خوف ورعب وخفقان ودوخة والأمل في المعالجة والشفاء يتزايد مع كشف غموضها
إحساس بالغثيان والدوخة
د.علي الزهراني
لوحظ خلال السنوات الاخيرة ازدياد في عدد الحالات التي تشتكي من اعراض نوبات الهلع والتي سنأتي اليها لاحقا , هذه الاعراض تتراوح في مدتها من سويعات الى اسابيع واشهر مما يحتم على المريض الى البحث عن مساعده عبر مراكز الرعاية الاولية او المستشفيات قبل التوجه لعيادات ومستشفيات الطب النفسي.
والحقيقة ان هذه الاعراض تربك حتى الاطباء المتخصصين لدرجة ان البعض قد يعتقد انها نوبات قلبية او امراض عضوية حادة أو حالات عصبية مصحوبة بفقدان الاتزان.
ان اضطراب الهلع اونوبات الهلع تعرف على انها حاله مرضية غامضة تصيب نسبة كبيرة من الناس من مختلف الأعمار، وقد لوحظ وجودها على الجنود أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، وكذلك وصفها فرويد مؤسس علم النفس على انها حالة تتميز بتفاعل القلق والخوف مع سرعة ضربات القلب وسرعة التنفس وضيق الصدر وتكون مصحوبة بحالة أخرى يطلق عليها (فوبيا الأماكن العامة) وهي حالة نفسية تصيب السيدات غالباً عند التواجد خارج المنازل في الأسواق أو الأماكن العامة.
واما احصائيا فتقدر نسبة الإصابة بنوبات الهلع بحوالي 12% من الناس من مختلف الأعمار، وهذا يعني وجود ملايين المرضى الذين يعاني معظمهم في صمت ولا يدركون أن المشكلة تتمثل في الإصابة باضطراب نفسي قابل للعلاج، وتحدث الحالة في النساء بنسبة تصل إلى ضعف نسبة الإصابة في الرجال، ورغم أن الحالة قد تصيب صغار السن من الأطفال والمراهقين والشباب، وكذلك كبار السن، إلا أن أعلى معدلات حدوثها في سن 25 عاما، ويتفاوت تكرار هذه النوبات من شخص إلى آخر.. فبينما تحدث في بعض الناس عدة مرات في اليوم الواحد فإن نسبه أخرى قد تحدث لديهم للنوبات عدد قليل من المرات كل عام، وتسبب هذه الحالات آثار متفاوتة قد تصل إلى حد الإعاقة الكاملة لبعض الناس فلا يمكنهم القيام بأعمالهم أو واجباتهم الأسرية والاجتماعية، وقد تمنع الإصابة للشخص من الخروج من بيته.
وتعتبر نوبات الهلع من الامراض التي اشتغل عليها الاطباء النفسيين وعلماء النفس من اجل سبر غورها ومعرفة اسبابها حيث اقيمت العديد والعديد من البحوث , حيث سارت هذه البحوث في اتجاهين أولهما البحث عن عوامل نفسية مثل الضغوط والصدمات ومواقف الحياة الأليمة التي يؤدي التعرض لها إلى حدوث نوبات الهلع، ويتمثل الاتجاه الثاني في البحث عن عوامل بيولوجية تؤثر على وظائف الجهاز العصبي وكيمياء المخ بما يؤدي في النهاية إلى حدوث هذه النوبات، وبالنسبة للعوامل النفسية فقد ثبت أن نسبه كبيرة من المرضى الذين يعانون من نوبات الهلع لديهم تاريخ مرضي سابق لبعض الصعوبات النفسية التي تتمثل في صدمات أو مواقف خوف ورعب تعرضوا لها في مراحل العمر السابقة خصوصاً في فترة الطفولة. أما بالنسبة للعوامل البيولوجية فقد عكف علماء النفس والأعصاب على دراسة التغييرات التي تصيب وظائف المخ وكيمياء الجهاز العصبي التي تصاحب نوبات الهلع، وقد تبين أن الجهاز العصبي الذاتي الذي ينظم بعض وظائف أجهزة الجسم الأخرى يكون في حالة نشاط زائد مع نوبات الهلع، كما تبين أن كيمياء المخ تتغير بصورة ملحوظة في مرض اضطراب الهلع خصوصاً فيما يتعلق ببعض المواد الطبيعية التي تقوم بتنظيم الإيقاع بين خلايا المخ في المركز التي تسيطر على الانفعالات والسلوك، وهناك ثلاث مواد هي نورابنقرين والسيروتينين، وجدا لهما علاقة مباشرة بنوبات الهلع، كما ترتبط نوبات الهلع بوجود تدلي في صمام القلب المترالي، وتغيرات في الجهاز العصبي تم الكشف عنها عن طريق الفحص بالأشعة المغناطيسية، كما أجريت تجارب بحقن بعض المواد مثل لاكتات الصوديوم أو اليوهمبين مما أدى إلى حدوث نوبات هلع مصطنعة في الأشخاص الذين لديهم استعداد الإصابة بهذه الحالة، وكل ذلك من شأنه أن يؤيد أثر العوامل العضوية في هذا المرض الغامض بالإضافة إلى العوامل النفسية.
وتحدث النوبة فجأة وبصورة تلقائية في أي مكان، وتتصاعد حدة الأعراض لتصل إلى ذروتها خلال 10 دقائق، ورغم أن النوبة لا تستمر سوى 20 – 30 دقيقة في المتوسط ولا تزيد مدتها عن ساعة فإن هذه الدقائق تمر على المريض كأنها الدهر، وتتمثل الأعراض الرئيسية للنوبة فيما يلي:
- شعور هائل بالخوف والرعب دون أن يعرف المريض مصدراً لهذا الخوف.
- يصاحب ذلك خفقان وسرعة وعنف في ضربات القلب لدرجة تجعل الشخص يعتقد أنه أصيب بنوبة قلبية حادة.
- يتصبب العرق وتحدث رعدة في كل الجسم.
-يصاب المريض بالغثيان والدوخة وآلام في الصدر وتثمل في الجسم والأطراف ويصاب ذلك شعور بعدم الاتزان.
- ينتاب المريض إحساس بالاختناق وسحب الروح وشعور هائل بالخوف من احتمال الموت.
- صعوبة بالغة في الكلام واضطراب في الذاكرة، ويتحرك الشخص من مكانه بحثاً عن مخرج من حالة الهلع، وقد يقع مغشياً عليه أثناء النوبة في نسبه 20% من الحالات.
ويسأل الأطباء مرضاهم عن ملابسات وظروف حدوث النوبات وارتباطها بالإثارة أو الإجهاد أو التوتر النفسي، وكذلك عن عاداتهم فيما يتعلق بالتدخين وتناول القهوة واضطرابات النوم، والوسط المحيط بهم في المنزل أو العمل، ولكن المؤكد أن حياة هؤلاء الأشخاص تأثر بصورة بالغة من حيث علاقتهم في الزواج أو الأسرة وانتظامهم في العمل كما أن نسبه تزيد عن 50% منهم يصابون بالاكتئاب.
وعلى الرغم من الانتشار الواسع لحالات الهلع وما تسببه من عبء كبير على المصابين بها فإن الأمل في العلاج والشفاء يتزايد مع كشف غموض هذه الحالات، والتوصل إلى معرفة الكثير عن أسبابها وطرق تشخيصها وأساليب التعامل معها، ومن المهم التركيز على أن هذه الحالات لا تمثل مرضاً عضوياً، ولايجب اللجوء إلى الأطباء من مختلف التخصصات وإجراء الكثير من الفحوص المعملية والخطوات غير الضرورية التي تهدد الكثير من طاقة المريض وجهده في البحث عن مرض بالقلب أو الجهاز التنفسي أو الجهاز العصبي، ومطلوب من المرضى وأقاربهم التمسك بالهدوء في مواجهة هذه الحالات والتخلي عن المخاوف والأوهام التي تصور أنها مقدمة لمرض عضوي أو عقلي خطير، فالأمر ليس كذلك.. ولا داعي لكل هذا القلق. ويسير علاج حالات الهلع في عدة اتجاهات أهمها العلاج بالأدوية النفسية مثل المهدئات والعقاقير المضادة للاكتئاب، وقد ظهر جيل جديد من الأدوية التي تؤثر في تركيز مادة السيروتونين يؤدي إلى نتائج إيجابية سريعة عند استخدامه، لكن الصبر مطلوب لحدوث استجابة جيدة حيث يتطلب ذلك 8 – 12 أسبوعاً حتى تتوقف النوبات، وهنا يجب الاستمرار لمدة كافية (من 8-12 شهراً) مع العلاج حتى يتحقق التحسن ولضمان عدم عودة الأعراض لهذه الحالة المزمنة حيث يحدث ذلك في نسبة 60% من الحالات بعد التحسن، ويتم العلاج الدوائي تحت إشراف الطب النفسي لاختيار الأدوية المناسبة بأقل آثار جانبية ممكنة. ومن أساليب العلاج الأخرى استخدام الوسائل النفسية عن طريق جلسات العلاج النفسي الفردية والجماعية للمريض وأسرته، واستخدام وسائل التدريب على الاسترخاء والتعرض لبعض المواقف للتغلب على الأعراض وما تسببه من صعوبات أسرية واجتماعية، وقد يتم استخدام كل الأساليب العلاجية الدوائية والنفسي في نفس الوقت لتحقيق تحسن سريع ومنع كل المضاعفات المحتملة.
خفقان وسرعة وعنف في ضربات القلب
شعور هائل بالخوف والرعب
يتصبب العرق