أحد المواضيع الأكثر تحدياً وإثارة للجدل في جراحة القولون والمستقيم
الجراحة العلاج الرئيس
د.أحمد الزبيدي
يأتيني مرضى كُثر مصابون ويعانون من الناسور الشرجي المزعج والذي يكمن إزعاجه في كثرة الإفرازات التي تخرج منه ومن الألم الذي يشعر المريض معه وأكثر ما يسألني عنه هؤلاء المرضى هل هناك علاج للناسور بالليزر. كنت قد كتبت قبل سنة تقريبا مقالا عن الناسور الشرجي أستعيد منه بعض المقتطفات قبل أن ادخل في الإجابة عن سؤال علاج الناسور الشرجي بالليزر. الناسور (أو ما يسمى بالفستولا (Fistula) كما يحب ان يتشدق بها بعض المثقفين من بعض مرضاي)هو وصف لقناة لم تكن أصلاً موجودة في هذا الموضع، بل ظهرت نتيجة لالتهاب طارئ في هذا الموضع.
فالناسور الشرجي عبارة عن اتصال مرضي بين القناة الشرجية أو المستقيم والجلد حول الشرج، فهو حالة مرضية شائعة قد تنتج تلقائياً أو تتطور من بعد علاج الخراجات الشرجية الحادة. فعلى الرغم من شيوع هذا المرض الى حد كبير، إلا أننا نفتقر لوجود أرقام تقديرية دقيقة لنسب الإصابة به. يعود ذلك لوجود حالات كثيرة لا يتقدم المريض المتضرر إلى الطبيب شاكياً منها، مما يسبب في عدم وجود سجل وطني أو حتى عالمي دقيق لهذه الحالات. إن من الممكن أن يؤثر هذا المرض سلبا على الحياة اليومية للمريض من خلال ما تسببه من آلام يومية طفيفة، مع وجود حرج اجتماعي في أيسر الحالات، وفي الحالات الشديدة، قد تؤدي إلى صدمة بكتيرية ينتج عنها تسمم دموي بكتيري، بالرغم من أن النواسير الشرجية من الأمراض الحميدة، إلا أنه لا يزال علاج الناسور الشرجي أحد المواضيع الأكثر تحديا وإثارة للجدل في جراحة القولون والمستقيم إلى يومنا هذا.
كنت جالسا في عيادتي ذات مساء عندما طرق الباب رجل وزوجته من أرض مصر العزيزة _ لم يكن لديهما موعد في عيادتي ذاك المساء وكان يبدو الانزعاج على محياهما والألم والخوف على وجه الزوجة. وتقديرا لظرفيهما قبلت أن أراهما تلك الليلة. بدأ الزوج في الحديث قائلاً إن زوجته كثيرة الإمساك وتعاني من ألم عند الإخراج مع بروز مؤلم حول الشرج أجلكم الله وبسبب ذلك ذهبت للجراح الذي أخبرهم بعد الكشف والفحص أن لديها بواسير من الدرجة الرابعة ولابد من استئصالها وكان محقاً في ذلك. وبعد انتهاء فترة النقاهة التي تقدر ما بين اربعة الى ستة أسابيع لم تنتهِ معاناة زوجته بل بدأت تعاني من خروج صديد بكميات كبيرة من فتحة حول الشرج ظهرت بعد أربعة أسابيع من إجراء العملية مع وجود ألم كسابق عهدها في وقت ما قبل العملية. قمت بفحص المريضة التي وجدت انها تعاني من ناسور شرجي حدث كمضاعفة للعملية. عندما أخبرتها بهذا الخبر ارتعدت فرائصها وتذكرت معاناتها مع عملية استئصال البواسير وذرفت دمعا لو وزعناه تلك الليلة على من في العيادة لكان كافياً لوضوئهم. وبدآ يسألان عن خيارات العلاج وقالت لي هل هناك خيار للعلاج بالليزر وهل ألمه مساوٍ لما مرّت به بعد عملية البواسير أم ماذا؟!
يمتد الشرج من نهاية المستقيم لمسافة أربعة سنتيمترات تقريباً عند الرجال وثلاثة سنتيمترات لدى السيدات، تغلفه بشكل دائري وتحكمه عضلتان عاصرتان، داخلية وخارجية، ويتحول الغشاء المخاطي المبطِّن للشرج عند هذه العضلات،إلى بشرة جلدية سميكة على شكل خط متعرجٍ، يشبه أسنان المشط. يحتوي هذا الجزء من الشرج على مجموعة من الأوردة والشرايين والأعصاب والغدد والتجاويف، التي تسهل اصابتها، فتصبح مصدراً للمتاعب. يوجد نوعان من الناسور الشرجي، أحدهما النوع البسيط، الذي يفتح على الجلد بفتحة واحدة، والآخر الناسور المركب، أو متعدد الفتحات والذي يفتح على الجلد الخارجي بعدة فتحات.
كثيراً ما يبدأ الناسور الشرجي بوجود خراج شرجي تصاحبه آلام في الشرج، مع تورم وارتفاع في درجة الحرارة. ينفجر الخراج تلقائيا إذا ما ترك. عندها تختفي الأعراض الحادة عند خروج ما به من أذى وصديد، فيزول الألم والتورم، وتعود درجة الحرارة إلى طبيعتها، ولكن يستمر نزول الإفرازات الصفراء (القيح والصديد) تخرج من فتحة حول الشرج. وقد يتكرر حدوث هذه الالتهابات في الناسور، فيؤدي ذلك إلى حدوث ناسور آخر ثانوي، مما يجعله ناسوراً متشعباً، ويتحول للمرحلة المزمنة، التي لا يمكن علاجها دوائيا، وتتطلب تدخلاً جراحياً. عادة عندما يُطلب من الجراح علاج الناسور الشرجي فإنه يأخذ في اعتباره علاقة الناسور بالعضلات الشرجية العاصرة المسؤولة الرئيسية عن نعمة التحكم التي نرفل بها. فيلجأ الأطباء في تشخيصهم وتعاملهم مع هذا المرض في معظم الحالات على الاعراض السريرية، وعلى قيامهم ببعض الإجراءات التشخيصية مثل الرنين المغناطيسي بشكل رئيسي عند توفرها حيث انها الأفضل والأكثر دقة من الفحوصات. يقوم هذا الفحص بتصنيف الناسور ووصف وضعه بالنسبة للعضلة الشرجية القابضة حسب التصنيف العالمي المتعارف عليه والمسمى بتصنيف بارك. يعتمد هذا الأسلوب تصنيفاً بسيط كليا يعتمد على موقع الناسور. حيث يقسم الناسور الى إما ناسور منخفض، حيث من اسمه يلتف حول الثلث الأخير (السفلي) من العضلة العاصرة إما الداخلية أو الخارجية أو بهما معاً. وذلك على عكس، الناسور الغائر أو العالي والذي ينطوي على أكثر من الثلث السفلي من المصرة الشرجية. وهذا التقسيم يسهل الأمر على المريض فهم المخاطر والمضاعفات المحتملة مع علاج الناسور خاصة العالي منها والذي يحمل في طياته أن علاجها أكثر صعوبة وأكثر احتمالية إصابة المريض بضعف التحكم الشرجي والسلس البرازي لا قدر الله. هناك طريقة أخرى لتصنيف النواسير الشرجية وهي إما بسيطة أو معقدة (أي متفرعة) وهي طريقة تأخذ في الاعتبار أيضا العوامل الأخرى التي تؤثر على قوة العضلة وبالتالي قوة التحكم بالغائط. فطريقة بسيطة مقابل معقدة تأخذ في عين الاعتبار كلاً من موقع الناسور وغيرها من العوامل: مثلا، النواسير التي تعتبر معقدة تشمل النواسير الأمامية لدي السيدات وذلك لضعف العضلة من الأمام لديهن، تلك التي تصاحبها أمراض مزمنة كمرض كرون وداء السل على سبيل المثال، أو عند أخذ المريض لعلاج إشعاعي، أو خضوعه لعمليات استئصال أورام، وغيرها، أو إشراك الأجهزة الأخرى في الناسور (على سبيل المثال، المهبل، قاعدة كيس الصفن، والمثانة البولية).
العلاج الجراحي هو العلاج الرئيسي للناسور الشرجي وهو عبارة عن استئصال الناسور والأنسجة المحيطة به وتركه مفتوحاً ليلتئم، أو فتح الناسور وشقه طولياً حتى يختفي الالتهاب ويشفى. وهذه الطريقة تصلح للناسور السفلي وغير المعقد فقط. أم في حالة الناسور العلوي المتداخل في العضلة المتحكمة في البراز يتم تركيب خيط حريري جراحي يسمى (سيتون Seton) يبقى مع المريض لمدة لا تقل عن ستة أسابيع يكون عمل الخيط في هذه المدة هو القطع التدريجي في العضلة دون السماح للعضلة بالانفصال وفي نفس الوقت يسمح ويعطي الوقت للأنسجة المحيطة بالالتئام عن طريق التليف مما يحافظ على أداء العضلة وبالتالي لا يتأثر تحكمها بخروج البراز لا إرادياً بشكل ظاهر كما يحدث مع الطريقة الأولى. من العيوب الرئيسية لهذه الطريقة هو طول المدة التي ينتظرها المريض مع هذه الطريقة. وهنا يأتي حل العلاج بالليزر الضوئى الذي يستخدم شعاعا ضوئيا من الليزر يمر داخل الناسور حتى يكويه ويشفى. ومع كثرة أسئلة المرضى عن هذا العلاج قمت بزيارة جراح في ألمانيا قام بالتعاون مع إحدى شركات الليزر بتطوير مبضع ضوئي لاستخدامه في علاج الناسور الشرجي العالي والنواسير المقعدة عامةً وجرب مع الشركه هذه الطريقة على أحد عشر مريضا. التأم الناسور عند تسعة مرضى من أصل أحد عشر مريضاً والذين قام بمتابعتهم لمدة تسعة أشهر (في المتوسط) بعد العملية. أي أن نجاح تجربته بلغ 82%. أما بالنسبة للمريضين الأخيرين فإن أحدهما كان ناسوره من النوع خارج العضلة والآخر ملتفاً بشكل نصف دائري حول الشرج على شكل حذوة حصان حصلت مع هذا النوع نسبة خفيفة جدا من التسريب غير المتحكم به وبكمية مقبولة وضئيلة جدا. نشر هذا الجراح نتائج تجربته هذه قبل 4 سنوات تبعها بعد جراح آخر من إيطاليا قام بنفس التجربة على خمسة وثلاثين مريضا ونشرها في نهاية عام 2013. وصلت نسبة التئام الناسور في التجربة الإيطالية 71%. بينما كانت نسبة الفشل 23% وابتلي اثنان من المرضى برجوع المرض مرة أخرى في الستة أشهر التالية للعملية. ولم يسجل الجراح اي نسبة عدم تحكم في مرضى هذه التجربة. وفي الخلاصة هناك طرق عدة لعلاج الناسور، الليزر الضوئي هو أحدث طرق العلاج مع تفاوت النتائج ونحن معشر الجراحين في انتظار المزيد من النتائج للدراسات المقامة حالياً سواء كان في المملكة أو خارجها مع العلم أنه بغض النظر عن الطريقة العلاجية إلا أنه لا تزال احتمالية عودة الناسور قائمة خصوصاً عند عدم التئام الجرح بعد العملية.
العلاج قد يبدأ بالأدوية
الآلام قوية وشديدة