وقاية الأطفال من أمراض الكلى.. وقاية للمجتمع
د. تركي بن عبدالله الشريف *
يحتفل المجتمع الطبي باليوم العالمي للكلى سنويا في شهر مارس، وفي احتفالهم السنوي الحادي عشر لهذا العام تقرر أن يكون التركيز على أهمية الانتباه لأمراض الكلى عند أطفالنا.
لا شك أن الأطفال زينة الحياة وبهجتها، والعناية بهم والحرص عليهم وتنشئتهم بطريقة سليمة من آفات السلوك وسليمة من أمراض الجسد، من نتائجها ان يصبح المجتمع مجتمعاً متماسكاً، قوياً، متيناً، وسليماً من تلكم الآفات والأمراض، وفي المقابل فإن التقصير في هذه الجوانب سيفرز لنا العكس لتكتوي بآفاته مختلف الفئات.
هذه الحقيقة تنطبق أيضاً على أمراض الكلى، فقد أدرك المجتمع الطبي أن مضاعفات أمراض الكلى عند الكبار، تبدأ منذ طفولتهم، حيث ان الأطفال الذين يتعرضون لقصور كلوي حاد لأي من الأسباب الواسعة والعريضة قد يعانون من آثارها طويلة الأمد، ولتوضيح الصورة أكثر، فإن الأطفال مثلاً عرضه للجروح والكدمات، بعضها قد ينهي الحياة وأخرى يبقى أثرها على الجلد بقية العمر وبعضها يلتئم بلا أثر، كذلك الحال على مستوى نسيج الكلى، فقد تتعرض الكلى لجرح قاتل ومميت أو جرح بسيط غير مؤثر، الفرق طبعاً أن الجرح الظاهر واضح لكل ذي عينين بينما جرح الكلى خفي ولا يتبين إلا بالفحص والتقييم الطبي الخبير.
من جانب آخر، أمراض الكلى المزمنة لدى الأطفال، والتي في أغلبها ناتجة عن تشوهات خلقية أو مضاعفات جانبية لأمراض غير كلوية، قد تؤدي إلى وفيات مبكرة أو عجز دائم يمتد إلى ما بعد مراحل الطفولة، نتائج الأبحاث الطبية المتواترة أشارت إلى أن ارتفاع ضغط الدم والزلال البولي والقصور الكلوي المزمن لدى الكبار مرتبط إلى حد كبير بمشاكل طبية حدثت في مراحل مبكرة من عمر المريض تمتد إلى فترة ما قبل الولادة أي عندما يكون جنيناً.
أحد أهم أسباب مشاكل الكلى لدى الأطفال هو القصور الكلوي الحاد، وهذا القصور تندرج أسبابه في ثلاث فئات:
- نقص التروية الدموية للكلى، وفي هذه الفئة، يأتي الجفاف الحاد كأبرز المضاعفات المؤدية للقصور الكلوي، والذي ينتج عادة بسبب الاستفراغ (القيء) والإسهال الشديدين، خصوصاً إذا كان الطفل يتناول أدوية من مثل مسكنات الالتهاب غير الستيرودية ومن أشهرها استعمالا الايبوبروفين، وكذلك الأدوية الأخرى كبعض أدوية الضغط أو مدرات البول، بينما النزف الحاد أو الالتهاب الجرثومي الشديد أو قصور القلب أو الفشل الكبدي، كلها قد تؤثر على تروية الكلى مما قد يجعلها عرضة للقصور.
- مرض الكلى نفسها، إن أمراض الكلى ذاتها متنوعة وليست بالضرورة أنها تؤدي للقصور الكلوي، لكن ينبغي التعامل معها بحذر وحرص كبيرين، ويأتي من أبرز هذه الأمراض التي تصيب الكلى الالتهابات الكبيبية (وهي ما نطلق عليها تجاوزاً الفلاتر الكلوية لأنها هي وحدة تصفية الدم في الكلى ويوجد منها حوالي المليون كبيبة في كل كلية لدى الإنسان البالغ)، وكذلك قد تكون بسبب متلازمة البولينا الانحلالية والتي تنتج بسبب تكسر كريات الدم الحمراء في أوعية الكلى الدقيقة، مما يؤدي لتكون التجلطات الدقيقة والتي تمنع تدفق الدم للنسيج الكلوي مما يحدث ضرراً بالغاً للكلى ما لم يتم التدخل المناسب.
- مشكلة في تصريف البول من الكلى، وهذه المشاكل في تصريف البول هي في الغالب تكون ناتجة عن تشوهات خلقية، تمنع تدفق البول المتكون في الكلى إلى مجاريه الطبيعية، ويتم اكتشاف هذه التشوهات عادة أثناء التصوير بالموجات الصوتية للأم الحامل التي تتابع حملها بانتظام، ثم يتم تأكيد التشخيص بعد الولادة بتصوير آخر.
وبطبيعة الحال ليس بالضرورة أن يصاب جميع الأطفال الذين لديهم هذه التشوهات بالقصور الكلوي الحاد، لكن من المهم جداً التعرف عليها، والتدخل لعلاجها في وقت مبكر من حياة الطفل، ومن أكثر هذه التشوهات شيوعا المثانة العصبية لدى الأطفال ذوي الصلب المشقوق أو الزوائد اللحمية في مجرى البول أو الارتجاع البولي بمختلف أسبابه أو حصيات الكلى.
حينما ندرك جيداً ضعف الأطفال المصابين بأمراض الكلى، وحاجتهم للاهتمام الفائق، لمنع آثار هذا المرض على نموهم الجسدي والادراكي، فإن كل أم وأب مهما كان موقعه الاجتماعي ومن منطلق مسؤوليته الإنسانية، مطالب بالمساهمة في نشر الوعي الصحي لحماية أولادنا من مختلف الآفات والتصرفات التي قد تضر بالكلى، هذا الخلق العجيب الذي يساهم وبطريقة جبارة في تنقية أجسادنا من السموم التي قد نكون تعرضنا لها بقصد أو دون قصد.