يجب المحافظة عليها ..والاستخدام المفرط للمضادات الحيوية قد يضعفها..
الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية قد يضعف البكتيريا النافعة المتعايشة
حقيقة لابد لنا من وقفة مع ما يعرف بالبكتريا المتعايشة وهي بكتريا في العموم غير ضارة، وعادة ما تتواجد في الأمعاء وإن كانت تتواجد في أماكن مختلفة في الجسم، ومثال ذلك الجلد والفم والجهاز الهضمي والعين والمجرى البولي وغيرها. وقد تتفوق أنواع البكتيريا غير الضارة في عددها وكمها على البكتيريا الضارة. وإن اقترن اسم البكتيريا بالمرض عند الكثير من الناس للاعتقاد بأنها جميعا ضارة، ولكن في الواقع العدد والكم الأكبر من البكتيريا غير ضار أو قد يكون نافعا في بعض الأحيان. وموضوعنا اليوم عن البكتيريا المتعايشة وغير الضارة أو النافعة. والسبب أننا نود التحدث عن هذه البكتريا المتعايشة وذلك لما قيل في الآونة الأخيرة أن هناك علاقة بين هذه البكتريا أو وجودها أو بالأحرى عدم وجودها ومرض السكري.
ولعل المرء يتساءل كيف تكون هذه البكتريا التي تعرف بالبكتيريا الطبيعية أو البكتيريا المتعايشة، كيف تكون نافعة في بعض الأحيان. ولتفسير هذا الأمر، فإنه علميا يقال إن هذه البكتيريا تحتل مكانا في الجسم أو تحتل مكانا أو حيزا في الجسم. فمثلا لو فرغ هذا المكان من هذه البكتيريا المتعايشة، فسوف يحل محلها البكتيريا الضارة وبالتالي يسبب عدم وجودها مرضا للإنسان. كما أن بعض الدراسات العلمية ذكرت أن بعض أنواع البكتريا المتعايشة تفرز مواد معينة تعمل على القضاء على البكتريا الضارة أو أن هذه المواد تقوم على توفير بيئة معينة غير محببة لنمو البكتريا الضارة. وملخص القول إن البكتريا المتعايشة تقوم بعدة طرق مختلفة تؤدي في نهاية المطاف إلى رفض تواجد البكتيريا الضارة. وإن استوعبنا الكلام السابق، فإننا سوف ندرك أن المحافظة على هذا النوع من البكتيريا أمر مهم، وأننا يجب محاربة جميع الأمراض التي قد تؤدي إلى التقليل من نسبة تواجد هذه البكتيريا المتعايشة النافعة، وإلا أصبنا بأمراض أخرى مختلفة.
وهنا يجب أن نتوقف ونسأل: هل هذه البكتريا المتعايشة والتي نعتقد بعدم ضررها. هل هي نافعة؟، أو هل هي غير ضارة على مدار السنين؟ أو أنها قد تتسبب في حالات نادرة في حدوث إصابة بالأمراض. والإجابة على هذا التساؤل هو أنه في بعض الحالات قد تتسبب البكتريا المتعايشة في حدوث الأمراض. ومثال ذلك إذا انتقلت هذه البكتيريا المتعايشة من مكانها الطبيعي إلى أماكن أخرى ليست بمكانها المعتاد والمتعارف عليه. فمثلا البكتيريا المتعايشة التي توجد وتتواجد في الأمعاء لو انتقلت من مكانها في الأمعاء إلى المجرى البولي نتيجة وجود عيب خلقي يصل مجرى الأمعاء الغليظة بالمجرى البولي، فإنه في هذه الحالة قد تسبب هذه البكتريا المتعايشة والتي يفترض أنها غير ضارة، قد تسبب ضررا في المجرى البولي أو التهابا بوليا. وهناك أيضا مثال آخر، وهو لو أن هذه البكتيريا المتعايشة غير الضارة والمتواجدة على سطح الجلد، لو أنها وجددت تشققا في الجلد مثلا، فإنها سوف تتسرب من الجلد إلى الدم وقد تسبب مرضا في هذه الحالة. أو أنه في حالات نقص المناعة مثلا، فهذه البكتيريا المتعايشة قد تسبب مرضا ما عندما يضعف الجسم ويوهن. ولكن يجب أن يعلم أنه ما سبق ذكره وهو تحول البكتيريا المتعايشة غير الضارة إلى بكتيريا مرضية ضارة هو حالة نادرة وليس تحدث في العموم. فلا تزال البكتيريا المتعايشة ينظر لها على أنها بكتيريا غير ضارة أو حتى مفيدة. ومن عجائب ما يطلعنا عليه العلم بين فترة وأخرى أن هذه البكتيريا المتعايشة والتي هي غير ضارة لجسم ما، فإنها لو انتقلت إلى جسم إنسان آخر لأضرته، ومثال ذلك البكتيريا المتواجدة في الأنف، فهي غير ضارة للإنسان التي تعيش فيه ولكن هب أنها لو انتقلت إلى إنسان آخر، ووصلت إلى الأنف أيضا وليس إلى مكان آخر كما ذكرنا من قبل ولكن نفس المكان من الجسم، فإنها قد تسبب له ضررا. فهي ضارة لشخص ما وغير ضارة لشخص آخر. وهذا من عجائب خلق الله ويدل على عمق العلم الذي نحوم حوله ونحاول تدبره. ويعكف العلماء على دراسة هذه البكتريا والتعرف على أنواعها والعمل على زراعتها في المختبرات والتعرف على أنواع المضادات الحيوية التي قد تقضي عليها خطأ عند علاج الأمراض المختلفة. وقد يكون هذا الأمر مهما جدا. فإن بعض أنواع المضادات الحيوية قد تقضي على هذه البكتيريا النافعة للجسم. والعجيب أن بعض الدراسات أوضحت أنه تم التعرف على القليل فقط من أنواع البكتيريا المتعايشة غير الضارة. ومازال العلم قاصرا في هذا المجال.
البكتيريا المتعايشة النافعة
ومرض السكري وزيادة الوزن
من الدراسات الطريفة في هذا الجانب هي تلك الدراسة التي نظرت إلى نسبة تواجد البكتيريا الكامنة في الأمعاء وعلاقة نسبة التواجد هذه بإصابة الشخص بزيادة الوزن أو مرض السكري النوع الثاني. الدراسة ضمت سبعة وعشرين مريضا بزيادة الوزن حيث كانت كتلة الجسم لديهم تفوق الأربعين في المائة وهي كتلة جسم عالية وكذلك ستة وعشرين مريضا من مرضى السكري النوع الثاني. وتمت مقارنة نسبة تواجد أنواع معينة من البكتيريا الكامنة في الأمعاء مع أشخاص سليمين أي غير مصابين بمرض السكري أو زيادة الوزن وقد بلغ عددهم ثمانية وعشرين شخصا سليما. وقد لوحظ بالفعل وبتقييم تواجد هذه الأنواع من البكتيريا أن نسبة التواجد لهذه البكتيريا لدى مريض السكري كانت أقل بنسبة تتراوح ما بين 14 في المائة و28 في المائة. وكذلك الأمر، بالنسبة للأشخاص المصابين بزيادة الوزن، حيث كانت نسبة تواجد البكتيريا في الأمعاء لديهم أقل بنسبة تراوحت بين 4 في المائة و14 في المائة.
وهذه النسب قد تكون متفاوتة بين شخص وآخر وبين بكتيريا وأخرى في الأمعاء. ويعتقد أن هذه الأنواع من البكتيريا المتواجدة في الأمعاء مفيدة نوعا ما لصحة الإنسان. حيث إن عدم تواجدها قد يؤثر سلبا على الإنسان. والتساؤل المرح المطروح الآن هل مرضى السكري الذين يفتقدون لهذه الأنواع من البكتيريا يستفيدون من زراعة البراز الحاوي على هذه البكتيريا النافعة. سؤال قد يبدو لأول وهلة غريبا نوعا ما ولكن نود التحدث بعض الشيء عن هذا الموضوع.
هل تسبب البكتيريا مرض السكري
بعد التحدث عن مرض السكري بأنه قد يسبب نقصا في كمية البكتيريا النافعة في الجسم أو بالتحديد في الأمعاء وأن الشخص الذي لديه نقص في كمية البكتيريا النافعة في الأمعاء قد يكون عرضة للإصابة بمرض السكري وزيادة الوزن. نود التحدث هنا عن الافتراضية التي تقول بأن مرض السكري قد يكون بسبب التهاب بكتيري أو أن بعض أنواع البكتيريا قد تسبب مرض السكري. فالدراسات المستفيضة في هذا المجال تقول بأن بعض أنواع البكتيريا قد تحدث التهابا في الأمعاء أيضا وقد يكون ذلك هو المسبب المبدئي لمرض السكري النوع الثاني. ولا يعرف تفاصيل الالتهاب الذي تحدثه هذه البكتيريا وبالتالي تسبب مرض السكري ولكن يعتقد أن هذه الأنواع من الالتهابات قد تحدث انخفاضا في طاقة الشخص وبالتالي تزيد من وزنه وبالتالي تضعف من حساسية مستقبلات الإنسولين وتسبب في نهاية الأمر مرض السكري. إن عمليات إنقاص الوزن بوسيلة العمل الجراحي مثل قص المعدة أو تحوير مجرى الطعام في الأمعاء أثبتت جدواها في خفض الوزن وكذلك خفضها لمستوى السكر في الدم, ويعتقد أن السبب في نجاح هذه العمليات في معالجة مرض السكري هو أنها تتخلص من هذه البكتيريا الضارة المسببة لمرض السكري.
ليس فقط الاعتقاد بأن البكتيريا قد تكون مسببا لمرض السكري ولكن أيضا مضاعفات مرض السكري. فمن مضاعفات مرض السكري تأثيره على الأعصاب. ويعتقد أن البكتيريا تلعب دورا أيضا في حدوث هذه المضاعفات أو على الأقل استفحالها. وكذلك الأمر بالنسبة الكلى ومضاعفاتها وحدوث الحصوة في المجاري البولية ونحوها. حيث أن هذه البكتيريا تحدث التهابا في الأغشية المخاطية التي تمتد في المجاري البولية ونحوها. ويبدو أن مسألة الالتهابات البكتيرية ومضاعفات مرض السكري تعدت أمر السكري ومضاعفاته إلى مرض السكري والأمراض المصاحبة له مثل مرض ضغط الدم وارتفاعه والدهون ونحوها. ومازال البحث جاريا.
إن العلم كل حين وآخر يطالعنا بأمر جديد عن مرض السكري ومسبباته ومضاعفاته. ونحن لا نزال ننتظر معرفة المسبب الحقيقي لهذا المرض المستفحل لكي ننعم بالعلاج الأنسب له. ونسأل الله أن يكون هذا العلاج الجذري قريبا.
توجد البكتيريا النافعة في الأمعاء الغليظة عادة وفي غيرها من الأماكن
يجب المحافظة على البكتيريا النافعة لما تعود به من نفع على جسم الإنسان