائيات فإنه في حرب الخليج التي بدأت في 1990 و إنتهت في 1991 و التي شارك فيها ما يقرب من 700 ألف جندي فإن ما يقرب من 100 ألف منهم بعد رجوعهم من الحرب أصبحوا يعانون من أعراض كثيرة مثل التوتر و العصبية الزائدة وضعف عام بالجسم وصعوبات في التنفس وآلام متكررة بالعضلات و المفاصل وصداع أو صداع نصفي وإضطرابات بالجهاز الهضمي وتساقط بالشعر وضعف في التركيز وكثرة النسيان.
وقد سميت كل تلك الأعراض بما يعرف (متلازمة حرب الخليج) و مع أن الكثير من الأبحاث قد ربطت كل تلك الأعراض بالمواد الكيميائية التي تعرض لها الجنود أثناء الحرب معتمدة على دراسات أجريت على الذين فقدوا ذاكرتهم بعد الحرب حيث لوحظ وجود تغيرات في تركيب الفص الجانبي من المخ و في العقد القاعدية مع ملاحظة وجود خلل في ميكانيكية النواقل العصبية داخل مراكز المخ المتعلقة بالذاكرة والمواد الكيميائية مع كامل الإعتراف بأن الكثير من الذين خاضوا حرب الخليج يعانون من توتر ما بعد الحوادث أو الصدمات ..
و في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 و التي تسببت في وفاة أكثر من 31 ألف شخص و مصاب فإنه خلال شهر واحد من تلك الهجمات فقد زاد معدل الإصابة بتوتر ما بعد الحوادث أو الصدمات إلى 11.4% و معدلات الإصابة بالقلق إلى حوالي 9.7%.
و في عام 2004 فقد تم إحصاء أكثر من 25 ألف شخص يعانون من توتر ما بعد الحوادث أو الصدمات جراء أحداث 11 سبتمبر 2001.
و في غزو العراق و أفغانستان فإن حوالي 17% من العائدين يعانون من توتر ما بعد الحوادث أو الصدمات.
و تكثر المعاناة في النساء المحاربات عن الرجال حيث بلغت نسبة إرتيادهم العيادات النفسية إلى أكثر من 14% بعد خوضهم حرب الخليج و أفغانستان.
كما تزيد فرص حدوثها فى النساء المطلقات و الأرامل و غير المتزوجات و المنعزلات اجتماعيًا ، أو ذوات المستوى المعيشى المنخفض. وتتزايد أكثر لإحتمال وجود حوادث مثل : الاغتصاب ، الاعتداءات الجسدية ، أو التحرش الجنسى بالفتيات .
وغالبًا فإن حوالى ثلثى الحالات المصابة بالتوتر الحاد الناتج عن وجود صدمات أو حوادث بحياة الإنسان يكون مصحوبًا بأمراض واضطرابات نفسية أخرى مثل : الاكتئاب ، الإدمان ، اضطرابات وجدانية ، وأنواع أخرى من القلق.
الأسباب
و يتدخل دور النواقل العصبية في ميكانيكية حدوث المرض بصورة ملحوظة فقد وجد أن معظم الجنود الذين يعانون من توتر ما بعد الحوادث أو الصدمات و عصبية زائدة وإرتفاع في ضغط الدم وخفقان في ضربات القلب وعرق زائد ورعشة تتملك أطرافه و بالتحليل وجد أن هؤلاء المحاربين لديهم نسبة عالية من الابينفرين في البول.
و عن البنات اللاتي يعانين من تحرشات جنسية فقد لوحظ وجود نسبة عالية من الكاتيكولامينات في البول.
و بالتجربة فإن حقن المرضى المصابين بتوتر ما بعد الحوادث أو الصدمات بمادة Yohimbine اليوهيمبين فقد لوحظ أنه من 30 – 40% منهم عانى من إعادة ذكريات الحوادث الأليمة التي مر بها من فترة في حياته. و لهذا فهناك علاقة أكيدة بين النظام النورأدرناليني و بين ميكانيكية حدوث هذا النوع من القلق توتر ما بعد الحوادث أو الصدمات.
و حول محور إفراز الكورتيزون HPA فقد وجد في فحوصات الدم و البول لدى المصابين بتوتر ما بعد الحوادث أو الصدمات نسبة أقل من الطبيعية لهرمون الكورتيزون المفرز من الغدة الجاركلوية في الدم و البول.
و بالتجربة فحقن المريض بتركيز منخفض من الكورتيزون يؤدي بصورة ملحوظة إلى إنخفاض في نشاط هرمون الكورتيزون cortisone عنه في الأشخاص غير المصابين بالمرض و ذلك لوجود مستقبلات أخرى على خلايا الليمفوسايت غير موجودة عند الأشخاص الطبيعيين.
و بالتالي فليس كل من تعرض إلى صدمات عديدة يعاني من إنخفاض معدلات هرمون الكورتيزون بالدم و زيادة لمستقبلاته بخلايا الليمفوسايت ولكن الأشخاص المصابين فقط بتوتر ما بعد الحوادث أو الصدمات هم لديهم تلك المعدلات المنخفضة للهرمون بالدم.
الأعراض
يعانى المريض المصاب بالتوتر الحاد من تعرضه إلى حادث تصل خطورته إلى تهديد حياته أو تصل إلى إصابات بالغة ، ويغلب عليه الإحساس بالخوف و الذعر الشديدين مصحوبين باختلال الآنية مع عدم القدرة على استذكار بعض الجوانب المهمة من الحادث ، وغالبًا فإن مثل هذا الحادث يعاود للظهور للشخص المصاب مرة أخرى فى صور عدة من أفكار، أحلام ............... إلخ.
ودائمًا ما ينتابه قلق شديد عند تعرضه إلى أى شىء من الممكن أن يذكره بالحادث من صور، أماكن ، أشخاص .............. إلخ .
وتزيد حدة هذه الأعراض لدى الشخص المصاب لتسبب صعوبة فى النوم ، توتر ملازم إلى تفكيره ، ضعف فى التركيز ، تؤثر عليه لتمثل له ازعاجًا فى طبيعة علاقاته الإجتماعية والوظيفية لتسبب إضطراب لكل الأنشطة التى يقوم بها .
العلاج
حوالى 30 % من الحالات المصابة بالمرض يمكن لهم التعافى كليًا ، بينما يظل 40 % من الحالات المصابة تتعايش مع الأعراض ولكن حدتها تكون بسيطة ، ولا يزال 20 % يعانون بدرجة متوسطة ، ويظل 10 % يعانون من الأعراض بصورة مزعجة .
وكلما ظهرت هذه الأعراض بعد التعرض للحادث بسرعة ، واستمرت لفترة قصيرة تكون لها فرصة جيدة فى التحسن مع وجود دعم اجتماعى قوى مع الحرص على تفادى أى مشاكل نفسية أو عضوية أخرى .
ويعتمد علاج مثل هذه الحالات على العلاج العقاقيرى متضامنًا مع العلاج المعرفى السلوكى وفيها يتم تشجيع المريض على الاسترخاء ، لمحاولة إزالة كل مصادر القلق والتوتر ، ولمساعدته على النوم مع استخدام بعض المنومات هذا مع توفير الدعم من بعض الأقارب المقربين للمريض .
ثم ينم التعرض إلى بعض الأشياء التى تذكره بالحادث من خلال صور ، أشخاص ، أماكن ......... إلخ .
إما تدريجيًا أو من خلال مواجهته بمثل الحادث الذى سبق التعرض له .
ويمكن تطبيق نظام علاج المجموعات كما حدث مع العائدين من فيتنام
ويمتاز هذا النوع السلوكى عن باقى الأنواع بوجود المشاركة المفتوحة والدعم المتبادل فيما بينهم أثناء تواجدهم داخل مثل هذه المجموعات .
وأخيرًا فهاك حالات من المرضى المصابين بالتوتر الحاد ، القلق الحاد الناتج من التعرض لحادث تحتاج إلى حجز داخل المستشفى إن ظهر لدى الطبيب المعالج أفكار إنتحاريه