بكتيريا نافعة تعيش في الأمعاء الغليظة تصنع بعض الفيتامينات وتكسر العديد من المواد السامة
الكبد
بعدما يهضم أغلب الغذاء في المعدة ينتقل عبر بوابة منظمة عليها حراسة مشددة تسمح بنقل الغذاء شبه المهضوم وشديد الحموضة الى الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة وهو الإثنا عشر على هيئة أجزاء أو لقم صغيرة تمكن أعضاء الجهاز الهضمي من التعامل معها وكأنها جهاز الكشف على الأشخاص المستخدم في المطارات التي تستخدمه السلطات الأمنية لتمرير كل مسافر على حدة وتفتيشه والتأكد من عدم وجود أي ممنوعات معه. أيها المسافرون الكرام استعدوا الآن لندخل إلى قناة الفرز واستكمال الهضم والامتصاص والتصنيع . تتكون هذه المحطة من عدة محطات متفاوتة ومختلفة تماماً في طبيعة عملها، فهي محطات متخصصة كل محطة تركز في عملها على مكون محدد من مكونات الطعام ولكنها تعمل بتكامل عجيب، هذه المحطات هي الأمعاء الدقيقة، ومراكز التصنيع والهدم والتحكم أقصد بها الكبد والبنكرياس، والغدد المفرزة للإنزيمات والهرمونات. سميت الأمعاء الدقيقة بهذا الاسم لصغر قطرهاحيث يبلغ طولها في المتوسط حوالي 6 أمتار وقد تزيد وتتكون من ثلاثة أقسام منها جزء يبلغ طوله 26 سم وهو الإثنا عشر وحوالي مترين ونصف تكون المعي الصائم وحوالي ثلاثة أمتار ونصف يسمى المعي اللفائفي، وهذه التسميات لها علاقة بشكل المعي ووظيفته .
بعد وصول الكيموس وهو الطعام شبه المهضوم من المعدة للإثني عشر وهو في بيئة حامضية جداً كما ذكرنا يتم تغيير حمضيته تلك للعكس تماماً ليكون قاعدياً نسبياً وبهذا يقضى على بقية الميكروبات المحبة للحموضة ويكون الغذاء مناسباً للاحتكاك بجدران الأمعاء مباشرة دون خطر على احتراقها بالمادة الحمضية حيث لا توجد نفس المادة المخاطية التي تغطي الطبقة الداخلية للمعدة بل لابد له في هذه المرحلة من الوصول للشعيرات الدموية التي تمتصه وتنقله للأماكن المناسبة لكل نوع منه .
الآن الكبد جاهز ليقوم بعمله فلديه معلومات سابقة عن تركيب الطعام القادم له لكونه مصنع الجسم الحقيقي فهو يعد أكبر عضو يحتوى على غددٍ هاضِمةٍ ومصنِعةٍ ومخزِنةٍ وفي نفس الوقت هو مكان التخلص من سموم الجسم وإعادة تصنيع بعضها ، وهذا العضو الذي يبلغ وزنه حوالي كيلو ونصف يقوم بحوالي 500 عملية للدم فقط وعمليات أخرى للطعام وغيره ، ولهذا تليف الكبد كاملاً وموته يعني عدم قدرة الجسم على الحياة لأكثر من 24 ساعة، ومن نعم الله أن الكبد ينمو عند استئصال جزء منه ولو جزء كبير ويستعيد وظائفه على الرغم من أنه يتكون من أربع فصوص مختلفة المهام.
الامعاء الدقيقة
الحديث عن الكبد حديث ماتع لما في هذا العضو من عجائب ولما يتعرض له من أخطار يحاول التخلص منها حتى يأتيه مرض يجهز عليه مثل التهابات الكبد الفيروسية والوبائية والتكيس والتليف، وأعدكم أعزائي الكرام بتخصيص صفحة كاملة عن ذلك العضو المهم وعن أفضل وسائل التغذية لمرضى الكبد الذين يزداد عددهم بشكل كبير وأيضاً نصائح للوقاية من الأمراض التي تصيب الكبد من الغذاء .
يصل للكبد دورة دموية خاصة به من القلب مباشرة لتنفذ مهام محددة وفي نفس الوقت تصل باقي أجزائه الدورة الدموية العامة للجسم ، وسبب تلك الخصوصية أن الكبد يقوم بعدة أدوار منها البناء والهدم والتخلص من السموم وبناء الدم وتفكيك المواد المنتهية منه وإعادة تصنيعها والتخلص مما لا يمكن الاستفادة منه. ويفرز الكبد سائلاً يسمى (الصفراء) يذيب الدهون ويكون منها مادة مستحلبة تكون سهلة لعمل الإنزيمات الهاضمة الخاصة بالدهون ومنها إنزيم (الليبيز)، يتم تخزين ذلك السائل عند الحاجة في كيس نعرفه جميعاً اسمه (المرارة)، ودوره تخزين كمية من سائل الصفراء للحاجة فإذا تكرر التهاب ذلك الكيس أو تكونت فيه حصوات كبيرة فالحل التخلص منه جراحياً ولا يكون على الشخص خطر من ذلك إذا نظم تناول الدهون لأن تناول كميات كبيرة منها تحتاج كمية من سائل الصفراء بعد الوجبة مباشرة لا تتوفر عند استئصال المرارة ولكن الكبد يفرزه بشكل مستمر يكفي لإذابة كمية معقولة من الدهون .
ينتقل الطعام المهضوم للأمعاء الدقيقة وتواصل الغدد إفراز المواد الخاصة بها مثل البنكرياس -وهذا اسمه الإنجليزي وهو الشائع لهذا سأستخدمه هنا- أما اسمه العربي فهو (المعثكلة) ولا أظن أن كثيرا منا يعرف هذا الاسم لتقصيرنا في استخدام اللغة العربية . يفرز البنكرياس مجموعة من الإنزيمات الهاضمة في الأمعاء بالإضافة لإفراز هرمونات الإنسولين والجلوكاجون في الدم من خلايا (لانجرهانز) ليقوم كل منها بدوره في تنظيم نقل الجلوكوز وإدخاله للخلايا كما يوجد هرمون الجاسترين الذي يعمل على تحفيز إنتاج الإنزيمات الهضمية وهو هرمون يفرز أساساً في المعدة ولكنه يقوم بعدة أداور في الأجزاء الأخرى، كما يفرز هرمون الجريلين الذي ينظم حاسة الجوع والشبع . من أهم الإنزيمات التي يفرزها البنكرياس أنزيمات (التيربسين، والكيمو تربسين ، والكاربوكسي ببتايديز) وفي غالبها متخصصة في هضم البروتين إلى مركبات أبسط حتى يصل إلى مركب الببتيدات الثنائية البسيطة .
لنعود إلى الأمعاء الدقيقة ونذكر بأن أهم عملها هو اكمال عملية الهضم ثم امتصاص أغلب العناصر الغذائية فهي تتكون من عدة طبقات وتتكون كل طبقة من تركيبات أصغر تتناسب ومهمة ذلك الجزء، وتتكون الطبقة الداخلية من خملات متموجة لتعطي مساحة أكبر لتعرّض الأغذية المهضومة للشعيرات الدموية التي تمتص العناصر الغذائية وتنقلها للدم ثم للخلايا المعنية، وتتركب تلك الخملات من حلمات أصغر ثم أصغر ثم أصغر حتى لا يكون بين الطعام ومجرى الدم إلا أنسجة بسيطة شبه منفذة حيث تنتقل بعض العناصر الغذائية بفعل طاقة دافعة له للدم وتنتقل أنواع أخرى من العناصر الغذائية حسب التركيز من الأكثر تركيز في الأمعاء إلى الأقل تركيزا في الدم من خلال عمليات معقدة مذهلة. في الأمعاء الدقيقة تكتمل منظومة الهضم بإفراز إنزيمات هاضمة متخصصة مثلاً البروتينات شبه المهضومة يفرز عليها إنزيمات تسمى (أمينو ببتايديز والببتايديز الثنائي) لتحولها إلى مركباتها الأولية التي تسمى الأحماض الأمينية. ولاستكمال هضم الكربوهيدرات شبه المهضومة تفرز إنزيمات (سكريز ومالتيز ولاكتيز) لتحول السكريات الثنائية السكروز والمالتوز واللاكتوز بالترتيب إلى جلوكوز وهو السكر البسيط الذي يدخل الدم ومنه للخلايا ولهذا يسمى بسكر الدم. بالنسبة للدهون يفرز عليها إنزيم الليبيز ليحولها إلى أحماض دهنية ثم تمتص للدم. كما يمتص في آخر الأمعاء الدقيقة بعض الفيتامينات والمعادن. الآن الغذاء على هيئة عناصر غذائية بسيطة مناسبة لدخول الدم تدخل وينقل بعضها للخلايا لتصنعها وتحولها لمركبات أصغر أو طاقة أو تحويلها من دهون حيوانية أو نباتية أو سكريات الى دهون إنسان وتخزن في خلايا خاصة بها، وبعضها ينتقل للكبد ليصنع لمركبات إنسان أو يعاد تركيب الأحماض الأمينية لبروتين إنسان ويكون الدم والعضلات وغيرها .
المحطة الأخيرة
هي محطة الأمعاء الغليظة ويبلغ طولها حوالي 1.5 م وتتصل بالأمعاء الدقيقة من أسفل البطن حيث توجد الزائدة الدودية وهي كيس صغير يجمع السموم في حالة التسمم ولهذا يتعرض كثيراً للالتهابات التي تسبب بعض الآلام العارضة، وفي حالة التهابه الشديد لا بد من استئصاله . ثم ترتفع الأمعاء للأعلى في الجهة اليمنى للبطن وتسمى القولون الصاعد ثم تمر فوق الأمعاء لليسار وتسمى القولون المستعرض ثم تنزل لجهة يسار البطن وتسمى القولون النازل وتنتهي بالمستقيم ثم فتحة الشرج حيث تطرد الفضلات التي لا يحتاجها الجسم مع نتاج العمليات الحيوية والسموم .
تعيش في الأمعاء الغليظة بكتيريا نافعة تصنع بعض الفيتامينات وتكسر بعض المواد السامة وللأسف يقتلها تناول المضادات الحيوية التي يتناولها البعض أحياناً ولهذا اقترح تناول الزبادي أو اللبن الذي يحتوى نفس الأنواع لتعويض الميت منها، وهناك بكتيريا أخرى ضارة تنتج الغازات فإن زادت سببت بعض المشاكل .
العجيب أن الماء لا يمتص إلا في هذه المحطة وأيضاً بعض الفيتامينات والمعادن ، والسبب في ذلك أن الماء لو امتص من الأمعاء الدقيقة لما تمكن الجسم من إكمال الامتصاص في بيئة شبة جافة ، ولكون الماء هو البيئة الميسرة للامتصاص جعله الله عز وجل يمتص في آخر محطة بعد أن يخدم العمليات كلها . وصلنا بحمد الله لنهاية الرحلة أرجو أن تكونوا قد استمتعتم واستفدتم منها.